نص: عقلانيّونَ بلا قلبٍ

نص: عقلانيّونَ بلا قلبٍ
TT

نص: عقلانيّونَ بلا قلبٍ

نص: عقلانيّونَ بلا قلبٍ

لم أُصدِّقْ متى سأنتهي من فترة الإقامة الدوريّة؛ تلكَ التي استنزفَتْنا ونحنُ نُراوحُ بينَ مستشفياتِ المَوصِلِ الخَرِبَة. لم أجدْ ما كنْتُ أُؤمَّلُ به؛ فلا دارُ الأطباءِ كما قد حكَوا لنا، حيثُ السَّمَرُ والرِّفقة الطيّبة، ولا الإعاشة مما تستلذُّهُ العينُ، وتستطيبُهُ النفسُ. ناهيَكَ عن الاعتداءاتِ على الكوادرِ الصحيّة، والفسادِ الإداري والماليِّ. كانت الجِرذانُ تختبئُ بعدَ جريمتِها، أمّا جِرذانُ اليومِ، فالصَّلافة طبعُها؛ تتبخترُ في مِشيتِها، هازّة ذيولَها، قاضمة أمامَكَ كلَّ شيءٍ، وأنتَ عاجزٌ كلَّ العجزِ عن منعِها. سنتانِ ونِصفٌ، وأنا أُشفقُ على نفسي تارَة، وعلى المرضى تارة أخرى.
ثُمَّ أخيراً، وصلَ كتابُ انفكاكي إلى مناطقِ التدرّجِ الطبي، أي القرى والأريافِ، حيثُ المراكزُ الصحيّة، والدوامُ الصباحيُّ، فوداعاً – ولو مؤقتاً – للخفاراتِ الليليّة. ما إن تُذكرُ الأريافُ حتّى تجيشَ في نفسي لذّة الطبيعة، والحياة البُدائيّة، مستحضراً ما كتبَهُ توفيق الحكيم عن «يوميّاتِ نائب في الأريافِ»، ومحمد المنسي قنديل في روايتِهِ «طبيبِ الأريافِ».
يبعُدُ قضاءُ الشيخانِ عن مدينة دهوك قُرابة الأربعينَ كيلومتراً، ومثلَها عن مدينة المَوصِلِ، وشتّانَ بينَ الطريقينِ! إنّ خمسينَ دقيقة في الذهابِ، وأخرى في الإيابِ، ليسَتْ مما يُهدَرُ عندي، فمن هنا إذن خطرت لي فكرة الكتابِ الصوتيِّ، بعدَ أن أخذَ منّي المللُ مأخذَهُ، وأنا أقلِّبُ في محطّاتِ الراديو المُشوَّشة.
بدا مُستهَلُّ ذاكَ اليومِ كغيرِهِ من الأيّامِ، برتابتِهِ المعهودة؛ الاستيقاظُ قبلَ مُنبِّهِ الجوّالِ ببضعِ دقائقَ، أداءُ صلاة الفجرِ متأخِّرة، فَطورٌ تكونُ فيهِ البيضة حاضرة دائماً، وضعُ موزة وعُلبة مياهٍ وكِمامتينِ في كيسٍ شفّافٍ، تعبئة السيّارة من محطّة وَقودٍ قريبة، ثُمَّ الانطلاقُ إلى الطريقِ الرئيسية. كنتُ قد حمّلْتُ حفلة من اليوتيوب لأمِّ كُلثومَ «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه»، وكتاباً لماركيز، عنَّ لي صُدفة بعنوانِ «قصصٍ ضائعة». أي وقعٍ على قلبي أحدثتهُ تلكَ الجملة «دانتَ بينك وبين الحب دنيا». آهٍ أيُّها الحبُّ، كم أنتَ قريبٌ وبعيدٌ.
في المركزِ الصحيِّ، لم يحدثْ شيءٌ يستحقُّ الذكرَ؛ أُناسٌ يدلِفونَ مرضى، ويخرجونَ إمّا بورقة إحالة إلى المستشفى، أو محمَّلينَ بشراباتٍ تَخلُصُ بعدَ يومينِ أو ثلاثة، ليعودوا من جديدٍ بالشكوى نفسِها. نساءٌ حواملُ هنا وهناكَ، أطفالٌ يصرخونَ، ومُوظَّفونَ لا أدري ما وظيفتُهم، وكلُّنا ننتظرُ وننتظرُ، إلى أن تُفتحَ البصمة في الساعة الواحدة.
رميتُ الكِمامتينِ قبلَ صعودي إلى السيّارة، رششتُ الكحولَ بصورة عشوائيّة؛ على يديَّ، على المِقودِ، على ناقلِ السرعة... ممزوجاً بأنغامِ موسيقى هادئة، شرعَ صوتٌ أُنثوي يسرُدُ قصصَ ماركيز، وعندما صرتُ في الطريقِ الجبليّة، كانَت القارئة قد وصلت قصّة «أشباحِ الدروبِ».
يحكي ماركيز عن شابّينِ وشابّتينِ يسافرونَ معاً في سيّارة رينو، وقد توقّفوا في الطريقِ لالتقاطِ امرأة ترتدي ملابسَ بيضاءَ، وكانَ الشبّانُ الأربعة – كما تمَّ التأكّدُ جزماً فيما بعدُ – بكاملِ قُواهم العقليّة. رافقَتهم السيّدة عدّة كيلومتراتٍ وهي تجلِسُ صامتة في المَقعَدِ الخلفيِّ، إلى ما قبلِ جسرِ «كاتري كامو» بقليلٍ، حينئذٍ أشارت إلى الأمامِ بإِصبَعٍ مرتجفة وصرخَتْ: «حذارِ، هذا منعطفٌ خطِرٌ»، واختفَتْ في الحالِ... حدثَ ذلكَ على الطريقِ العامِّة، بينَ باريس ومونبليه، ومُفوَّضُ شرطة هذهِ المدينة الأخيرة، الذي أيقظهُ الشبّانُ الأربعة ليرووا له الحادثَ، وصلَ بهِ الأمرُ إلى القَبولِ بأنّ ما قالوهُ ليسَ مِزاحاً ولا هذاياناً، لكنّهُ حَفِظَ القضيّة، لأنّهُ لم يعرِفْ ما عليهِ أن يفعلَ بها. وقد تناولت الحادثَ في الأيامِ التالية جميعُ صحفِ فرنسا، وهُرِعَ عددٌ من علماءِ النفسِ، وأطباءِ العيونِ، ومحرري الريبورتاجات الماورائيّة إلى مكانِ الرؤيا ليدرسوا ظروفَ وقوعِها، وأَنهكوا باستجواباتِهم العقلانيّة الشبّانَ الأربعة الذين اختارتهم السيّدة ذاتُ الملابسِ البيضاءِ. لكنّ النسيانَ طوى الأمرَ بِرُمَّتِهِ بعدَ أيامٍ، ولاذَ العلماءُ والصِّحافة بتحليلِ واقعٍ أكثرَ بساطة؛ ووافقَ أكثرُهم تفهُّماً على أن الرؤيا قد تكونُ صحيحة، ولكن حتى هؤلاءِ فضّلوا نسيانَها أمامَ استحالة تفسيرِها. يُكمِلُ ماركيز: من هذهِ التجرِبة، وغيرُها كثيرٌ، تعلمتُ أن أحترمَ الطرقَ العامّة احتراماً أقربَ إلى الخشوعِ.
لا أُحدِّثُكم عن القشعريرة التي انتابَتني، والوجومِ الذي ارتسمَ على مُحيَّايَ، وأنا مُستغرِقٌ بكلِّ حواسّي في هذا السَّيلِ من ميتافيزيقيّة الدروبِ، وذلكِ التزامنِ العجيبِ بينِ قيادتي السيّارة وقصّة ماركيز. أكتبُ هذا، وأنا أستذكرُ شُهداءَ المَوصلِ، وما حكاهُ لي رجل من عائلة استُشهدَ أكثرُها بالقصفِ العشوائيِّ؛ حكى لي أنّه – بعدَ تحريرِ مِنطقتِهم – عادَ إلى حَيِّهم ليُعاينَ أطلالَ بيوتِهم، وفي أثناءِ الليلِ، ومنَ الأزقّة الضيّقة في جانبِ المدينة الأيمنِ، كانت صَيحاتٌ مجهولة تتصادَمُ فيما بينَها، وأنينٌ مكتومٌ يَخرُقُ أعماقَ الروحِ.
أجلْ، وحدَهم «العقلانيّونَ بلا قلبٍ» كما يصفُهم ماركيز، سيعجَزونَ عن فَهم ظروفِ تلكَ الأحداثِ. إنَّ السيّدة ذاتَ الثيابِ البيضاءِ على طريقِ باريس مونبليه، ستظهرُ اليومَ وغداً وفي كلِّ زمانٍ ومكانٍ، لتُخبرَكَ أيُّها السائقُ أن تُقلِّلَ السرعة؛ فهذا منعطفٌ خَطِرٌ...
- قاص وشاعر وطبيب من العراق



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.