نافالني أمام المحكمة مجدداً... فتح قضية «تخابر مع أجهزة غربية»

الكرملين يتدخل لتخفيف وقع تهديد لافروف بـ«قطع العلاقات» مع أوروبا

الكرملين اعتبر أن وسائل الإعلام حرفت كلام لافروف (في الصورة) حول استعداد موسكو لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي (رويترز)
الكرملين اعتبر أن وسائل الإعلام حرفت كلام لافروف (في الصورة) حول استعداد موسكو لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي (رويترز)
TT

نافالني أمام المحكمة مجدداً... فتح قضية «تخابر مع أجهزة غربية»

الكرملين اعتبر أن وسائل الإعلام حرفت كلام لافروف (في الصورة) حول استعداد موسكو لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي (رويترز)
الكرملين اعتبر أن وسائل الإعلام حرفت كلام لافروف (في الصورة) حول استعداد موسكو لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي (رويترز)

برزت حالة من الارتباك أمس، عند الأوساط السياسية الروسية بعد بث مقابلة تلفزيونية مع وزير الخارجية سيرغي لافروف لوح خلالها باستعداد بلاده لقطع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، في حال تبني رزمة عقوبات جديدة على خلفية ملف تسميم المعارض أليكسي نافالني قد تطول قطاعات حساسة في روسيا. وأثار التهديد غير المسبوق ضجة كبرى دفعت الكرملين إلى التدخل لتخفيف تداعياته. وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إنه «يجب على روسيا أن تكون جاهزة لمواجهة تحركات غير ودية من جانب الاتحاد الأوروبي، لكنها ستبقى حريصة على تطوير العلاقات مع التكتل».
ورأى بيسكوف أن «وسائل الإعلام حرفت كلام لافروف، وقدمت له عنواناً مثيراً عن استعداد موسكو لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، في حال فرضه عقوبات جديدة تشكل خطراً على قطاعات حساسة من الاقتصاد الروسي». وزاد الناطق الرئاسي أن «التحريف أخرج كلام الوزير من سياقه، وهذا خطأ يغيّر المعنى كله». وأضاف: «النقطة بالتحديد هي أننا لا نريد ذلك (قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي)، نريد تطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. ولكن إذا سلك الاتحاد هذا المسار (فرض عقوبات تشكل خطراً على الاقتصاد الروسي)، فإذن نعم، سنكون مستعدين لذلك، لأنه يجب أن نستعد للأسوأ».
وتابع بيسكوف: «هذا ما كان يتحدث عنه الوزير. لكن المعنى تم تشويهه وتم تقديم هذا العنوان المثير بطريقة تصور روسيا كأنها هي التي ستبادر إلى قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي».
وكان حديث لافروف أثار تعليقات ساخنة في وسائل إعلام روسية رأت فيه استعداداً من جانب موسكو للرد على العقوبات الأوروبية المحتملة.
وقال لافروف خلال المقابلة الصحافية إن موسكو مستعدة لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، في حال فرضه عقوبات جديدة تشكل خطراً على قطاعات حساسة من اقتصاد البلد.
وأوضح: «ننطلق من أننا مستعدون لذلك، إذا رأينا مرة أخرى، كما كان قد حصل مراراً، أن عقوبات تفرض في مجالات محددة تشكل خطراً على اقتصادنا خصوصاً قطاعاته الأكثر حساسية». وشدد لافروف على ضرورة أن تكون موسكو «مستعدة لهذه الخطوة، على الرغم من عدم رغبتها في الاعتزال عن حياة العالم»، وكرر المقولة المشهورة: «إذا أردت السلم، فاستعد للحرب».
وتتوقع موسكو أن يفرض الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الوجيزة المقبلة رزمة عقوبات جديدة مرتبطة بملف اعتقال نافالني ومحاكمته، وصفت بأنها ستكون أكثر قسوة من الرزم السابقة التي لن تطال قطاعات اقتصادية حساسة أو شخصيات مرتبطة مباشرة بقطاعات حساسة.
في الأثناء، مثل نافالني مجدداً أمس، أمام محكمة روسية نظرت في قضية «تشهير» جنائية ضد السياسي المعارض؛ على خلفية تصريح سابق لنافالني اتهم فيه شخصيات ظهرت في مقطع فيديو ترويجي لدعم التعديلات الدستورية العام الماضي بأنها «مأجورة». وكان بين هذه الشخصيات عسكري سابق من قدامى المحاربين يبلغ من العمر 95 عاماً، تم رفع قضية باسمه ضد نافالني كون الأخير «وجه إهانات إلى أبطال الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية)».
تزامن ذلك مع زيادة التوقعات بأن يتم توجيه تهمة جديدة ضد المعارض الذي يقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، ومع ارتفاع حدة الحملات في البرلمان والأوساط السياسية والإعلامية للمطالبة بتوجيه تهمة التعامل مع أجهزة خاصة أجنبية ضد نافالني. وكانت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا وسعت من احتمال ملاحقة نافالني وأعوانه بتهم مماثلة، وقالت إن ممثلي المعارضة يتلقون توجيهات من الخارج لتنظيم احتجاجات. وانضم سيرغي ناريشكين، مدير الاستخبارات الخارجية الروسية إلى هذه الحملات، وقال إن «وزارة الخارجية لا تبالغ عندما تتحدث عن وجود تواطؤ بين ممثلي المعارضة غير النظامية الروسية والغرب».
وفي معرض إجابته عن سؤال عما إذا كانت الاستخبارات تمتلك أدلة على تعاون منظمي المظاهرات غير المرخصة في روسيا مع الأجهزة المختصة الغربية، قال ناريشكين: «الخارجية الروسية لا تخطئ ولا تبالغ في تعليقاتها. لا يسعني إلا أن أضيف إلى ما قالت إن أولئك الذين يعقدون صفقات إجرامية مع أجهزة استخبارات الدول التي تمارس سياسة معادية لروسيا، لا يمكن تسميتهم بالمعارضين».
وأضاف: «في هذه الحالة لا بد من استخدام مصطلح آخر». وكان ناريشكين قال في وقت سابق إن نافالني يحصل على معلومات من أجهزة الاستخبارات الأميركية في قضايا الفساد التي يثيرها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟