جدل أميركي حول تسليح أوكرانيا يبرز محاسن الردع ومخاطر توسع النزاع

توصية لإدارة أوباما بإرسال معدات قتالية بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 3 سنوات

متطوعون في كتيبة «سانت ماريا» لدى توجههم للدراسة العسكرية في كييف أمس في إطار التحضير للانتقال إلى جبهات القتال في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)
متطوعون في كتيبة «سانت ماريا» لدى توجههم للدراسة العسكرية في كييف أمس في إطار التحضير للانتقال إلى جبهات القتال في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)
TT

جدل أميركي حول تسليح أوكرانيا يبرز محاسن الردع ومخاطر توسع النزاع

متطوعون في كتيبة «سانت ماريا» لدى توجههم للدراسة العسكرية في كييف أمس في إطار التحضير للانتقال إلى جبهات القتال في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)
متطوعون في كتيبة «سانت ماريا» لدى توجههم للدراسة العسكرية في كييف أمس في إطار التحضير للانتقال إلى جبهات القتال في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)

تبحث الإدارة الأميركية عدة خيارات لمواجهة التدخل الروسي في أوكرانيا بينها احتمال تقديم معدات عسكرية قتالية لمساعدة الحكومة الأوكرانية على مواجهة الانفصاليين الموالين لروسيا. لكن هناك انقساما داخل الإدارة إزاء هذه الخطوة، إذ يراها المؤيدون رادعة لروسيا بينما يحذر المتحفظون من مخاطر رد الفعل الروسي عليها بما يؤدي لتوسع النزاع واندلاع حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا.
ويعتزم وزير الخارجية الأميركي جون كيري القيام بزيارة إلى كييف غدا الخميس لإجراء محادثات مع المسؤولين الأوكرانيين، وكذا الالتقاء مع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل لمناقشة الوضع المتدهور في أوكرانيا. كذلك، يفترض أن يناقش الرئيس الأميركي باراك أوباما الخطوات المقبلة لمواجهة الأوضاع المتدهورة في أوكرانيا والخيارات المطروحة، خلال لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاثنين القادم. وأعلنت ميركل أن بلادها لن تقدم أسلحة إلى أوكرانيا وتعول على الحل السلمي للأزمة.
وقدمت الولايات المتحدة الكثير من المساعدات غير القتالية منذ اندلاع الأزمة، مثل الدروع الواقية والبطانيات والمستلزمات الطبية وأقنعة الغاز ونظارات للرؤية الليلية وأنظمة رادار، لكن الحزمة الجديدة من المساعدات القتالية التي تفكر الإدارة في تقديمها لأوكرانيا تشمل أنظمة صواريخ مضادة للدبابات وأنظمة دفاعية مضادة للطائرات وذخائر وأسلحة صغيرة.
وتسربت الأنباء حول تفكير الإدارة الأميركية في تقديم أسلحة دفاعية للجيش الأوكراني بعد أن أحرز الانفصاليون الموالون لروسيا مكاسب في شرق أوكرانيا وبرزت مؤشرات عن انهيار محادثات السلام. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن القائد العسكري لحلف شمال الأطلسي فيليب بريدلوف ووزير الدفاع تشاك هاغل يساندان فكرة توفير أسلحة دفاعية للجيش الأوكراني. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وزير الخارجية جون كيري ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي ومستشارة الرئيس الأمن القومي سوزان رايس منفتحون لفكرة تقديم المساعدات العسكرية القتالية لأوكرانيا. وأشار السيناتور الجمهوري جون ماكين في تصريحات لشبكة «سي بي إس» إلى ضرورة إرسال مساعدات عسكرية وتعزيز التعاون الاستخباري مع أوكرانيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك للقيام بالعمل. كما أرسل السيناتور روبرت منديز رسالة إلى الوزير كيري يحثه على اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه تصاعد التوتر في أوكرانيا.
وفي تقرير أصدره خبراء بمعهد «بروكينغز» و«معهد شيكاغو» و«المجلس الأطلسي» الاثنين بعنوان الحفاظ على استقلال أوكرانيا ومقاومة العدوان الروسي، نصح معدو التقرير، الإدارة الأميركية بإرسال ما قيمته 3 مليارات دولار من المساعدات الدفاعية والقتالية لأوكرانيا، على مدى 3 سنوات لتعزيز قوة الردع لدى الجيش الأوكراني ورفع مخاطر وتكلفة قيام روسيا بأي هجوم كبير. وأشارت ميشيل فلورنوي، التي شاركت في إعداد التقرير، وتشغل منصب رئيس مركز الأمن الأميركي الجديد وعملت سابقا في وزارة الدفاع، إلى ضرورة أن يقدم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على خلق وضع يجعل الكرملين ينظر إلى القيام بمزيد من الأعمال العسكرية، على أنه أمر مكلف للغاية. ونصحت بإرسال صواريخ مضادة للدروع وعربات همفي المدرعة وطائرات استطلاع من دون طيار.
من جانبه، نفى بن رودس نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات تقديم الإدارة الأميركية أسلحة عسكرية قتالية إلى أوكرانيا في الوقت الحاضر. وقال رودس لشبكة «سي إن إن» الاثنين «مازلنا نعتقد أن أفضل طريقة لدفع روسيا لتغيير حساباتها هو من خلال العقوبات الاقتصادية ولا نعتقد أن الجواب على الأزمة في أوكرانيا هو ببساطة ضخ مزيد من الأسلحة لذا فلن نقدم أسلحة عسكرية إلى الأوكرانيين ليس بالتأكيد في المستقبل القريب». كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي «نحن نريد مساعدة أوكرانيا بالتأكيد ومساعدة الحكومة خلال هذه الفترة الانتقالية ونحن ننظر في مجموعة من الخيارات».
وفي الجانب الأوكراني، قال مصدر دبلوماسي نقلت تصريحات وكالة الصحافة الفرنسية أمس إن كييف «تجري حوارا مستمرا مع شركائها» بخصوص الحصول على أسلحة، وتأمل أن تتكون لديها فكرة أوضح نحو نهاية الأسبوع، بعد سلسلة لقاءات مع مسؤولين أميركيين. وقال المصدر «نأمل الحصول على مزيد من التفاصيل بعد زيارة (الوزير الأميركي) جون كيري هذا الأسبوع إلى كييف»، ثم لقاء بين الرئيس بيترو بوروشينكو ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش المؤتمر الدولي حول الأمن في ميونيخ. وأوضح المصدر ذاته أن المحادثات لا تتناول سوى أسلحة دفاعية بينما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» من جهتها أن واشنطن تدرس إمكانية تزويد كييف بصواريخ قوية مضادة للدبابات من طراز جافلين وأسلحة خفيفة وذخيرة. وتأتي الأنباء عن إرسال أسلحة أميركية لأوكرانيا، بعد أن غرق الشرق الأوكراني حيث قتل أكثر من 5300 شخص خلال 10 أشهر من النزاع، مجددا في أعمال العنف في الأسابيع الأخيرة وبعد أن فشلت مفاوضات السلام التي عقدت السبت في مينسك. وقتل 21 شخصا بينهم 16 مدنيا في خلال 24 ساعة في المعارك بحسب أرقام أعلنتها كل من السلطات الأوكرانية والمتمردون بشكل منفصل أمس.
ودارت أعنف المواجهات قرب مدينة ديبالتسيفي الملتقى الهام لسكك الحديد على بعد نحو خمسين كيلومترا إلى شمال شرقي دونيتسك معقل الانفصاليين. ويسعى المتمردون منذ أكثر من أسبوع إلى تطويق الجيش الأوكراني فيها. وفي دونيتسك استمر القصف المدفعي حتى وقت متأخر من مساء أول من أمس قبل أن يستأنف صباح أمس.
وأحصت الأمم المتحدة 224 قتيلا مدنيا و545 جريحا خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة وحدها، ودانت في بيان أمس «عمليات القصف العشوائية على المناطق السكنية، أكان على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة أم على تلك الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة». وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان نشر أمس «إن المدنيين يقعون فريسة النيران من الجانبين والوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم». ونقل البيان عن رئيس وفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أوكرانيا ميشال ماسون قوله: «إن على السكان أن يختبئوا في الطوابق السفلية تحت الأرض خلال أيام وأولئك الذين يحاولون المجيء لمساعدتهم يخاطرون بحياتهم». وقالت منظمة العفو الدولية إن سكان مدينة ديبالتسيفي انخفض من 25 ألفا إلى 7 آلاف شخص في خلال بضعة أيام، فسكانها يهربون في ظروف إنسانية «كارثية وفي الإجمال خلف النزاع أكثر من 5300 قتيل في خلال 10 أشهر، فيما فشلت مفاوضات السلام التي جرت السبت الماضي في مينسك».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.