ماذا تعني التبرئة لترمب والحزب الجمهوري وبايدن؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في منتجعه «مارالاغو» (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في منتجعه «مارالاغو» (أ.ف.ب)
TT

ماذا تعني التبرئة لترمب والحزب الجمهوري وبايدن؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في منتجعه «مارالاغو» (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في منتجعه «مارالاغو» (أ.ف.ب)

تثير تبرئة دونالد ترمب في مجلس الشيوخ في إطار محاكمة ثانية غير مسبوقة بغرض العزل، أسئلة بشأن ما ينتظر الرئيس السابق البالغ 74 عاماً والحزب الجمهوري والرئيس جو بايدن.
رغم أن تبرئة مجلس الشيوخ لترمب كان أمراً شبه مؤكد، فإنه لا شك في أن الرئيس السابق تنفّس الصعداء لدى سماعه القرار.
وندد ترمب في بيان بما وصفها بـ«حملة شعواء» ضده، وتطرق إلى المستقبل وقال: «بدأتْ للتوّ حركتنا التاريخية والوطنية والرائعة لـ(جعل أميركا عظيمة مجدداً)». وأضاف: «الكثير من العمل ينتظرنا وسنخرج قريباً برؤية لمستقبل أميركي مشرق ومتألق ولا حدود له».
ولم يستبعد ترمب في السابق الترشّح مجدداً للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، وكان من شأن أي إدانة أن تمنعه من تولي منصب فدرالي مجدداً.
ومنذ مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني)، يقيم ترمب في منتجعه «مارالاغو»، بينما حُرم من حسابه على «تويتر» الذي كان يستخدمه لمخاطبة الملايين من متابعيه.
وقالت كابري كافارو، من الجامعة الأميركية في واشنطن والتي كانت عضواً في مجلس شيوخ أوهايو عن الديمقراطيين، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن تبرئة ترمب قد تكون بمثابة «صرخة تعبئة» بالنسبة له ولأنصاره. لكنها أشارت إلى أن «إرث دونالد ترمب قد يقتصر بالنسبة لعديدين في هذه المرحلة على أحداث السادس من يناير، بغضّ النظر عن التبرئة». وتابعت: «سيكون هناك أميركيون ممن يعتقدون أن دونالد ترمب لعب دوراً ما»، وهو أمر قد ينعكس أيضاً على أنشطة قطب العقارات في القطاع الخاص. وقالت: «يبدو الأمر كأنه لا خيار لديه سوى مواصلة محاولاته للخوض في السياسة».
وتتفق أستاذة العلوم السياسية في جامعة «براون» ويندي شيلر، مع مسألة أن مستقبل ترمب قد يكون محدوداً. وصرّحت: «إذا كانت الشركات ستمنحه فرصة للظهور والتحدث، فسيكون رد الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي سريعاً وشديداً، مع احتمال مقاطعة منتجاتها». وأردفت: «حتى إقامة مؤتمرات صحافية أو مناسبات في العقارات المملوكة لترمب سيمثّل مشكلة بالنسبة للشركات الكبرى المطروحة للتداول العام أو الشركات التي توفر منتجات مباشرة للمستهلكين».
يعد تصويت الأغلبية الساحقة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح تبرئة ترمب مؤشراً على نفوذه الذي لا يزال يحافظ عليه ضمن حزبه.
وقالت ممثلة ولاية جورجيا في المجلس مارغوري تايلور غرين، التي تعد بين أشد المؤيدين له، الأسبوع الماضي، إن «الحزب له لا لأحد آخر».
لكن صوّت سبعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح إدانته، بينما صوّت عشرة جمهوريين من أعضاء مجلس النواب لصالح عزله الشهر الماضي، بينهم النائبة ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني.
وبينما صوّت زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لصالح تبرئته، فإنه أشار إلى أن ترمب مسؤول «عملياً وأخلاقياً» عن أعمال العنف التي شهدها السادس من يناير.
ونأى عدد من الجمهوريين بأنفسهم عن الرئيس السابق بينما يستعدون لاختبار فرصهم في الوصول إلى البيت الأبيض في 2024.
ومن بين هؤلاء حاكمة كارولاينا الجنوبية نيكي هايلي، التي قالت إن الجمهوريين أخطأوا في دعمهم حملة ترمب الرامية لقلب نتائج الانتخابات، والتي قادت إلى الهجوم على مقر الكونغرس.
وقالت هايلي في مقابلة مع مجلة «بوليتيكو»: «سلك مساراً ما كان عليه أن يسلكه وما كان علينا أن نتبعه فيه».
كما قللت من أهمية التوقعات التي تشير إلى أن ترمب سيترشح للرئاسة في 2024، قائلة: «لا أعتقد أن بإمكانه ذلك. لقد سقط سقطة كبيرة».
لكنّ الجمهوريين الداعين للانفصال تماماً عن ترمب لا يزالون أقلية بينما يخشى كثيرون منهم من النفوذ الذي يتمتع به في أوساط قاعدته الشعبية.
وقالت ويندي شيلر إن «أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين صوّتوا لصالح تبرئته قد يكونون يحمون أنفسهم من التحديات الأولية من الجناح الأكثر تشدداً في حزبهم في 2022 أو حتى 2024، لكنهم قد يجعلون أنفسهم بالتوازي أكثر عرضة للهزيمة في الانتخابات العامة». وأشارت كافارو أيضاً إلى أن النواب الجمهوريين الذين لا يزالون مخلصين لترمب يخوضون مقامرة «خطيرة للغاية». وبينت «يتّخذون قراراً مبنياً على فترة زمنية قد لا تعود موجودة بالنسبة إليهم خلال عامين».
وطرحت مجموعة من المسؤولين الجمهوريين السابقين المناهضين لترمب فكرة تأسيس حزب ثالث يميني وسطي، لكن يُستبعد تبلور الخطوة.
خيّمت المحاكمة الرامية لعزل ترمب على بداية عهد بايدن الرئاسي ولا شك في أن الديمقراطيين مرتاحون لكونها لم تستغرق أكثر من خمسة أيام.
وسيكون الآن بإمكان مجلس الشيوخ التحرّك سريعاً لتثبيت الشخصيات التي عيّنها بايدن في حكومته والعمل على أجندته التشريعية في وقت تواجه البلاد الأزمة الناجمة عن «كوفيد - 19» وتداعياتها الاقتصادية الشديدة.
وقالت شيلر إن «الرئيس بايدن قام بعمل جيد للغاية عبر النأي بنفسه بعيداً عن إجراءات محاكمة العزل وحصر رسالته بأزمة (كوفيد - 19) والأزمة الاقتصادية التي رافقتها».
لكن لا يزال ترمب قوة يحسب لها الحساب. وقالت كابري كافارو: «لا يمكننا القول إن لدينا حصانة من مزيد من الاحتجاجات والنشاط من اليمين المتشدد. وستتعيّن مراقبة إذا حصل ذلك ومتى والكيفية التي سيتعامل بايدن من خلالها مع الأمر».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟