أنفاق حزب الله.. الهجوم من تحت الأرض

استعملها لحماية مقاتليه وقواعد لصواريخه.. وممرات انتقال لنصر الله

أنفاق حزب الله.. الهجوم من تحت الأرض
TT

أنفاق حزب الله.. الهجوم من تحت الأرض

أنفاق حزب الله.. الهجوم من تحت الأرض

قبيل ساعات من هجوم حزب الله اللبناني على دورية إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ردا على الهجوم الإسرائيلي على موكب للحزب في منطقة القنيطرة السورية، كانت إسرائيل تطلق عملية بحث واسعة على طول خط الحدود المحاذي لمستوطنات الجليل الأعلى، بحثا عن أنفاق يحتمل أن يكون الحزب قد بناها عبر الحدود. وبعد العملية عادت عمليات التنقيب عن الأنفاق لتنطلق بزخم في أكثر من موقع قريب من الحدود اللبنانية، من دون أن تسفر عن نتائج واضحة.

رغم إصرار القيادة العسكرية الإسرائيلية على استبعاد هذا الاحتمال، فإنها استجابت لضغوطات سكان المستوطنات بعد أن تصاعدت شكواهم من «أصوات تحت الأرض» يعتقدون أنها ناجمة عن حفر الحزب أنفاقا تصل إلى ما تحت منازلهم. ففي ظل التفوق العسكري الإسرائيلي فوق الأرض (في الجو والبر والبحر) وجد حزب الله نفسه مضطرا للنزول تحت الأرض. ويقول مصدر لبناني إن الحزب بدأ النزول تحت الأرض دفاعيا، بمعنى السعي للاختفاء عن العين الإسرائيلية المتمثلة بسلاح الطيران ووسائل التجسس الحديثة، وذلك لحماية قواته ومعداته، أما في حال ثبت وجود أنفاق تمر عبر الحدود، فهو يكون قد انتقل إلى مرحلة الهجوم من تحت الأرض.
وتنطلق المخاوف الإسرائيلية من أنفاق حزب الله من 3 معطيات أساسية، أولها أن الحزب كشف في أكثر من مناسبة عن وجود أنفاق لديه، يستعملها لمواجهة الإسرائيليين، بعضها يتسع لسيارات وآليات ثقيلة، وصولا إلى الصواريخ البعيدة المدى التي يعتقد أنه يمتلكها، والتي لا يمكن أن يحتفظ بها فوق الأرض. أما المعطى الثاني، فهو أن حزب الله هو من درب حركتي حماس و«الجهاد الإسلامي» على حفر الأنفاق، ويقال إنه ساهم بتهريب آلات حفر إليهما استخدمت في بناء الأنفاق التي استعملت للتهريب تحت الحدود المصرية، وكذلك في الحفر تحت المواقع الإسرائيلية لتنفيذ عمليات هجومية كما حدث في حرب الصيف الماضي في قطاع غزة. وقالت الإذاعة الإسرائيلية أخيرا إن الأنفاق المكتشفة في غزة باتت تثير مخاوف من إمكانية حفر حزب الله أنفاقا تصل إلى المستوطنات لا سيما في ضوء إمكاناته المادية والتقنية التي تفوق بأضعاف إمكانات المقاومة الفلسطينية. أما المعطى الثالث، فهو تهديدات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي دعا في أكثر من مناسبة مقاتليه للاستعداد لاحتلال قرى الجليل، وهو ما لم يجد له السكان تفسيرا سوى أن الحزب قد حفر بالفعل أنفاقا تحت مستوطناتهم.
ولم تتعاط السلطات الإسرائيلية، العسكرية والسياسية، في بداية الأمر مع الموضوع بجدية، مما دفع بالسكان إلى التعاقد مع مقاولين محليين للقيام بعمليات الحفر والتنقيب، ما اضطر الجيش إلى القيام بعمليات البحث الأخيرة التي استؤنفت بعد العملية العسكرية في شبعا من دون نتائج واضحة. وقال رئيس لجنة سكان مستوطنة زرعيت، يوسي أدوني، إن لجنة سكان المستوطنة اتخذت قرارا بهذا الخصوص وإنها بدأت الخطوات اللوجستية الأولى لبدء عمليات البحث عن الأنفاق وكشفها. وكان ضابط الهندسة الرئيسي في سلاح الهندسة بالجيش الإسرائيلي، العقيد أوشري لوجسي، قد نفى في مقابلة مع الإذاعة العسكرية، وجود أنفاق من لبنان إلى المستوطنات الإسرائيلية، مؤكدا أنه «وفقا للمعلومات المتوفرة لدي، فلا توجد أنفاق في الشمال، كما لا توجد بنية تحتية لسياج حدودي، خلافا للوضع في قطاع غزة». لكن سكان المستوطنات الحدودية وجهوا رسالة لقائد المنطقة الشمالية، يائير كوخافي، طالبوا فيها بلقائه والاستماع لشكاواهم وإلا فإنهم يعتزمون أخذ زمام المبادرة والبدء بعمليات البحث عن الأنفاق.
وقد تطرق وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون لتجدد عمليات الحفر، التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية بحثا عن «الأنفاق الهجومية» لحزب الله، بحسب زعمه، مؤكدا أن حزب الله «ليس بحاجة إلى هذه الأنفاق»، وأن طبيعة المنطقة تسمح له بالتسلل والدخول إلى «إسرائيل».
ورغم أن الجيش الإسرائيلي استخف بالمعلومات علنا، فإنه قدم أكثر من إشارة إلى جدية هذا الاحتمال، كان أوضحها قيامه منذ نحو شهرين بإخلاء موقع عسكري عند الحدود مع لبنان لشكه بوجود نفق تحته قد يسمح للحزب بتفجيره من تحت الأرض أو الخروج منه لمهاجمة الجنود. وقال الخبير بالشؤون العربية دورون بيسكين للإذاعة الإسرائيلية: «منذ عام 2006 هناك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان، وحزب الله لم يحاول إخفاء أنه يوسع شبكة أنفاقه، وما هو معروف أنه من جنوب الليطاني وحتى الحدود الإسرائيلية توجد شبكة أنفاق تابعة لحزب الله، ونحن نتحدث عن أنفاق إذا ما قارناها بما يحدث في غزة، فإن الأمر يبدو كلعبة أطفال مقابل ما يوجد لدى حزب الله». وأضاف بيسكين: «أولا، وقبل كل شيء، فإن حزب الله هو من جلب أسلوب وتكتيك الأنفاق إلى منطقتنا، وحماس تعلمت هذا الأسلوب من حزب الله، فحزب الله منذ أواسط سنوات التسعينات يستخدم هذه الأنفاق، أي إن لديه خبرة أكثر من 20 سنة، وقد نقل هذه المعرفة لحماس عندما كانت العلاقات طيبة بين المنظمتين، فضلا عن أن الموارد المالية لدى حزب الله أكبر من موارد حماس، وتمويل الحزب يأتي من إيران إضافة إلى جهات إضافية تعمل في إيران لصالح حزب الله من أجل جمع الأموال، مما حول حزب الله إلى نوع من الإمبراطورية الاقتصادية في لبنان وخارجه، وهو منظمة تتداول المليارات في السنة بكل الطرق، أي إن حزب الله كانت لديه إمكانية الأنفاق، وما نعرفه أن هذه الأنفاق تصل إلى جنوب لبنان، ولكن هل تتجاوزه أم لا؟ نحن لا نعرف. أما في شرق لبنان على الحدود مع سوريا فحزب الله يستعين بشركات مقاولات لبنانية تستخدم آليات ثقيلة لبناء الأنفاق، أما على حدودنا، فالأمر ليس على هذا النحو».
ولفت بيسكين إلى أن «طبيعة الأرض في الشمال أصعب مقارنة بالأرض في غزة»، لكنه أبدى اعتقاده بأن حزب الله وجد لهذا أيضا حلا، فالحديث «لا يدور عن أنفاق لإطلاق الصواريخ بصورة أوتوماتيكية بتقنية إيرانية تصعب على سلاح الجو العمل ضدها، إنما نتحدث عن شبكة أنفاق يوجد فيها كل ما يلزم لمئات وربما لآلاف المقاتلين للبقاء مدة طويلة تحت الأرض».
وفي المقابل، يؤكد الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد نزار عبد القادر، أن كل ما يحكى عن أنفاق عابرة للحدود لحزب الله هو كلام غير منطقي ولا يمت إلى الواقع الجغرافي للمنطقة بصلة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله يتمنى أن يملك أنفاقا تمتد من داخل القرى اللبنانية لتصل إلى مقربة من مستعمرات الجليل، لكن هذا الأمر هو نوع من الخيال، ومن المستبعد أن ينفذ، نظرا إلى جغرافية المنطقة وطبيعة الأرض الوعرة والصخرية التي تتطلب جهودا هائلة وآلات خاصة لحفرها». وأضاف: «انطلاقا من هذا الواقع، أعتقد أن ما يملكه الحزب، هو عبارة عن أقبية وملاجئ ومخابئ للأسلحة ومراكز لهجماته ضد إسرائيل، وهذا أمر طبيعي. وإذا امتلك بعض الأنفاق، فإن طولها لن يتعدى المائة متر، وستكون موجودة على الحدود وداخل الأراضي اللبنانية يستخدمها مخابئ تحت الأرض وتصل بين بعض المواقع الاستراتيجية ومراكز الرمي».
ورأى عبد القادر أن «ما يحكى عن أنفاق من الممكن أن توجد في منطقة واحدة هي الوزاني ما بين مزارع شبعا والخط الأزرق، لكن هذا الموقع لا يعتبر خط التركيز الأساسي الذي يخدم جهود حزب الله العسكرية».
وأوضح بيسكين أنه «بالإضافة إلى منصات الإطلاق وغرف الحرب، هناك عيادات طبية وغرف طعام ومراحيض، أي كل ما يحتاجه مقاتلو الحزب مثل الإضاءة والاتصالات، ومن الصعب معرفة عمق هذه الأنفاق، لأن حزب الله لا ينشر تفاصيل، وما ينشره يعرف أن الاستخبارات الإسرائيلية وغيرها تتابعه، وهو لا يخشى من ذلك». ويرى بيسكين أنه «بما أن حزب الله لا يوجد لديه سلاح جو ولا يستطيع نقل قوات عبر الحدود، فإن حديثه عن السيطرة على الجليل يمكن أن يكون إشارة إلى تكتيك الأنفاق»، مشددا إلى أنه «يجب أخذ حزب الله بجدية في هذا السياق، ويجب في هذه الفترة القيام بتعزيز الجهد». وبشأن تقنيات العثور على الأنفاق، أشار إلى أنه «إذا كانت توجد مثل هذه الوسائل، فهي قيد التطوير».
وقد استفاد حزب الله من تجربة الأنفاق التي كان المقاتلون الفلسطينيون حفروها في جنوب لبنان، قبل اجتياح إسرائيل للجنوب عام 1982، وبدأ بالاعتماد على الأنفاق فعليا بعد سنوات قليلة من إطلاق عملياته العسكرية ضد إسرائيل، أي في التسعينات. ويقول مقاتل سابق في الحزب، كان شارك في العمليات العسكرية ضد إسرائيل في جنوب لبنان، إن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية كانت تصور منطقة جبل مليتا (الذي بات الآن منتجعا سياحيا حربيا لحزب الله في الجنوب) يوميا، وتراقب ازدياد كمية الردم في مناطق الجبل، قبل أن تصل طائرات حربية وتقصف مواقع في الجبل قريبة من الردميات، في محاولة لإغلاق الأنفاق.
ونجحت التجربة في إخفاء مقاتلي الحزب عن شبكات الرصد الإسرائيلية في داخل الجبال الشاهقة في الجنوب، وإخفاء الأسلحة التي كان المقاتلون يستخدمونها، واتسعت التجربة حتى باتت على نطاق واسع، وظهرت في حرب يوليو (تموز) 2006 بين الحزب وإسرائيل؛ إذ سجلت تقارير تلفزيونية غربية في أحد أنفاق الحزب في الجنوب، بعد انقضاء الحرب، وظهرت في داخله مقومات العيش الطبيعي، مثل وجود مطبخ وحمامات وغرف تستخدم لأغراض عسكرية مربوطة بشبكة اتصالات مع القيادة.
وذكرت تقارير إسرائيلية بعد الحرب، أن حزب الله بدأ ببناء الشبكة في مناطق حدودية مع إسرائيل، منذ عام 2000، واستخدمها لإيواء مقاتليه، إلى جانب بناء مخازن متعددة للأسلحة شملت مخزونا هائلا من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، بالإضافة إلى صواريخ موجهة مضادة للدروع، ووجدت فيها أجهزة اتصالات وسلاح إشارة، إلى جانب الأعتدة العسكرية.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في الصيف الماضي، أن أنفاق الحزب خضعت لعمليات تحديث وتطوير لافتين، بما يشمل توسعتها بصورة ملحوظة، إن لجهة التجهيزات أو لجهة المناطق التي تصل إليها. وأفادت بأن الأنفاق لم يعد استخدامها مقتصرا على تخزين الوسائل القتالية، بل باتت مصممة لتكون مراكز سيطرة وتحكم واستيعاب مئات المقاتلين، وبما يشمل مطابخ وحمامات وعيادات.
ويقدم حزب الله في نفق مليتا، نموذجا مصغرا عن أنفاقه المحتملة، يعرضه أمام زوار الموقع من العرب والأجانب. ويقول مسؤول لبناني على اتصال مع حزب الله إن الإسرائيليين أوفدوا كثيرا من الصحافيين الأجانب لزيارة الموقع وطرح أسئلة خاصة لمعرفة المزيد عن تقنية الحفر والتمويه التي يستخدمها الحزب. لكنه أشار في المقابل إلى أن الموقع المذكور هو مجرد «نسخة متخلفة» مقارنة بما يمتلكه الحزب الآن، مشيرا إلى أن أنفاق الحزب تُستخدم في الأساس مواقع لوجستية لحماية المقاتلين، وتخزين الغذاء والذخيرة، وتأمين مواقع لانطلاق الهجمات ضد الإسرائيليين إذا ما دخلوا الأراضي اللبنانية على غرار ما حصل في حرب عام 2006.
ولا تقتصر الشكاوى من الأصوات على الإسرائيليين، ففي القرى اللبنانية البقاعية، يذكر كثير من السكان أنهم يسمعون أصوات الحفر المكتومة ليلا، خصوصا في مناطق جبلية يعتقد أن الحزب يحفرها كمراكز لقوته الصاروخية البعيدة المدى التي يقال إن باستطاعتها تغطية كل المواقع الإسرائيلية. والأمر نفسه ينسحب على منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل حزب الله؛ إذ أفيد بعد عام 2006 عن سماع أصوات حفر رتيبة في أكثر من منطقة تؤشر إلى عمليات حفر أنفاق محتملة. ويقول أحد السكان إن المنطقة التي كانت تسمع فيها هذه الأصوات حصلت فيها بعض الأشياء الغريبة، مثل جفاف بعض الآبار الارتوازية المحفورة، مما يؤشر إلى إصابتها بعمليات الحفر.
وكانت الأنفاق التي بناها حزب الله في الضاحية، واحدة من أبرز أسباب صموده فيها خلال الغارات الإسرائيلية. فتلفزيون «المنار» التابع للحزب استمر بالبث على الرغم من غارات إسرائيلية أنزلت المبنى إلى دون مستوى الأرض. وقد كشف مسؤولون في المنار لـ«الشرق الأوسط» بعد الحرب أن البث استمر من تحت الأرض لفترة، وأن الموظفين كانوا في المبنى لحظة قصفه وخرجوا منه عبر أنفاق بديلة قادتهم إلى مبان بعيدة عن مبنى المحطة.
كما استعمل الحزب الأنفاق لتمويه تحركات أمينه العام حسن نصر الله في أكثر من مناسبة، حيث تفيد بعض التقارير أن الحزب كان يمد أنفاقا تصل إلى ما تحت المنبر الذي يخطب منه نصر الله، وتمتد إلى ما تحت مبان مجاورة لاستعمالها طرق هروب في حال تعرضه لهجوم، أو طريقة تمويه خلال مغادرته أو وصوله إلى موقع الحدث الذي يشارك فيه.



يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».