قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}

خلال مشاركتهم في احتفال «يوم الشهيد»

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يلقي كلمة في حفل التأبين بمناسبة «يوم الشهيد» في بغداد أمس (موقع رئاسة الوزراء)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يلقي كلمة في حفل التأبين بمناسبة «يوم الشهيد» في بغداد أمس (موقع رئاسة الوزراء)
TT

قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يلقي كلمة في حفل التأبين بمناسبة «يوم الشهيد» في بغداد أمس (موقع رئاسة الوزراء)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يلقي كلمة في حفل التأبين بمناسبة «يوم الشهيد» في بغداد أمس (موقع رئاسة الوزراء)

أجمع قادة الخط الأول في العراق، بدءاً من الرئاسات الثلاث، أن وصفة الحكم التي تم اعتمادها بعد الاحتلال الأميركي للبلاد في أبريل (نيسان) عام 2003 فشلت في بناء دولة متماسكة تتسع لكل العراقيين. هذا الإجماع من قبل رؤساء الجمهورية (برهم صالح) والوزراء (مصطفى الكاظمي) والبرلمان (محمد الحلبوسي) وزعيم تيار الحكمة (عمار الحكيم) جاء خلال الحفل التأبيني في ذكرى «يوم الشهيد» الذي أقيم في مقر الحكيم ببغداد أمس.
الرئيس برهم صالح أكد، خلال كلمته بهذه المناسبة، أن «العراق أمام مفترق طرق: إما العودة إلى الوراء بنزاعات واصطفافات مذهبية وقومية، وإما التقدم نحو بناء الدولة وحفظ سيادتها وفرض القانون على الجميع».
وأضاف أن «ما يجري في المنطقة والعالم من تحولات جذرية، وما يطمح إليه شعبنا، يتطلب التكاتف منا، والعطف على جراحاتنا لإيصال الوطن إلى بر الأمان». كما دعا إلى «عدم السماح بجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية».
وقال صالح إن الحاجة باتت ماسة لمراجعة «مجمل العملية السياسية، والتأسيس لعقد سياسي جديد، يتضمن تصحيح المسارات، ويلبي طموحات الشعب».
ومن جهته، قال رئيس الوزراء إن «الحكومة تحاول استعادة منهج الدولة وثقة المواطنين». وأضاف الكاظمي: «عملنا على إعادة بناء الدولة منذ اليوم الأول لتولي رئاسة الحكومة، وليس إضعاف القوى السياسية»، وتابع: «أنا غير معني بالمزايدات الانتخابية، وسنطبق الورقة الإصلاحية البيضاء لإنقاذ العراق».
وبيّن أن «بعضهم يضع العراقيل أمام الحكومة، لكننا حققنا خطوات إيجابية في مكافحة الفساد». وأوضح الكاظمي أن «الشعب العراقي كان قد وصل إلى اليأس من إمكانية أن تنجز الدولة التزاماتها أمام شعبها، ولذلك رفعت هذه الحكومة شعار الدولة، وعملنا على بناء الدولة واستعادة منهج الدولة».
أما رئيس البرلمان، فقد أكد، في كلمته، أنه «من الضروري الوقوف على الانتهاكات بحق المواطنين بسبب السلاح المنفلت»، مبيناً أن «الإرهاب والفساد أخرا مشروع بناء الدولة». وأضاف الحلبوسي أن «التراجع الاقتصادي سيقوض جهود بناء الدولة».
إلى ذلك، أكد زعيم تيار الحكمة أنه «من الضروري بلورة عقد سياسي واجتماعي جديد، بإزالة التراكمات والمخاوف الاجتماعية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية». وأضاف الحكيم أن «الدولة ليست حكراً على أحد»، داعياً «جميع قوى الاعتدال والدولة إلى تحالفات عابرة للمكونات تصنع معادلة النجاح».
ورأى الحكيم أن «الانتخابات المبكرة يجب أن تطمئن الجميع، لكننا نلاحظ ضعفاً في إجراءات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، رغم دعمنا». كما دعا الحكيم إلى «إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية، وإلى اعتماد لغة الحوار».
وأوضح: «نحن اليوم أمام مرحلة جديدة تتطلب منا حُسنَ إدراكها وقراءتها، فبعد كل تلك المخاضات والمنغصات والمعرقلات والتضحيات الكبيرة والأثمان الباهظة، نقف أمامَ مفترقِ طرقٍ واضح، بين إنضاج تجربتنا الديمقراطية الفتية نحو بناء دولة حقيقية... وبين الانشغال بجراحاتنا وأزماتنا، فنُبدّدُ الفرص الهائلة المتاحة».
وأشار إلى أنه قد آن «الأوان لأن نتفق على بناء دولة واحدة وأمة واحدة، ومصالح موحدة عليا، وهوية وطنية جامعة، نقوى في ظلها جميعاً، وننعم بالاستقرار والازدهار والاحترام». ودعا الحكيم إلى قراءة المظاهرات التي انطلقت في العراق خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 من منظور جديد، قائلاً: «نجدد رؤيتنا المعروفة حول حراك تشرين، وما مثله من جهد وطني شبابي صادق لإيجاد التغيير من داخل النظام السياسي، وبأدواته السلمية، ونقفُ مع كل القوى الداعمة لمكافحة الفساد وإحداث التغيير النوعي في الواقع العراقي».
وجدد الحكيم رفضه لما سماه «الأجندة السياسية التي حاولت ركوب الموجة، واستغلال اندفاع الشباب لحرف مسار هذا الحراك باتجاهات سلبية خاطئة»، وقال: «آن الأوان لردم الفجوة، وإيقاف عمليات التصنيف والتخوين والتشهير، كما آن الأوان للمصالحة الحقيقية والتكامل بين قوى تشرين المنخرطة بالعمل السياسي والقوى السياسية الأخرى».
وفي هذا السياق، يقول الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك من يريد النأي بنفسه عن طبيعة فشل العقد السياسي السابق والنظام برمته، وما نتج عنه من أخطاء، كما أن هناك من يحاول إيصال رسالة بأن لديه القدرة على أن يكون جزءاً من عملية الإصلاح في مقبل الأيام»، مبيناً أنه «يمكن أن يستثمر ذلك انتخابياً».
وأوضح أن «ما يرتبط بكثير من هذه الأطراف السياسية أن هذا النظام السياسي لم يعد قادراً على الاستمرار، وهو ما يمثل حلاً لأزمة العراق المستدامة»، مؤكداً أنه «بقدر ما تبدو فيه مثل هذه النوايا صادقة لبعض هذه الأطراف، فإن هناك أطرافاً أخرى تريد الاستمرار بالمشهد السياسي الآتي، خصوصاً أن هناك تغيراً ملحوظاً في المزاج العام، وأن هذه القوى فشلت في إدارة الدولة، لكنها تريد الاستمرار في المشهد ذاته».
وأشار الشمري إلى أن «هذا الحديث عن التغيير وفشل الوصفة السابقة بات يتناغم في الواقع مع الرؤية الدولية التي باتت تنظر إلى العملية السياسية في العراق على أنها أصبحت عبئاً على المجتمع الدولي، وبالتالي فإن هذا الفشل إنما هو نتاج هذه الصراعات والانقسامات، ومن ثم تحاول هذه الأطراف مجتمعة توصيل رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن لديها القدرة على تغيير النظام السياسي الحالي».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».