عمل «محكمة الحريري» مستمر والحكم على عياش في مرحلة الاستئناف

TT

عمل «محكمة الحريري» مستمر والحكم على عياش في مرحلة الاستئناف

في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، تبتعد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أشهراً عن النطق بالحكم النهائي، إذ هي الآن في مرحلة الاستئناف بعد إصدار غرفة الدرجة الأولى حكمها بحق سليم عياش.
ولا يمكن حسم المدة التي تحتاجها المحكمة لإنهاء عملها، لكنها تنظر حالياً بثلاثة إشعارات استئناف تقدم بها المدعي العام في المحكمة وفريق الدفاع عن سليم عياش والممثلون القانونيون عن المتضررين، كل على حدة، ضد الحكم والعقوبة الصادرين بحق عياش عن غرفة الدرجة الأولى من المحكمة، بانتظار تقديم المدعي العام وضمن مهلة زمنية محددة مذكرة الاستئناف.
وبعد تقديم مذكرة الاستئناف يكون للمستأنف عليه 60 يوماً للرد، ومن ثم تأتي المذكرة الجوابية، وبعدها تحدد غرفة الاستئناف جلسة استماع شفهية لتبدأ عملية المداولة قبل تحديد جلسة الحكم النهائية، حيث تقوم محكمة الاستئناف إما بفسخ حكم الدرجة الأولى أو تعدله أو تؤيده، ويكون حكمها مبرماً، وتحتاج هذه العملية، ووفق الإجراءات المعمول بها في المحكمة، إلى أشهر عدة. كانت المحكمة التي تأسست عام 2009 دانت في أغسطس (آب) الماضي العضو في «حزب الله» عياش كمذنب في عملية اغتيال الحريري، فيما لم تجد «أدلة لا ترقى إلى الشك» بحق كل من المتهمين السابقين حسين عنيسي وأسد صبرا وحسان مرعي.
ووجهت لعياش خمس تهم هي قتل الحريري عمدًا باستعمال مواد متفجرة وقتل 21 شخصاً آخر عمداً باستعمال مواد متفجرة، فضلاً عن محاولة قتل 226 شخصاً عمداً باستعمال مواد متفجرة، وتحضير مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي وارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة.
واعتبرت المحكمة حينها أن اغتيال الحريري اغتيال «سياسي» نفذه «الذين شكل الحريري تهديداً لهم».
وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، أعلنت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الحكم على عياش بخمس عقوبات بالسجن المؤبد، وأشارت إلى أن عياش قام بعمل إرهابي تسبب في قتل جماعي، وقام بدور محوري في «فريق الاغتيال».
كان الحُكم على عياش غيابياً، إذ إنه لم يسجل له أي ظهور منذ بدء عمل المحكمة، هذا فضلاً عن رفض «حزب الله» تسليم أي من عناصره إلى المحكمة التي رفض قراراتها باعتبارها «مسيسة».
وأصدرت غرفة الدرجة الأولى مذكرتي توقيف (محلية ودولية) وقرار نقل واحتجاز بحق عياش، ودعت الذين يحمونه من العدالة إلى تسليمه للمحكمة الخاصة بلبنان.
وفيما أصبحت قضية اغتيال الحريري في مرحلة الاستئناف، لا تزال القضية الثانية التي تنظر فيها المحكمة الخاصة بلبنان، أي القضية المتلازمة المتعلقة بمحاولة قتل مروان حمادة وإلياس المر واغتيال جورج حاوي، في المرحلة التمهيدية. ويُشار إلى أن المحكمة وجهت لعياش في القضية الثانية تهماً بـ«الإرهاب والقتل».
- المحكمة مستمرة
ولأن عمل المحكمة لم ينته بعد من المتوقع أن يتم التمديد لها قبل 28 فبراير (شباط) الحالي، وهو التاريخ المبدئي لانتهاء ولايتها، ويؤكد مصدر مطلع على أن عمل المحكمة سيستمر، إذ إنها لا تزال تحظى بالدعم الدولي اللازم، فضلاً عن إصرار لبنان عليها.
ويلفت المصدر في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أن المعلومات المتوافرة تُشير إلى أن موازنة المحكمة أقرت لهذا العام، ما عدا حصة لبنان، إذ إنها لم تحتجز بعد، لافتاً إلى أنه في حال عدم سداد لبنان التزاماته لهذا العام، يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتأمين التمويل، ويتم تسجيل الأمر كديون على لبنان.
وتبلغ حصة لبنان 49 في المائة من ميزانية المحكمة، فيما يتم تمويل الـ51 في المائة من المساهمات الطوعية للدول الراغبة في ذلك وللاتحاد الأوروبي.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.