ليبيون يعوّلون على الحمض النووي لكشف «جرائم الكانيات»

بعد أن مكّن من التعرف على جثامين ضحايا «المقابر الجماعية» في ترهونة

عبد العالي الفلوس يتوسط اثنين من أبنائه قبل تصفيتهم ودفنهم بمقبرة جماعية في ترهونة (بركان الغضب)
عبد العالي الفلوس يتوسط اثنين من أبنائه قبل تصفيتهم ودفنهم بمقبرة جماعية في ترهونة (بركان الغضب)
TT

ليبيون يعوّلون على الحمض النووي لكشف «جرائم الكانيات»

عبد العالي الفلوس يتوسط اثنين من أبنائه قبل تصفيتهم ودفنهم بمقبرة جماعية في ترهونة (بركان الغضب)
عبد العالي الفلوس يتوسط اثنين من أبنائه قبل تصفيتهم ودفنهم بمقبرة جماعية في ترهونة (بركان الغضب)

ما زالت «المقابر الجماعية»، التي يتم اكتشافها من وقت لآخر في مدينة ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس) تكشف عن مفاجآت صادمة لكثير من المواطنين، الذين يعثرون على ذويهم المختفين منذ سنوات.
وعثر في المدينة، التي سيطرت عليها ميليشيات «الكانيات» المسلحة لسنوات عدة، على عشرات الجثامين المتفحمة، وعلى أطفال تم تصفيتهم وهم مكبلون من الخلف في آبار مهجورة. وتواجه ميليشيات «الكانيات» اتهامات بتصفية عدد من الأسرى، الذين وقعوا في قبضتها منذ اندلاع المواجهات العسكرية بين «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق» في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019، انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم.
وأعلنت عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات حكومة «الوفاق»، في وقت مبكر من صباح أمس، أن إحدى العائلات بترهونة تعرفت على جثامين جميع ذويها المختفين من أسرة «الفلوس»، بفضل عمل فريق الطب الشرعي، ومطابقة البيانات الطبية والملابس قبل وبعد وفاتهم، حيث تبين أنهم من العائلة نفسها، وهم عبد العالي صالح الفلوس (53 عاماً)، وأبناؤه الثلاثة عبد الرحمن (16 عاماً)، وعبد المالك (15 عاماً) ومحمد (10 أعوام).
وأشارت «العملية» إلى أن أسرة الفلوس في ترهونة تعرفت على هوية ذويهم بين الجثث، التي تم انتشالها من مقابر ترهونة، بعد عرض الصور الأولية للجثث والمتعلقات الشخصية، بالإضافة إلى مطابقة علامات التعرف عليهم.
ومنذ تمكن قوات «الوفاق» من السيطرة على مدن غرب ليبيا، وإخراج «الجيش الوطني» خارج الحدود الإدارية للعاصمة مطلع يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين العثور على «مقابر جماعية»، ضمت رفات مواطنين سبق الإبلاغ عن اختفائهم، ليرتفع بذلك عددها إلى 27 مقبرة. وأثار الإعلان عن العثور على هذه المقابر ردود فعل غاضبة داخل الأوساط السياسية والاجتماعية، وسط تنديد أممي ودولي، ومطالبات بالتحقيق، وضبط المتورطين.
وبدأت القصة المأساوية لعائلة الفلوس، بحسب رواية عملية «بركان الغضب»، خلال العدوان على طرابلس، حيث تداول بعض المواطنين فيديو تضمّن اتهامات لعصابة (الكانيات) الإجرامية، فأمر عبد الرحيم الكاني، بإحضار أي شخص في ترهونة له صلة قرابة بمن ظهروا في الفيديو، وكان من بينهم عبد العالي الفلوس وأطفاله، مشيرة إلى أن الأخير كان موظفاً في مصرف الجمهورية، «ومشهودا له بحسن الخلق والسمعة الحسنة».
وأوضحت عملية «بركان الغضب» أنه في مساء الثالث من أبريل (نيسان) العام الماضي، أقدم 15 فرداً من عصابة «الكانيات» بالقبض على عبد العالي وأبنائه الأربعة، بعد مداهمة منزلهم بترهونة، واقتادوهم إلى استراحة عبد الرحيم الكاني، وهناك تم تكبيل الأب والأطفال صفاً واحداً، وقام الكاني بتصفيتهم واحداً تلو الآخر، بعدما وجه إليهم سيلا من السب والشتم، لكن الطفل معاذ، أصغر الضحايا، نجا بأعجوبة من موت محقق.
وتابعت «العملية» موضحة: «بعد تصفيتهم وضعوا جثثهم في سيارة نقل، وردموهم في حفرة بمشروع الربط، داخل إحدى المقابر الجماعية، التي خلفتها الميليشيات الهاربة، والعصابات الإجرامية المتحالفة معها، لكن عثر عليها بعد هروبهم من ترهونة».
والعناصر الأساسية في ميليشيا «الكانيات»، هم محمد الكاني (47 عاماً) القيادي بالمجلس العسكري بترهونة، وشقيقاه معمر وعبد الرحيم، وجميعهم فروا من المدينة رفقة عشرات من التابعين. وسبق أن زار وفد من المحكمة الجنائية الدولية ترهونة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمعاينة «المقابر الجماعية»، بعد زيارة سابقة في شهر يوليو (تموز) الماضي، التقى فيها الوفد الصديق الصور، رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، لبحث ملف الألغام و«المقابر الجماعية».
وكانت السلطات في طرابلس قد دشنت بداية الشهر الحالي معرضاً لمتعلقات الضحايا لمساعدة ذويهم في التعرف عليهم، وهو ما ساعد العديد من الأسر في التعرف على هوية ذويهم المبلغ باختفائهم منذ سنوات.
وبات الحمض النووي أمل كثير من الأسر في غرب ليبيا للتعرف على هويات ذويهم من بين عشرات الجثث، التي يتم استخراجها من «المقابر الجماعية».
وقد أعلنت وزارة العدل بالعاصمة استمرار العمل بأخذ عينات الحمض النووي من الجثامين المستخرجة خلال الفترة الماضية من مقابر بترهونة، وتسليمها لإدارة المختبرات بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين. وقالت عملية «بركان الغضب» إنه ما زال بإمكان أهالي المفقودين غير المبلغين عن اختفائهم، التواصل مع إدارة قيد أهالي المفقودين بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وللتبليغ وفتح ملف بعد استيفاء الأوراق المطلوبة.
والعثور على جثث متحللة أو مقطوعة الرؤوس، أو مقابر جماعية في عموم ليبيا، ليس بالأمر النادر. فقد سبق العثور على مقابر من هذه النوعية على مدار السنوات الماضية، بعضها لضحايا تنظيم «داعش» في مدينة سرت، بالإضافة إلى العثور على رفات لمواطنين وأطفال خطفوا على أيدي الميليشيات بالعاصمة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».