اعتلال صحة الرئيس الأوكراني في أوج الاحتجاجات المناهضة لحكمه

المتظاهرون يرفضون مغادرة مواقعهم في كييف.. وواشنطن تدرس عقوبات على الجانبين

يانوكوفيتش، الذي أُعلن عن إصابته بأزمة تنفس أمس (رويترز)
يانوكوفيتش، الذي أُعلن عن إصابته بأزمة تنفس أمس (رويترز)
TT

اعتلال صحة الرئيس الأوكراني في أوج الاحتجاجات المناهضة لحكمه

يانوكوفيتش، الذي أُعلن عن إصابته بأزمة تنفس أمس (رويترز)
يانوكوفيتش، الذي أُعلن عن إصابته بأزمة تنفس أمس (رويترز)

رفض المتظاهرون المناهضون لنظام الحكم في أوكرانيا أمس مغادرة الحواجز التي وضعوها في وسط كييف رغم تنازلات كبيرة قدمها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وفي تطور مفاجئ آخر قد يضيف مزيدا من الالتباس للأزمة، أعلنت الرئاسة أمس، أن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في عطلة مرضية لإصابته «بمرض تنفسي حاد».
لكن رغم هذا الإعلان، نشرت الرئاسة بيانا على الإنترنت تضمن اتهام الرئيس يانوكوفيتش للمعارضة بـ«مواصلة تسميم الوضع» بسبب «طموحات سياسية للبعض». وأشار الرئيس في رسالته الموجهة إلى مواطنيه، إلى «ضرورة أن تؤخذ في الاعتبار الأخطاء التي ترتكبها دائما السلطات». وتواجه أوكرانيا منذ شهرين أزمة سياسية خطرة تمثلت في تنظيم احتجاجات قوية في كييف ومدن أخرى بسبب تراجع رئيس الدولة عن توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وقبل إعلان مرضه، توجه يانوكوفيتش أول من أمس إلى البرلمان الذي شهد مناقشات حادة حول قانون عفو مقترح عن موقوفي الحركة الاحتجاجية، ليلبي بذلك واحدا من أهم مطالب المعارضة. وصوتت الأغلبية على هذا النص لكنها أرفقته بشروط قالت المعارضة بأنها غير مقبولة مثل إخلاء بعض المباني العامة التي ما زالت محتلة، إذ أنها تخشى مناورة من قبل الرئيس لكسر حركة الاحتجاج.
وقال بطل الملاكمة السابق فيتالي كليتشكو في تصريحات نشرتها صحيفة «بيلد» الألمانية أمس «أشعر أن هذا الرجل يريد أن يحتال ولا يحاول سوى كسب الوقت لكننا لن نسمح له بذلك». وأضاف أن يانوكوفيتش يجب قبل كل شيء أن يلغي القوانين التي تحد من المظاهرات وتبناها البرلمان. من جهته، قال الزعيم القومي لحزب سفوبودا أوليغ تيانيبوك أمام مئات المتظاهرين في برد قارس بدرجة حرارة 20 تحت الصفر أن «نضالنا سيستمر». وبلغ عدد الموقوفين من المتظاهرين منذ بدء الاحتجاجات 234 شخصا، حسبما ذكرت وزارة العدل الأوكرانية.
وصباح أمس، لم يتجمع سوى عشرات الناشطين الذين وضع بعضهم خوذا ويحملون عصيا، وسعى الأوروبيون الذين يخشون تصاعد هذا النزاع الذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص الأسبوع الماضي في كييف، إلى توجيه رسالة تهدئة إلى كل الأطراف. ودعت منسقة السياسية الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون خلال زيارة لأوكرانيا أول من أمس إلى «وقف العنف وعمليات الترهيب أيا كان مصدرها».
وكان الأوروبيون قدموا أولا دعما واضحا للتعبئة الشعبية في أوكرانيا التي نجمت عن تراجع يانوكوفيتش عن توقيع الشراكة وتقربه من روسيا على حساب الاتحاد الأوروبي. لكن بعد المواجهات العنيفة في كييف، دعا المسؤولون الأوكرانيون إلى الحوار ودانوا في الوقت نفسه تبني قوانين فرض قيود على المظاهرات.
وكانت موسكو دفعت نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي ثلاثة مليارات دولار لكييف التي كانت على حافة الإفلاس، وتأمل أوكرانيا في أن تحصل على ملياري دولار إضافية خلال الأسابيع المقبلة بهدف دفع ديونها خصوصا لصندوق النقد الدولي.
وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من «أي تدخل» في الشؤون الداخلية الأوكرانية. كما أفاد أنه سينتظر «تشكيل حكومة أوكرانية جديدة» لضمان تطبيق الاتفاقات المبرمة في ديسمبر (كانون الأول) بخصوص مساعدة بقيمة 15 مليار دولار.
وفي واشنطن، أعلن مساعدون بالكونغرس أن إدارة الرئيس باراك أوباما تحضر لعقوبات مالية قد تفرض على مسؤولين أوكرانيين وزعماء الاحتجاجات في حال تصاعد العنف في البلد. وأضاف مساعدو المشرعين الذين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم بسبب حساسية الموضوع أنهم ناقشوا ترتيبات العقوبات مع مسؤولين بالإدارة، وقالوا: إنه لم يجر بعد الاتفاق على التفاصيل النهائية لحزمة العقوبات لكنها قد تكون جاهزة سريعا لتفرض على مسؤولين بالحكومة أو زعماء حركة الاحتجاج في حالة انتشار العنف. وأكد الرئيس أوباما الثلاثاء في خطابه السنوي حول حالة الاتحاد أن الشعب الأوكراني يجب أن يكون قادرا على تقرير مستقبله. وقال أمام الكونغرس «في أوكرانيا، ندافع عن مبدأ أن يكون للشعب الحق في التعبير بكل حرية وسلميا وأن تكون له كلمة بالنسبة لمستقبل البلاد».
بدوره، ذكر أول رئيس لأوكرانيا بعد استقلالها ليونيد كرافتشوك أول من أمس أمام البرلمان أن البلاد أصبحت «على شفير حرب أهلية» داعيا النواب إلى المشاركة في التوصل إلى مخرج للأزمة. وقال كرافتشوك رئيس البلاد بين 1991 و1994 بعيد الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي السابق أن «العالم بأسره مدرك وأوكرانيا مدركة أن البلاد على شفير حرب أهلية». ودعا النواب الذين صفقوا له مطولا إلى وضع «خطة لتسوية النزاع».



تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
TT

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

كشفت شهادات أُميط عنها اللثام، يوم الأربعاء، من قِبَل لجنة تحقيق في تصرفات الجنود البريطانيين خلال الحرب هناك أن جنود القوات الخاصة البريطانية استخدموا أساليب متطرفة ضد المسلحين في أفغانستان، بما في ذلك تغطية رجل بوسادة قبل إطلاق النار عليه بمسدس، بالإضافة إلى قتل أشخاص غير مسلحين.

جنود من الجيش البريطاني (رويترز)

قال أحد الضباط في حديث مع زميل له، في مارس (آذار) 2011، وهو ما تم تأكيده في شهادة قدمها خلال جلسة مغلقة: «خلال هذه العمليات، كان يُقال إن (جميع الرجال في سن القتال يُقتلون)، بغض النظر عن التهديد الذي يشكلونه، بمن في ذلك أولئك الذين لا يحملون أسلحة».

* مزاعم جرائم حرب

كانت وزارة الدفاع البريطانية قد أعلنت، في عام 2022، أنها ستجري التحقيق للتيقُّن من مزاعم جرائم حرب ارتكبتها القوات البريطانية في أفغانستان بين عامي 2010 و2013. وفي عام 2023، أكدت أن المزاعم تتعلق بوحدات القوات الخاصة، وفق تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الأربعاء.

* ثقافة الإفلات من العقاب

جاءت مئات الصفحات من الأدلَّة التي نُشرت، والتي تضمّ رسائل بريد إلكتروني متبادَلة، ورسائل، وشهادات من ضباط كبار وجنود عاديين، لترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية تتسم بثقافة الإفلات من العقاب؛ حيث كانت أعداد القتلى أهم من أي معايير أخرى.

* مستعصون على اللوم

قال أحد أعضاء وحدة بريطانية إن الجنود بدا عليهم أنهم «مستعصون على اللوم»، خلال سنوات القتال الطويلة في أفغانستان، وهو ما منَحَهم «تصريحاً ذهبياً يسمح لهم بالتملُّص من القتل».

وكما الحال مع جميع الشهود؛ فقد جرى إخفاء هوية هذا الجندي، وتم تعديل العديد من البيانات والوثائق الأخرى بشكل كبير لإخفاء الأسماء والوحدات وموقع العمليات. لكن حتى مع إخفاء هذه التفاصيل، كانت هناك أوصاف تكشف عن ضباط صغار شاركوا مخاوفهم مع رؤسائهم حول التكتيكات المستخدمة خلال المداهمات الليلية ضد المسلحين.

في رسائل بريد إلكتروني متبادلة من فبراير (شباط) 2011، أخبر جندي ضابطاً كبيراً عن مداهمة جرت خلالها إعادة أفغاني بمفرده إلى داخل مبنى، لكنه عاد بسلاحه رغم أن القوة المداهمة كانت تفوقه عدداً بكثير. تساءل الجندي ما إذا كانت وحدات «القوات الجوية الخاصة» تطلب من الأفغان إحضار أسلحتهم «مما يعطي المسوغ لإعدامهم»؟

* القتل العشوائي

رد الضابط الكبير قائلاً: «نقطة جيدة. يبدو أن هناك تجاهلاً عشوائياً للحياة ومبادئ مكافحة التمرد والتقارير الموثوقة».

تشير مبادئ مكافحة التمرد (COIN) إلى العقيدة التي استخدمها الجنود الأميركيون والبريطانيون وغيرهم من جنود حلف «الناتو»، خلال غالبية فترات الحرب في أفغانستان. من بين المخاوف الأخرى، كان القتل العشوائي للمقاتلين المدنيين والأفغان الذي يُعدّ بمثابة تدمير للثقة بين القوات الأجنبية والسكان المدنيين.

في مبادلة أخرى، وصف الضابط الكبير نفسه كيف بدا أن وحدات «القوة الجوية الخاصة (ساس)»، كانت تعود إلى «التكتيكات القديمة».

* «وحدات ساس»

عندما طُرِح سؤال في بريد إلكتروني حول ما إذا كانت «وحدات ساس» تخلق سيناريوهات تسمح لهم بقتل المقاتلين الأفغان، رد ضابط آخر قائلاً: «هؤلاء الأفغان أغبياء لدرجة أنهم يستحقون الموت». قال الضابط الأول إنه اعتبر الرد «تعليقاً سخيفاً من جانبه يعكس حقيقة أن الطريقة التي وصف بها مقتل الأفغان غير منطقية».

وقالت وزارة الدفاع إنه «من المناسب أن ننتظر نتيجة التحقيق قبل الإدلاء بالمزيد من التعليقات».

المزاعم المتعلقة بجرائم الحرب من قبل الجنود البريطانيين في أفغانستان ليست بالجديدة؛ فقد تم تسليط الضوء عليها في تقارير إعلامية، أبرزها لدى برنامج التحقيقات «بانوراما»، من «بي بي سي». كما اتهمت القوات الخاصة الأميركية بعدة حالات لسوء السلوك في أفغانستان، بما في ذلك قتل المدنيين أثناء المداهمات، ثم محاولة التعتيم على ذلك.

جندي من القوات الخاصة البريطانية خلال التدريبات (أرشيفية - متداولة)

جاء سلوك القوات الخاصة البريطانية ليثير نزاعاً سياسياً في الخريف الماضي عندما كان حزب المحافظين على وشك اختيار زعيم جديد. ادعى روبرت جينريك، أحد المرشحين، من دون دليل، أنهم «يُقدِمون على القتل بدلاً من القبض على الإرهابيين»، وقال إن ذلك كان لأن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية كانت ستجبر بريطانيا على إطلاق سراحهم، حال تركوهم أحياء.

تعرض جينريك لانتقادات حادة من مرشحين آخرين، توم توغندهات وجيمس كليفرلي، وكلاهما من الجنود السابقين. وقال توغندهات إن تعليقاته أظهرت «سوء فهم جوهرياً للعمليات العسكرية وقانون النزاع غير المسلح».

ظهرت بعض هذه المكاشفات نتيجة للتنافس الشديد بين القوة الجوية الخاصة، ووحدة القوات الخاصة للجيش البريطاني، وقوة القوارب الخاصة، التي تُعد نظيرتها في البحرية الملكية.

وصلت القوة الجوية الخاصة إلى أفغانستان عام 2009. والعديد منهم جاءوا مباشرة من الحرب في العراق، وتولوا مهمة مطاردة مقاتلي «طالبان» من «قوة القوارب الخاصة»، وقد أُثير العديد من المخاوف بشأن أساليبهم من قبل جنود وقادة تلك القوة.

* ثقافة التعتيم

أعرب العديد من الشهود عن استيائهم من ثقافة التعتيم على الأعمال الوحشية بتزوير تقارير العمليات. في حالة الرجل الأفغاني الذي تمَّت تغطية رأسه، «تم ايهامه بأنه سيتم التقاط صور لجثة بجانب الأسلحة التي قد لا تكون بحوزته عندما تم قتله»، بحسب رواية أحد الجنود للجنة التحقيق.

قال جندي آخر في بريد إلكتروني في فبراير (شباط) 2011 إنه عندما أثار الناس مخاوفهم، جاء الرد عليهم: «ما الذي لا يفهمه الجميع بشأن مدى أهمية هذه العمليات؟ يبدو أن الجنود يتصرفون وكأنهم فوق النقد».

حذَّر البعض من أن القوات البريطانية قد تكون عرضة لنفس الحرج شأن حلفائها الأميركيين الذين واجهوا فضيحة في 2010 بتسريب سجلات عسكرية توثق 6 سنوات من الحرب في أفغانستان، بواسطة «ويكيليكس»، المجموعة التي أسسها جوليان أسانج.

قال أحد الضباط في بريد إلكتروني: «إذا لم نصدق هذا، فسيصدقه الآخرون، وعندما يحدث تسريب تالٍ لـ(ويكيليكس)، فسيجروننا معهم».