بمجرّد أن بتّ الكونغرس بمصير الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، تحوّل نظر الجمهوريين إلى السباق التشريعي الذي سيحسم مصير الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب بعد عامين، فيما سعى الديمقراطيون الذين يتمتعون بالأغلبية في المجلسين إلى التركيز على تطبيق أجندة الرئيس الأميركي جو بايدن، بدءاً من استكمال المصادقة على تعييناته الرئاسية مروراً بمشاريع الإنعاش الاقتصادي والهجرة ووصولاً إلى إصلاح قوانين حمل السلاح.
وقد جمّدت إجراءات عزل ترمب كلياً عمل مجلس الشيوخ خلال عقد المحاكمة، الأمر الذي عرقل بالتالي تمرير أي بنود على أجندة الديمقراطيين. ولعلّ هذا التأخير هو الذي دفع بزعيم الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر إلى إقناع فريق الادعاء على ترمب بإسقاط سعيه إلى استدعاء شهود. فالقيادات الديمقراطية كانت تعلم جيداً أن فتح باب الشهود كان من شأنه أن يؤخر البت في المحاكمة إلى أجل غير مسمى، من دون تغيير النتيجة. خاصة أن عدداً كبيراً من الجمهوريين كزعيمهم ميتش مكونيل أعلنوا أنهم سيصوتون لصالح تبرئة ترمب على أسس دستورية بحتة وليس على أساس ذنبه بالتحريض على العنف. لهذا فقد سعى الديمقراطيون جاهدين إلى اختتام ملف العزل للتركيز على ملفات الساعة، بهدف تنفيذ الوعود التي تعهد بها بايدن للأميركيين في السباق الرئاسي.
فأي تأخير إضافي كان سيصب ضدهم في صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية. إذ إن المرشحين يخوضون سباقاتهم على أساس تنفيذ الوعود المطروحة. وهذه المرّة لن يتمكن الديمقراطيون من استعمال حجة تذكر إن لم ينفذوا جزءاً كبيراً من هذه الوعود، فهم يسيطرون على مجلسي الشيوخ والنواب، وعلى البيت الأبيض.
وتختلف مشكلة الجمهوريين جذرياً عن مشكلة الديمقراطيين، فالانقسامات التي خلفتها أحداث اقتحام الكابيتول عميقة، ووصلت إلى أوجها لدى انضمام عدد منهم في مجلسي الشيوخ والنواب إلى الديمقراطيين في سعيهم لعزل ترمب. ويراهن الرئيس الأميركي السابق ومناصروه في الكونغرس على أن نفوذهم المتمثل بالقاعدة الشعبية الكبيرة للرئيس سيؤدي إلى خسارة كل من تحدى ترمب من حزبه في الانتخابات التشريعية، وإلى بروز أسماء داعمة له تسقط الأسماء المعارضة. وتجلى هذا الرهان في تصريحات للسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي برز اسمه كمدافع أساسي عن ترمب في مجلس الشيوخ، وقال غراهام إن «أكبر رابح في محاكمة العزل هي لارا بوش». يتحدث غراهام هنا عن زوجة ابن ترمب التي شاركت بحماسة في السباق الرئاسي وأعربت فيما بعد عن طموحاتها السياسية لخوض سباق مجلس الشيوخ عن ولاية كارولاينا الشمالية. فالسيناتور الجمهوري عن هذه الولاية ريتشارد بير صوّت لصالح إدانة ترمب. وانضم إلى زملائه الجمهوريين الستة الذين صوتوا ضد التبرئة. ورغم أن بير أعلن عن نيته بالتقاعد بعد عامين، موعد الانتخابات التشريعية، فإن تصويته ضد ترمب سيفسح المجال أمام مرشحين داعمين له، كلارا ترمب لانتزاع ترشيح حزبها لها. وقال غراهام: «صديقي العزيز ريتشارد بير جعل من لارا ترمب المرشحة الأكثر حظاً لانتزاع ترشيح الحزب في انتخابات مجلس الشيوخ في كارولاينا الشمالية، إذا قررت أن تترشح. وسوف أدعمها لأنها تمثل مستقبل الحزب الجمهوري».
تصريح يسلط الضوء على الشرخ العميق بين قاعدة الجمهوريين التقليدية الممثلة بالسيناتور بير وقاعدة ترمب الممثلة بلارا ترمب وغيرها. وفيما يتنازع الجمهوريون في داخل صفوفهم ما بين داعم لترمب ومنشق عنه، اتخذ الحزب الجمهوري في ولاية كارولاينا الشمالية موقفاً حاسما فأدان في تصريح رسمي موقف سيناتور الولاية بير. وقال الحزب إن «الجمهوريين في كارولاينا الشمالية أرسلوا السيناتور بير إلى مجلس الشيوخ للدفاع عن الدستور، وتصويته للإدانة في محاكمة غير دستورية هو أمر صادم ومخيب للآمال».
ولم يكن بير الوحيد الذي واجه سخط حزبه، فقد صوّت جمهوريو ولاية لويزيانا يوم السبت لتوبيخ سيناتور الولاية الجمهوري بيل كاسيدي الذي هو كذلك صوّت لإدانة ترمب. كما كان جمهوريو ولاية أريزونا صوتوا في السابق لتوبيخ سيندي مكاين أرملة الراحل جون مكاين لأنها دعمت بايدن في السباق الرئاسي.
وفي خضم الصراع الداخلي بين الجمهوريين، يتزايد دعم الأميركيين لتأسيس حزب ثالث. وأظهر استطلاع للرأي لمركز غالوب للأبحاث أن 62 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن هناك ضرورة لإنشاء حزب ثالث. فيما يعتقد 33 في المائة فقط أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يقومان بعمل جيد من دون الحاجة إلى حزب ثالث. ولعلّ أبرز نقطة في الاستطلاع هي أن أكثر من 63 في المائة من الجمهوريين الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون تأسيس حزب ثالث في ظل الانقسامات الأخيرة.
ويشير الاستطلاع إلى أن 68 في المائة من الجمهوريين يفضلون أن يبقى ترمب رئيساً للحزب فيما يود 31 في المائة أن يكون للحزب رئيس جديد. لكن 51 في المائة من الناخبين المستقلين الذين يميلون للتصويت لصالح الجمهوريين أعربوا في الاستطلاع عن رغبتهم لرؤية زعيم جديد للحزب غير ترمب.
بعد تبرئة ترمب... أغلبية جمهورية تدعم تأسيس حزب ثالث
بروز أسماء من عائلة الرئيس الأميركي السابق في السباق التشريعي
بعد تبرئة ترمب... أغلبية جمهورية تدعم تأسيس حزب ثالث
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة