«التمييز» اللبنانية تقصي صوان عن التحقيق في «انفجار المرفأ»

بعد اتهامه بـ«عدم الحياد» بسبب تضرر منزله في الحادث

صورة التقطت في اليوم التالي للانفجار بمرفأ بيروت (أ.ب)
صورة التقطت في اليوم التالي للانفجار بمرفأ بيروت (أ.ب)
TT

«التمييز» اللبنانية تقصي صوان عن التحقيق في «انفجار المرفأ»

صورة التقطت في اليوم التالي للانفجار بمرفأ بيروت (أ.ب)
صورة التقطت في اليوم التالي للانفجار بمرفأ بيروت (أ.ب)

كفّت محكمة التمييز في لبنان يد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوّان، عن الملف، ودعت إلى تعيين قاضٍ آخر لتولي هذه المهمة، وذلك استجابة للمذكرة القانونية التي قدمها وزير المال السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال العامة الأسبق غازي زعيتر، بسبب «الارتياب المشروع» و«افتقاد صوّان إلى التعاطي بتجرّد وحيادية في هذا الملف»، نتيجة ادعائه عليهما رغم حصانتهما النيابية، وإصراره على استدعائهما للتحقيق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، والوزير السابق يوسف فنيانوس. وأثار الادعاء على الأشخاص الأربعة انتقادات سياسية من جهات عدة.
واتخذت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجّار وعضوية المستشارين القاضيين إيفون بو لحود وفادي العريضي، قرارها بالأكثرية، أي بموافقة الحجّار وبو لحود، بعد أن خالف القاضي فادي العريضي رأي زميليه، وبهذا القرار فقدَ القاضي صوان صفة المحقق العدلي، وبات لزاماً عليه أن يحيل الملف إلى النيابة العامة التمييزية، فور تبليغه مضمون قرار المحكمة صباح اليوم، وهذا يستدعي مسارعة وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم إلى تسمية قاضٍ آخر لتولي هذه المهمة، وعرض الأمر على مجلس القضاء الأعلى للموافقة عليه ليباشر القاضي الجديد تحقيقاته في الملف.
واستندت محكمة التمييز إلى أسباب عدة حملتها على اتخاذ هذا القرار، وأوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «أبرز موجبات قبول طلب المستدعيين علي حسن خليل وغازي زعيتر، يكمن في ثبوت واقعة أن القاضي صوّان هو أحد المتضررين من انفجار المرفأ جرّاء تعرض منزله في الأشرفية لأضرار مادية، ما يجعل صوّان أو أي قاض آخر متضرر من انفجار المرفأ يفتقد إلى الحيادية والتجرد».
وعدّت المحكمة في حيثيات قرارها، وفق تعبير المصدر القضائي، أن «حتمية وجود القاضي صوّان في عداد المتضررين وإصابة منزله بأعطال وتكسير، تجعله مدعياً مفترضاً وإن لم يتقدم بدعوى شخصية، وتضعه في موقع الخصومة مع المتهمين بالتسبب في انفجار المرفأ، وهذا يصعّب عليه اتخاذ قراراته بتجرد وحيادية، مما يجعل عنصر (الارتياب المشروع) في استقلالية صوان أمراً متوفراً، وبالتالي يقتضي كفّ يده، وتعيين قاض آخر يعين وفق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية».
من جهته، عدّ القاضي العريضي في مخالفته مضمون القرار، أن «تضرر منزل القاضي صوّان مادياً بفعل الانفجار لا يؤثر على تجرّده، خصوصاً أن الأخير لم يكن هو ولا أحد من أفراد عائلته في عداد المدعين، وهذا لا يجعل منه فريقاً في الدعوى الحاضرة، كما أنه ليس ثمة مادة قانونية تتحدث عن مدعٍ مفترض، فإما أن يكون الشخص مدعياً بشكل رسمي، وإما لا يكون».
ولفت القاضي العريضي إلى أن «الخسائر المادية التي تكبدها القاضي صوّان والتي عمل على إصلاحها فوراً، لا تحمل على الاستنتاج الموضوعي بأنه متجرّد من حياديته وموضوعيته، أو أنه يبدي تعاطفاً مريباً مع المدعين الشخصيين، وهذا لا يرتقي إلى مفهوم حالة (الارتياب المشروع)».
وشدد العريضي على أن «المراجعة مقبولة في الشكل، لكنها تستوجب الردّ في الأساس لعدم قانونيتها وجدواها».
ومع هذا القرار، تعدّ جلسات التحقيق التي حددها صوان اليوم الجمعة وخلال الأسابيع المقبلة في حكم الملغاة. وقد باشرت محكمة التمييز إبلاغ المراجع القضائية المعنية وأطراف القضية نص القرار المذكور، وأول من أُبلغ الأمر وزيرة العدل ماري كلود نجم، التي يفترض بها تسمية قاضٍ جديد.
كما أحيلت نسخة من القرار إلى صوّان الذي سيبلَّغ به رسمياً صباح اليوم، وكذلك إلى النيابة العامة التمييزية، ونقابة المحامين في بيروت بوصفها الوكيل القانوني لنحو 620 شخصاً من أهالي الضحايا الذين قضوا في انفجار المرفأ والمصابين بأضرار جسدية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مراجع قانونية أن «نقابة المحامين ستعكف على دراسة قرار محكمة التمييز، للنظر في إمكانية الطعن فيه وطلب إبطاله في مراجعة قد تتقدّم بها أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وبعضوية تسعة قضاة هم رؤساء غرف محاكم التمييز الجزائية والمدنية». وإذ اعترفت المراجع القانونية بأن هذا المسار ليس سهلاً ويتطلب دراسة معمّقة، أكدت أن النقابة «لن تستسلم لإخضاع تحقيقات انفجار المرفأ للتسييس، وتضييع حقوق الضحايا».
وذكرت بأن هذا القرار «سيعقد إجراءات الملف، ويعيد التحقيق إلى بداياته، لأن أي قاض سيعيّن لهذه المهمة يحتاج إلى أسابيع طويلة، وإعادة استجواب جميع الموقوفين والمدعى عليهم والشهود، بالإضافة إلى تقارير الخبراء اللبنانيين والأجانب».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».