محاكمة ترمب تهدد بالقضاء على طموحه السياسي

الأميركيون يتساءلون عن جدوى محاكمة الرؤساء إذا كان التحزب لا الدستور هو الذي يحميهم من المحاسبة

محاكمة ترمب تهدد بالقضاء على طموحه السياسي
TT

محاكمة ترمب تهدد بالقضاء على طموحه السياسي

محاكمة ترمب تهدد بالقضاء على طموحه السياسي

ما لم يتنبه إليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب هو أن محاولة عزله الأولى تركت وقعاً كبيراً، حتى على قواعده الشعبية. ترمب كان واثقاً من فوزه في الانتخابات التي أُجريت يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وكذلك الحزب الجمهوري، الذي كان «استسلم» لقبضة رئيسه بأمل الفوز الموعود، عندما اطلع الأميركيون على حقيقة ابتزازه للرئيس الأوكراني لتلفيق «أوساخ» لمنافسه جو بايدن، مقابل المساعدات العسكرية. لكن نتائج الانتخابات الكارثية، ثم خسارة الجمهوريين مقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، أكثر الولايات ولاء لهم، كانت تطورات صادمة. ذلك أن ما جرى في انتخابات الإعادة التي نظمت في تلك الولاية الجنوبية بعد شهرين من خسارة الجمهوريين معركتي الرئاسة ومجلس النواب، اختصر المشهد السياسي الذي صوت عليه الأميركيون في 3 نوفمبر، بما هو تصويت على شرعية ترمب السياسية.

بعيداً عن الوصف الكلاسيكي لـ«تاريخية» محاكمات الرؤساء الأميركيين، لا شك في أن محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للمرة الثانية بهدف عزله - فضلاً عن كونها الأولى لمسؤول غادر السلطة - تأتي محاولة لنزع الشرعية السياسية عبر «عزله» لحرمانه مستقبلاً، ليس فقط من لعب دور سياسي، بل ومن الانقلاب على المنظومة السياسية التي تحميها «مؤسسة» سلطة عماد وجودها وعلتها هو ضمان التداول السلمي والديمقراطي للسلطة.
ورغم محاولة الحزب الجمهوري وفريق المدافعين عن ترمب، تصوير ما حدث ويحدث بـ«مسرحية المحاكمة السياسية»، فهذا الاتهام لا ينتقص من شرعيتها في نهاية المطاف. فمحاكمة رؤساء الدول، مهما كانت الدوافع والأسباب التي تقف وراءها، لا بد أن تتحول إلى محاكمة سياسية لعهودهم وسياساتهم وأحزابهم وتياراتهم.

- «كوفيد - 19»... وسوابق محاولات العزل
لا شك أن تداعيات جائحة «كوفيد - 19» الكارثية الصحية والاقتصادية لعبت دوراً مهماً في هزيمة ترمب. إلا أن فشل إدارته في إعداد خطة وطنية لمواجهة الجائحة، كشف أيضاً عن قصور سياسي على رأس أكبر وأغنى دولة في العالم. إذ نجح الديمقراطيون ومعهم «مؤسسة» السلطة في واشنطن، بتحويل أحداث 6 يناير (كانون الثاني) عندما اقتحام أنصار ترمب مبنى «الكابيتول» (مقر مجلسي الكونغرس)، إلى معركة سياسية عنوانها «عزل رئيس خرج من السلطة» لإنهاء حيثيته السياسية، وهذا بمعزل عن نتائج التصويت التي لا تزال تشير إلى تعذّر الحصول على 67 صوتاً من أعضاء مجلس الشيوخ لإدانته.
في المقابل، فتحت محاكمة ترمب الثانية نقاشاً سياسياً وحزبياً ودستورياً عن تاريخية محاكمة رئيس «مذنب» وجدواها. فإذا كانت تجارب العزل التي شهدتها الولايات المتحدة في تاريخها لم تؤد إلى إقالة أي رئيس من منصبه بسبب تمتعه بحماية حزبه، فما الجدوى من تكرار هذه التجارب؟ وما الذي يمكن تحقيقه في محاكمة ترمب الثانية أكثر من إظهار أن التحزب هو الذي يعمل وليس الدستور؟
قبل ترمب كانت هناك أربع محاولات عزل رئاسية منذ التوقيع على الدستور الأميركي عام 1787. ولم تؤد أي منها إلى الإقالة، ولكن في المقابل كان لكل منها نتائج سياسية كبيرة. فبعد فشل محاولة إقالة الرئيس أندرو جونسون عام 1868، فإنه أخفق في الترشح والحصول على ولاية رئاسية الثانية. وفي عام 1974 لم يُقل الرئيس ريتشارد نيكسون لكنه استقال تحت وطـأة فضيحة «ووترغيت» الهائلة. وفي عام 1998، أخفق الجمهوريون في إزاحة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، وبدلاً من ذلك، استقال خصمه الأكبر في ذلك الوقت رئيس مجلس النواب الجمهوري نيوت غينغريتش، وكذلك خلفه بوب ليفينغستون الذي اعترف بعلاقة غرامية خارج نطاق الزواج! ثم إن إدارة كلينتون كانت أول إدارة تفوز بمقاعد أكثر في الكونغرس في السنة السادسة من ولايته منذ إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية. وأخيراً، في عام 2020 فشلت عملية إقالة ترمب لكنه خسر الرئاسة، وفقد حزبه السيطرة على مجلس الشيوخ.
مع هذا، فإن النقاش الذي لا يزال مستمراً داخل أروقة مجلس الشيوخ، لا يقتصر فقط على «دستورية» محاكمة رئيس خرج من السلطة، وهي القضية التي حُسمت بتصويت المجلس على صحتها، مع انضمام 6 شيوخ جمهوريين إلى 50 ديمقراطياً. بل طُرح تساؤل آخر عما إذا كان اتهام الرئيس باقترافه «جرماً»، هو العلة الوحيدة التي تجيز محاكمته وعزله؟ أم أن سوء استخدامه للسلطة هو سبب آخر وأساسي كافٍ لعزله؟
لقد رفع محامو ترمب في دفاعهم عنه حجة تقول إن إدانته وحرمانه من تولي أي منصب في المستقبل من شأنه أن ينتهك حقوقه في التعديل الدستوري الأول، الذي يرقى إلى معاقبته على حرية إبداء رأيه. وقال محاميه ديفيد شوين، إن إدانة ترمب «تعرّض للخطر أي متحدث سياسي، وهو ما يتعارض مع كل ما نؤمن به في هذا البلد». غير أن هذا الادعاء قد يكون خاطئاً، بحسب العديد من القانونيين، الذين يجادلون بأنه حتى لو كان «التعديل الأول» (من الدستور الأميركي) يحمي ترمب من المسؤولية الجنائية والتقصيرية عن خطابه في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي للحشد الذي اقتحم مبنى «الكابيتول» لاحقاً، فإن ليس له أي تأثير على ما إذا كان بإمكان الكونغرس إدانة واستبعاد الرئيس لسوء السلوك... الذي يقوم جزئياً على خطاب تحريضي، أدى بسرعة وبشكل متوقع، إلى أعمال عنف مميتة.

- النزاهة والمساءلة... والتبعات
واضعو الدستور الأميركي صمموا إجراءات الإقالة كطرق لعزل المسؤولين الفيدراليين الفاسدين. غير أنه استعيض عنها ليحل محلها ما يسمى «عمليات قانون النزاهة العامة الفيدرالي» الذي تفرضه وزارة العدل. وفي كل شهر تعلن وزارة العدل عن إجراءات في نحو عشرين حالة، بحسب إحصاءات رسمية، وشملت أخيراً على سبيل المثال عمدة سابقاً في إقليم غوام الفيدرالي (غرب المحيط الهادئ)، الذي قام بتغييرات وظيفية، عبر ابتزاز ضابط حدود سابق بتهم رشوة. ولكن، مع ذلك بقيت قضية المساءلة وطرقها التي صاغها الدستور حجة قوية تحرك دعاوى إقالة الرؤساء الأميركيين.
غير أن ما يمكن أن تفعله إجراءات العزل في العصر الحديث هو إرسال إشارة قوية إلى الجمهور حول خطورة بعض القضايا. فعندما يقدم مجلس النواب على إقالة الرئيس من منصبه، فإنه يعلن الخروج من ممارسة السياسة العادية إلى التعامل مع حالة طوارئ حقيقية. إنه يرفع سوء استخدام الرئيس المزعوم لسلطته فوق جميع سلطات الكونغرس الأخرى. وفرض مجلس النواب مساءلة الرئيس على مجلس الشيوخ بهدف إقالته يغير التقويم السياسي، ويركز على القضايا التي حرّكت طلب الإقالة وتوضيحها، ويجبر أعضاء مجلس الشيوخ على اتخاذ موقف، إما إدانة الرئيس أو تبرئته.
ولأن الاتهام عمل غير عادي، فقد تنعكس آثاره سلباً أو إيجاباً ليس فقط على مؤيدي الرئيس، بل وعلى الأميركيين عموماً، كما حصل بعد محاكمة كلينتون. إذ رفضت غالبية كبيرة من الشعب الأميركي - يومذاك - القضية التي رفعها الجمهوريون لعزله. وبعد موافقة مجلس النواب الذي كانوا يسيطرون عليه على بنود الإقالة، ارتفعت شعبية كلينتون إلى مستوى بلغ 73 في المائة، خلال استطلاع مشترك لمحطة «سي إن إن» و«يو إس إيه توداي» و«غالوب»، مقابل انخفاض نسبة تأييد الجمهوريين إلى 31 في المائة.

- بين الجريمة وتجاوز السلطة
على النقيض من ذلك، كانت محاكمة ترمب الأولى مدعومة بغالبية ثابتة، وإن كانت ضيقة، إذ أدان غالبية الأميركيين محاولة ابتزاز الحكومة الأوكرانية للمساعدة في إعادة انتخابه، بينما كان ترمب وأنصاره يأملون - بل، ويثقون - في أن المساءلة ستأتي بنتائج عكسية في عام 2020، كما جرى عام 1998. لكن آمالهم خابت، وانتهت العملية بتصويت معظم الأميركيين على أن ترمب ارتكب جرائم تستوجب عزله من منصبه، ليس فقط في محاكمته الأولى، بل وفي محاكمته الثانية المستمرة فصولها، التي حوَّلته إلى أول رئيس أميركي يتعرّض مرتين للمساءلة والمحاكمة في التاريخ.
للعلم، كلينتون لم يقترف في حينه «جرماً» ولم يستغل سلطته لحسابات سياسية، كما أن الرئيس الأسبق رونالد ريغان لم يُعزل على خلفية فضيحة «إيران كونترا»، ولم يتعرض الرئيس الأسبق جورج بوش الابن للمساءلة بسبب «الحرب على الإرهاب» و«حرب العراق» التي أدت إلى خسارة الجمهوريين مجلسي النواب والشيوخ عام 2006. أيضاً لم يتعرض الرئيس الأسبق باراك أوباما للمساءلة رغم حماسة جمهوريي «حفلة الشاي» اليمينيين المتشددين إثر خسارة الديمقراطيين مجلس النواب عام 2010 ومجلس الشيوخ عام 2014، على خلفية ملفات المهاجرين والانسحاب من العراق وظهور تنظيم «داعش».
غير أن ما فعله ترمب، هذا العام، حسب الادعاء، هو تحريض حشود من أنصاره على مهاجمة مقر الكونغرس، على أمل قلب هزيمته في الانتخابات الرئاسية. واستخدم المدّعون في مجلس النواب دلائل بالصوت والصورة، عن ترمب حين قال: «إذا لم تقاتل مثل الجحيم، فلن يكون لديك بلد بعد الآن»، لإثبات دوره في المسؤولية عن مهاجمة مبنى «الكابيتول»، والتسبُّب في مقتل 5 أشخاص. كذلك قدّموا دليلاً قاطعاً عن محاولاته الضغط على مسؤولي الانتخابات في الولايات الجمهورية «لإيجاد» أصوات لعكس نتائج الانتخابات لمصلحته.
رغم ذلك قد لا تشكل هذه الأدلة سبباً كافياً لحض مجلس الشيوخ، أو على الأقل لحض أعضائه الجمهوريين، على إدانة ترمب، مثلما امتنعوا عن إدانته في محاكمته الأولى. لكنها كانت كافية لإظهار أن انتخابات 2020 في جورجيا جاءت استفتاءً على مخالفات ترمب قبل كل شيء، وليس على ما حاول الجمهوريون تصويره على أنه نتيجة الفشل في مواجهة تداعيات «كوفيد - 19». ذلك أن تبرئته الأولى أدت فقط إلى تأجيل محاسبته السياسية وليس تجنبها. وهو، على أي حال، ما دفع حتى أشد المدافعين عن ترمب إلى الاعتراف بهذه الحقيقة. إذ كتب مارك هامنغواي في موقع «رييل كلير بوليتكس» قائلاً: «بلغة الأرقام، فإن جو بايدن هو رئيس الولايات المتحدة لأنه فاز بولايات أريزونا وجورجيا وويسكونسن بإجمالي 43 ألف صوت. لكنه يدين أيضاً بفوزه إلى الأساس الذي وضعه الديمقراطيون وحلفاؤهم الإعلاميون قبل سنة واحدة، خلال أول محاكمة لعزل ترمب بسبب مطلبه المزعوم المرتبط بشروط أن تقوم الحكومة الأوكرانية بالتحقيق في فساد مزعوم يتعلق بنجله هنتر بايدن».
في محاكمته الأولى عام 2020، اعتمد ترمب على دعم غالبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وربما يحصل على تبرئته الثانية هذا العام أيضاً. لكن هناك من يقول إن الضرر عليه وعلى الحزب الجمهوري ربما يكون قد وقع. فإذا كان هدفه الأول هو العودة إلى الرئاسة عام 2024. فإن الملفات المفتوحة ضده قد تجعل من شبه المستحيل حصوله على إجماع، ليس فقط من الأميركيين عموماً الذين صوتوا ضده بأكثر من 7 ملايين صوت، بل ومن حزبه الجمهوري أيضاً. فترمب، لم يواجه فقط انشقاق 6 من الشيوخ الجمهوريين في تأييد محاكمته وفي تأكيد دستوريتها، بل وتراجع تأييده بين الجمهوريين إلى 36 في المائة من الذين لا يزالون يقولون إن «ترمب لم يرتكب أي خطأ»، بعدما كانت نسبتهم 56 في المائة في محاكمته الأولى بحسب الاستطلاعات.
أضف إلى ذلك أن الضرر قد أصاب أيضا قدرته على إثبات أنه هو القوة الرئيسية المهيمنة على الحزب، حين أدان كبير الجمهوريين السيناتور ميتش ماكونيل وغيره من قيادات الحزب سلوكه، وادعاءاته عن تزوير الانتخابات. وبجانب ذلك، رفض نواب الحزب الجمهوري إقالة النائبة ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، من موقعها كثالث أكبر مسؤول جمهوري في مجلس النواب بسبب تصويتها على عزله. وأخيراً، حتى قدرة ترمب على مواصلة إبعاد الملاحقات القضائية عنه، باتت أمراً مشكوكا به في ظل استعداد عدد من محاكم الولايات لرفع دعاوى مالية وتجارية وضريبية ضده.
ما ستثبته المحاكمة الثانية لترمب، أن الجمهوريين ليسوا مستعدين للاتحاد ضده، لكنهم غير متحدين على تبرئته أيضاً. وهذا ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل الحزب خلال انتخابات عامي 2022 و2024 أيضاً.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.