صندوق فيروز الأسود... لبنان كما صاغه شعراؤه الرومانطيقيون

بفضل الإنترنت بدأنا نسترجع ما فاتنا أن ننتبه إليه

عاصي ومنصور رحباني
عاصي ومنصور رحباني
TT

صندوق فيروز الأسود... لبنان كما صاغه شعراؤه الرومانطيقيون

عاصي ومنصور رحباني
عاصي ومنصور رحباني

لم يمنحنا الأخوان رحباني فرصة كافية لهضم ما أنتجاه تأليفاً وتلحيناً وتوزيعاً من أغانٍ يقارب عددها الألف، خلال فترة قياسية لا تزيد عن ربع قرن، وهي فترة عملهما مع فيروز، قبل انفصالها عن زوجها عاصي الرحباني عام 1978.
وقد لعب صوت فيروز شديد الندرة دوراً حاسماً في أن يصبح هذه الإنتاج الموسيقى الكبير جزءاً من طقوس الصباح الأساسية لأغلبية المشارقة الذين تفتحت أسماعهم على أغانيها التي تنقلها بعض الإذاعات العربية صباحاً.
ولست متأكداً ما إذا كان التعود على سماع فيروز صباحاً فقط إيجابياً أو سلبياً، فحالة الاستيقاظ الكامل تتطلب وقتاً أطول مما يسمح به تناول الفطور والاستعداد السريع للتوجه إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة.
إضافة إلى ذلك، كانت تلك الحنجرة القادرة على التنقل بين الطبقات الصوتية بسلاسة نادرة والموسيقى المكثفة الغنية بآلات حساسة كالأكورديون والبيانو، والمحسوبة جملها اللحنية المتنوعة بالثواني، تجذبان المتلقي إليهما أكثر من الكلمات التي ترددها فيروز.
ومع دخول لبنان الحرب الأهلية عام 1975 لأكثر من عقد، ورحيل عاصي الرحباني عام 1986عن عمر 53 سنة فقط، تلاشت تلك السطور القليلة الباقية في ذاكرة الكثير من الأجيال الذين عاصروا الظاهرة الرحبانية في أفضل تجلياتها: أغاني فيروز.
في البحث الدؤوب عن هذا الكنز الذي لم يكن سهلاً توافره مطبوعاً قبل الثورة الرقمية وبروز الإنترنت وما رافقها من ظهور مواقع كثيرة مهتمة بهذا الشأن، بدأنا نسترجع ما فات علينا أن ننتبه إليه في وقته.
وأهم ما فاتنا في عدم الالتفات إلى كلمات أغاني فيروز هو فشلنا في اكتشاف جيل من الشعراء الرومانطيقيين اللبنانيين، كانوا قد تعلموا في المدارس التي يديرها الآباء خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر والعقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، ومن أوائلهم كان شعراء المهجر، أبرزهم جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة.
لعل جبران الذي أعادته عائلته إلى لبنان عام 1897 (وهو في سن الخامسة عشرة) ليتابع دراسة العربية التي لم يكن يتقنها في «مدرسة الحكمة»، يعتبر رائداً لهذه الحركة التي بلغت أوجها في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر، وبدأت تتلاشى مع بدء القرن العشرين لتفتح الباب إلى الحداثة الفنية (modernism) في الشعر والرواية والرسم والنحت وغيرها.
ما يميز الحركة الرومانطيقية الأوروبية (الألمانية والفرنسية والإنجليزية) هو قوة حضور المبدع في عمله (على عكس الحركة الكلاسيكية التي سبقتها، حيث الشاعر أو الموسيقي أو الروائي يضع مسافة ما بين عواطفه ومشاعره وما يبدعه)، وحضور قوي للطبيعة بعناصرها الكثيرة المتداخلة مع عاطفة جامحة.
وقد ساعد تكون هؤلاء الشعراء اللبنانيين خلال سنوات دراستهم المعمقة لما أبدعه الشعراء الرومانطيقيون الفرنسيون مثل ألفريد دو موسيه وفيكتور هيغو وبودلير ولروتريامون، وللمعلقات، وما أنتجه كبار شعراء العصر العباسي، ما جعل قصائدهم تتمتع معاً بالبناء الكلاسيكي للقصيدة العمودية وبأسلوب معاصر يستثمر الإرث الشعري الغربي.
عنصر آخر أضافه هؤلاء الشعراء الذين ضمهم الرحابنة في ترسانة أغاني فيروز هو سعيهم المشترك لإعادة صياغة لبنان بتحويله إلى يوتوبيا مسورة بتمائمهم التي ستحميها من العالم الخارجي وأزماته وحروبه. وآخر خاصية في إنتاجهم هو أن بعضهم استثمر أيضاً اللهجة الشامية التي تعد الأقرب إلى الفصحى، مثل الشاعر سعيد عقل.
ولعلنا نبدأ بالأخوين رحباني اللذين أصرا على أنهما كيان إبداعي واحد: روحاً وعقلاً. ولا بد أن الكم الهائل من القصائد الغنائية التي نظماها بالفصحى والدارجة الشامية كانت بفضل تشبعهم بموروث الأجيال التي سبقتهم.
غير أنهما كانا حريصين أكثر على إنتاجهما بتحويله إلى أغانٍ تسمع أكثر من قصائد تقرأ.
في قصيدة «أحبك في صمتي الوارف» التي غنتها فيروز أول مرة عام 1958 نتلمس الخصائص الرومانطيقية بأحسن تجلياتها، مع تقليد لبناء الموشحات، حيث القافية تتغير في كل أربعة أبيات:
أحبكَ في صمتي الوارف وفي رفة الهدُب الخائفِ
وبي يا ملون عمري إليك حنين الكروم إلى القاطفِ
حنين الشحارير عند الغروب إلى رحلة الموسم الهاتف
ذرى بالندى والبريق تظل كنهر من الوهج الصائف
غير أن قصيدة «طريق النحل» تنحو منحى آخر وهي أيضاً بصوت امرأة تخاطب حبيبها، حيث يصبح النحل والسماء وزهور الغابة عناصر أولية في القصيدة:
إنت وأنا يا ما نبقى نوقف على حدود السهل
وعلى خط السما الزرقا مرسومة بطريق النحل
أنا ومتكية ع بابي مرقت نحلة بكير
غلت بزهور الغابة وصارت تعمل مشاوير

- الشعراء الرواد
من أوائل الأغاني التي شدتها فيروز ومن ألحان الأخوين رحباني كانت للشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وفيها يصبح النسيم كائناً بشرياً حياً يخاطبه الشاعر ليعبر عما يختلج في أعماقه:
أين من مقلتي الكرى يا ظلام أنصف الليل والخلِيون ناموا
مسحت راحة الكرى أعين الناس فنامت ونام فيها الغرامُ
وأنا تذكر الضياء عيوني مثلما يذكر الغصونَ الحمامُ
يا نسيم الدجى اللطيف احتملني لي عهد عند النسيم لزامُ
كلنا ناحل فأنت براك الله لكن أنا براني السقامُ
لعل سعيد عقل (1911 - 2014) كان الأكثر تأثيراً على الأخوين رحباني وظل مواظباً على نظم القصائد لفيروز بالدارجة والفصحى. في قصيدة «هموم الحب» (على بحر الرمل) تتشابك عناصر الطبيعة في نداء الفتاة لمحبوبها بالاستجابة لها، لكنها تضع شروطاً أصعبها أن يجمع الجزر من البحار خرزاً لقلادتها:
لاعِب الريشة واهوَ واضفر العمر ورودْ
واهوَني من ليس يهوى لم يزر هذا الوجودْ
لك هذا الريح عودٌ والغمامات وترْ
دع تُبددْكَ الجرود وليجمعْك القمرْ
وفي قصيدة أخرى، حيث الفتاة تخاطب حبيبها، طالبة منه الابتعاد عنها قليلاً، لأن الحب ما زال تجربة بكراً لا تعرفه تماماً، كأنها صفحات متجددة من «نشيد الإنشاد»:
بْحِبك ما بعرف هِن قالولي
مِن يومها صار القمر أكبر
ع تلالنا وصارت الزغلولة
تاكل ع ايدي اللوز والسكر
أما ميشال طراد (1912 - 1998) فيعد رائد الشعر العامي في لبنان، وهو الوحيد من بين أبناء جيله الشعراء الذي كتب بالدارجة الشامية فقط، لكنه في الوقت نفسه، استثمر ثقافته الواسعة، حيث أدخل عناصر الطبيعة والميثولوجيا الإغريقية في أعماله الشعرية، ناهيك عن تأثره بالشعراء الفرنسيين الرومانطيقيين الكبار. وقد ترجمت دواوينه الشعرية إلى لغات أخرى مثل الإنجليزية والفرنسية.
في قصيدة «جلنار» التي اختارها الأخوان رحباني وغنتها فيروز عام نقل طراد المشاعر الشخصية وأسقطها على شخصيات أسطورية، فجلنار هي تلك الربة التي تلتقي بأخيها الفجر كل يوم لتمنحه الضوء البرتقالي، والمِنجَيرة (الشبيهة بناي القصب) تصبح كائناً حياً هي الأخرى تعاني، من تأخر قدوم جلنار:
يا صبح روج طولِت ليلَك... خليت قلبي نار
بلكِي بتجي أختك تغنيلك... بلكي بتجي جلنار
صرخات عم بِتموُج بالوادي... مْعَنزَق عليها ضباب
لَبعيد عم بتروح وتنادي... بيظهر حبيبو غاب
هذه نماذج أسماء قليلة من قائمة طويلة لشعراء لبنانيين اقتبس الأخوان رحباني من قصائدهم مقاطع غنتها فيروز، وإذا تذكرنا أن أكثر من 400 قصيدة مغناة بين الفصحى والدارجة غنتها فيروز نظمها الرحبانيان العبقريان، نستطيع تصور مدى غنى هذا الموروث ذي الطبيعة الرومانطيقية، فهما جربا أيضاً تقليد النمط الأندلسي في العديد من القصائد، أشهرها «يا حبيبي كلما هب الهوى»، لكنهما يتبعان نهج من سبقوهما من شعراء مهدوا لهما هذا الإدماج الكامل بين العاطفة وعناصر الطبيعة بشتى تجلياتها:
يا حبيبي كلما هب الهوا
وشدا البلبل نجوى حبه
لفني الوجد وأضناني الهوى
كفراش ليس يدري ما به
غير أن الوهم الذي سعى إلى تحقيقه على أرض الواقع شعراء لبنان الرومانطيقيون جيلاً بعد جيل بتحويل لبنان إلى يوتوبيا لبنتها الأولى القرية المحاطة من كل جوانبها بعناصر البيئة من سماء وبحر وجبال وسهول وينابيع تفكك بعد هزيمة حزيران وما أعقبها من سلسلة أحداث آلت إلى حرب أهلية ضروس.
ولعل إصابة عاصي الرحباني بنزيف دماغي عام 1972 في أوج عطائه، وما ترتب عنه من حال مرضية مزمنة لاحقاً، ألحق بالمشروع الرحباني ضربة قاصمة.
ومع نشوب الحرب الأهلية بدا كأن ذلك العالم الفردوسي الذي خلقه شعراء لبنان وفنانوه الكبار، ولعب الأخوان رحباني دور الدينامو في تشكيله لم يكن كافياً لإطفاء حريقه سريعاً، بل استمر حتى بداية العقد الأخير من القرن الماضي.
فهل يمكن لهذا التراث الغني اليوم أن يكون موضع اهتمام واسع لا في لبنان بل في العالم العربي، لما يحمله من جماليات شديدة التميز والعذوبة؟



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.