الدولار يلامس 10 آلاف ليرة وسعر الخبز يرتفع 50 %

مع الرفع المقنع لدعم «المركزي» للسلع الأساسية

TT

الدولار يلامس 10 آلاف ليرة وسعر الخبز يرتفع 50 %

انخفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أمس، إلى مستوى غير مسبوق منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولامس 10 آلاف ليرة للدولار، الأمر الذي ربطه البعض بزيادة طلب التجار المستوردين على الدولار من السوق السوداء خلال الأسابيع الماضية بسبب عدم فتح «مصرف لبنان المركزي» اعتمادات للبضائع المدعومة، في خطوة تدخل ضمن «الترقيع»، حسب وصف الخبير الاقتصادي جان طويلة. وارتفعت أسعار سلع أساسية، مثل اللحوم ومشتقات نفطية بشكل مفاجئ، وترافق ذلك مع ارتفاع سعر الدولار الذي بلغ 9400 ليرة للدولار، في أدنى انخفاض منذ أشهر.
ويرى طويلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنّ احتياطي «مصرف لبنان» من العملات الأجنبيّة لم يعد كافياً للاستمرار بالدعم، لذلك ما يحصل هو وقف الدعم، ولو من غير إعلان رسمي عن بضائع معيّنة، والاستمرار بدعم بضائع أخرى، مضيفاً أنّ «هذه الطريقة بالتعاطي التي تشبه إعطاء حبّة مسكن لمريض بحالة حرجة، لن تصمد طويلاً»، ذلك أنه «عاجلاً أم آجلاً سيتوقف الدعم بحكم نفاد الاحتياطي، ولا سيّما أنه لا دولارات ستدخل إلى لبنان قبل إيجاد حل سياسي، ومن بعده العمل على خطة اقتصادية تقوم على دعم الإنتاج المحلي، وتصديره وجذب الاستثمارات الخارجية».
ويرى طويلة أنّ استمرار الدعم حتى هذه اللحظة يعود إلى تراجع حجم الاستهلاك في لبنان، وبالتالي تراجع الاستيراد، ما يعني انخفاض قيمة الفاتورة التي يدعمها «مصرف لبنان»، إلا أنّ هذا الأمر سيمدّد الدعم لفترة قصيرة جداً، ولن يساهم باستمراره.
ويعتبر طويلة أنّه ما دام الوضع على حاله سيستمر سعر الدولار بالارتفاع، مذكراً بأنّ «مصرف لبنان» يطبع شهرياً أوراقاً نقدية بالعملة اللبنانية، وذلك لتأمين أموال المودعين على أساس سعر صرف المنصة (3900 ليرة للدولار)، ولدفع رواتب القطاع العام، مشيراً إلى أنّ الحل يكون عبر وضع خطة اقتصادية واضحة وكسب ثقة المجتمع الدولي لضمان دخول دولار جديد قبل الانفجار الاجتماعي.
ويكرر مستوردو البضائع المدعومة، لا سيما غير الأساسية (الدواء والمحروقات والقمح)، التي يدعمها «مصرف لبنان» بتأمين دولار استيرادها على أساس سعر صرف 3900 ليرة أن «لا قرار رسمياً برفع الدعم، ولكن عملياً موافقة (مصرف لبنان) على الاعتمادات للمواد المدعومة يأخذ أكثر من شهر».
ويؤكّد نقيب مستوردي المواد الغذائيّة هاني بحصلي لـ«الشرق الأوسط» تراجع حجم استيراد البضائع المدعومة ضمن السلّة الغذائية بنسبة كبيرة، بسبب تأخر «مصرف لبنان»، بالموافقة على الاعتمادات المتعلّقة بهذه البضائع، ما يدفع التجّار إلى عدم المخاطرة باستيرادها.
ويؤكد أصحاب المحال المخصّصة لبيع المواد الغذائيّة إنّ التجار يعطونهم حالياً، ومنذ قرابة الشهر نصف الكميّة المعتادة من المواد المدعومة، التي لم تكن بالأصل كافية لحاجة السوق.
التأخّر في معاملات «مصرف لبنان» يؤكّدها أيضاً نقيب مستوردي اللحوم غابي دكرمجيان، مشيراً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ هذا التأخر زاد، خلال الأشهر الماضية، بشكل لافت، وبات يتجاوز مدة الشهر.
وطمأن دكرمجيان إلى أنّ الاستيراد مستمر، وأنّه حتى اللحظة وما دام الموضوع مقتصراً على التأخير لا التوقّف لن يكون هناك أي ارتفاع بأسعار اللحوم المستوردة.
بدوره، يوضح رئيس نقابة مربي الدواجن في لبنان، موسى فريجي، أن «مصرف لبنان» لا يدفع الدعم المطلوب لمستلزمات تربية الدواجن والأعلاف التي تشكل 70 في المائة من تكلفة الإنتاج، وأنّ المواد المدعومة الموجودة في المستودعات تكفي فقط لـ35 يوماً.
ويقول فريجي في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه في حال استمرّ «مصرف لبنان» في هذا الأمر سيرتفع سعر الدواجن بطبيعة الحال، ولكن ليس قبل شهر ونصف الشهر.
وكان سعر البنزين، الذي يؤمّن «مصرف لبنان» 85 في المائة من استيراده على أساس سعر الـ1500 ليرة للدولار، ارتفع بشكل لافت خلال الأسابيع الماضية حتى أصبح سعر صفيحة البنزين 32200 ليرة، بعدما كانت لا تتجاوز الـ24 ألفاً، منذ أقل من شهرين، ما يعني زيادة تبلغ نحو 30 في المائة. ويرجع ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا الأمر إلى سببين: أولهما ارتفاع سعر برميل النفط 5 دولارات عالمياً، وارتفاع سعر الدولار في لبنان، الذي يشتريه المستورد من السوق السوداء لتأمين الـ15 في المائة، غير المدعومة من قيمة استيراد المحروقات.
ويشير أبو شقرا في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ سعر البنزين سيستمر بالارتفاع في حال استمرار ارتفاع سعر الدولار، وأنّ الأمر لا علاقة له حالياً برفع الدعم المستمر حالياً.
أما سعر ربطة الخبز (مدعومة عبر دعم استيراد القمح) فقد ارتفع بنحو 50 في المائة نتيجة ارتفاع أسعار القمح عالمياً. وفيما خصّ الدواء، يؤكّد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ«الشرق الأوسط»، استمرار تأخر موافقة «مصرف لبنان» على الاعتمادات إلى حد يزيد على ثلاثة أشهر، وأنّ هذا الوضع مستمر منذ الفصل الأخير من العام الماضي.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.