مطالب ليبية بقرار أممي يُلزم عدم عرقلة الانتخابات

تحذير للسلطة الجديدة من «الأتباع»... ودبيبة يتكتم على تشكيل الحكومة

جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف في 3 فبراير الحالي (البعثة الأممية)
جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف في 3 فبراير الحالي (البعثة الأممية)
TT

مطالب ليبية بقرار أممي يُلزم عدم عرقلة الانتخابات

جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف في 3 فبراير الحالي (البعثة الأممية)
جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف في 3 فبراير الحالي (البعثة الأممية)

بعد أسبوع من اختيار السلطة التنفيذية المؤقتة في ليبيا، طالبت خمسة من الأحزاب والتنظيمات السياسية بالبلاد، المجتمع الدولي، باستصدار قرار أممي يُلزم كافة «الأطراف المحلية والدولية» بعدم عرقلة أو تهديد العملية الانتخابية المرتقبة في نهاية العام الحالي، فيما يجري رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد دبيبة، مشاورات ومقابلات مع شخصيات عدة وسط تكتم شديد لتشكيل حكومته في الموعد المحدد.
وقالت التنظيمات السياسية الليبية، وهي «التكتل المدني الديمقراطي» و«الحراك الوطني الليبي» و«تحالف القوى الوطنية» و«تكتل إحياء ليبيا» و«تيار شباب الوسط»، في بيان، أمس، إن «على جميع الأطراف السياسية والاجتماعية الليبية التمسك بالموعد المحدد لإجراء الانتخابات المتفق عليها، وتكثيف الجهود لتذليل كل العقبات التي قد تواجه إتمام هذه العملية». ودعت التنظيمات المُوقعة على البيان «المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه توفير الضمانات الأمنية والسياسية والقانونية لإجراء الانتخابات، واستصدار قرار أممي يمنع عرقلة هذا المسار الانتخابي».
وتحدثت عن تركيبة الحكومة الجديدة، وما يجب أن تكون عليه، مشددة على ضرورة «أن تركز على توحيد المؤسسات السيادية والتنفيذية، وخلق أرضية جامعة لليبيين لتسهيل الطريق أمام المسار الانتخابي في الموعد المحدد». ويأتي على رأس مهام الحكومة الجديدة، حسب التنظيمات، «ضمان وضع أمني مستقر نسبياً يتيح المساحة للتنافس الانتخابي بشكل عادل أمام جميع شرائح المجتمع، الأمر الذي يمهد لتسليم السلطة بشكل سلس من مؤسسة تشريعية منتخبة. ولن يتأتى القيام بهذه المهام إلا من خلال حكومة أزمة مصغرة، قائمة على كفاءات وطنية وبرنامج عمل واضح لتنفيذ أولويات السلطة التنفيذية حسب خريطة الطريق المتفق عليها». وتتكون السلطة التنفيذية الجديدة من مجلس رئاسي برئاسة محمد المنفي ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني، إلى جانب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» دبيبة. وسبق للمشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية أممية الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لكن رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، يرجح عدم التمكن من ذلك في حال تم الاستفتاء الشعبي على مسودة الدستور.
وتطرقت التنظيمات السياسية الموقعة على البيان، إلى عمل البلديات، معبرين عن أملهم في «منحها صلاحيات خدمية أوسع للتقليل من المركزية الموجودة في بنيان الدولة، وبما يضمن تمتع المواطنون بالخدمات الأساسية، وتخفيف حدة الأزمات اليومية التي يعاني منها الشعب الليبي، على أن تتفرغ الحكومة للقطاعات السيادية والعمل على إزالة معوقات بناء الدولة».
وأثنى الموقعون على جهود رئيس وأعضاء بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا التي قالوا إنها «ساهمت في تقريب وجهات النظر بين الأشقاء الليبيين، والتوصل إلى الاتفاق على سلطة تنفيذية جديدة»، لكنهم ذكروا الجميع «بأن الحفاظ على مسار التوافق الليبي، لا يقل أهمية عن صناعته، وأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تنازل أكبر بيننا حتى نستطيع إخراج الوطن من محنته».
وحسب الآلية التي أعدتها بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، فمن المنتظر أن يشكل دبيبة حكومته في موعد أقصاه 26 فبراير (شباط) الحالي، من أجل عرضها على مجلس النواب لنيل الثقة. وفي حال فشل المجلس في ذلك، سيحال الأمر لأعضاء ملتقى الحوار السياسي ثانية.
وراجت عبر قنوات فضائية ومواقع التواصل الاجتماعي أسماء عدة على أنها مرشحة لتولي مناصب في حكومة دبيبة المرتقبة، لكن مصدراً مقرباً رئيس الحكومة الجديدة قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل الأسماء الرائجة في الأوساط السياسي ليس لها أي أساس من الصحة»، وأن «دبيبة يتواصل مع شخصيات بعضها من التكنوقراط للانتهاء من تشكيل حكومته في الموعد المحدد». وسبق للمكتب الإعلامي لحكومة «الوحدة الوطنية» التأكيد على الأمر ذاته، وذهب إلى أن «كل الأسماء التي يتم تسريبها على أنه تم اختيارها لشغل مناصب في الحكومة غير صحيحة، ومعظم الأسماء التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف الظهور الإعلامي ومن ثم لفت الانتباه فقط لا غير».
ولفت إلى أن «جميع المشاورات التي يجريها دبيبة الآن محاطة بالسرية التامة»، فيما حذر رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو، السلطة التنفيذية الجديدة من «ضياع الوقت». وقال عبر صفحته على «فيسبوك»: «الأمر نفسه يتكرر مع كل من يتولى سلطة في ليبيا، يحيطه ويحاصره ويطوقه الأقارب والأتباع والهواة والحُواة حتى يفقد البوصلة ويُضيع الطريق والوقت، ثم يضيع. تنبهوا أيها الجُدد لما وقع فيه السابقون».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.