تحديات عسكرية وسياسية تواجه القمة الفرنسية ـ الأفريقية

ماكرون يريد التشاور مع شركاء بلاده قبل سحب جزئي لقواته من الساحل

الرئيس ماكرون ورئيس مالي في باريس - وقد اجتمع تباعاً في الأيام الماضية بالقادة الخمسة للتحضير لقمة نجامينا (أ.ب.أ)
الرئيس ماكرون ورئيس مالي في باريس - وقد اجتمع تباعاً في الأيام الماضية بالقادة الخمسة للتحضير لقمة نجامينا (أ.ب.أ)
TT

تحديات عسكرية وسياسية تواجه القمة الفرنسية ـ الأفريقية

الرئيس ماكرون ورئيس مالي في باريس - وقد اجتمع تباعاً في الأيام الماضية بالقادة الخمسة للتحضير لقمة نجامينا (أ.ب.أ)
الرئيس ماكرون ورئيس مالي في باريس - وقد اجتمع تباعاً في الأيام الماضية بالقادة الخمسة للتحضير لقمة نجامينا (أ.ب.أ)

تتوقع باريس الكثير من القمة الفرنسية - الأفريقية التي ستلتئم ليومين الأسبوع المقبل في العاصمة التشادية والتي يشارك فيها الرئيس الفرنسي «عن بعد»، إلى جانب قادة مجموعة الخمس الأفريقية لبلدان الساحل (موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر وتشاد). ومن المنتظر حصول اجتماعين رئيسيين، في 15 و16 فبراير (شباط)؛ الأول مغلق ويقتصر على القادة الستة وسيحصل يوم الاثنين. والثاني موسع بحيث ينضم إلى الستة، ممثلون عن الأمم المتحدة ومجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية والدول التي لها بعثات عسكرية في منطقة الساحل والأخرى المشاركة في قوة الكوماندوز الأوروبية المسماة «تاكوبا». واللافت أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تشارك «عن بعد» بشخص وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي سيسهم بكلمة مصورة ومسجلة بسبب فارق التوقيت بين نجامينا وواشنطن. وحرصت مصادر الإليزيه على التذكير بأن الرئيس ماكرون قد اجتمع تباعاً في الأيام الماضية بالقادة الخمسة في باريس للتحضير لقمة نجامينا التي ستشهد انتقال رئاسة مجموعة الخمس من موريتانيا إلى تشاد.
كثيرة التحديات التي يتعين على القمة والتي تختصرها المصادر الرئاسية الفرنسية بمجموعتين: عسكرية وسياسية. وتعد باريس أن «إنجازات عسكرية رئيسية قد تحققت في الأشهر الـ12 الماضية، وبالتالي فإن المطلوب الاستمرار في الدينامية التي أطلقت وتوسيعها». وتذهب باريس إلى حد اعتبار أن «ميزان القوى» قد تغير، وأخذ يميل لصالح الجهات التي تحارب الإرهاب، علماً بأن القمة السابقة رأت تركيز الجهد العسكري على ما يسمى منطقة «الحدود المثلثة» التي تجمع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث كانت تنشط المجموعات المسلحة وعلى رأسها «داعش في الصحراء الكبرى». ولم تتحقق النتائج العسكرية الإيجابية إلا بعد أن تم تكثيف الجهد العسكري فرنسياً (من خلال تعزيز قوة «برخان» بإرسال 600 عنصر إضافي)، وأفريقياً (عبر زيادة حضور ما يسمى «القوة الأفريقية الخماسية المشتركة» وزيادة التنسيق بين وحداتها). وفي هذا السياق، ينتظر أن ترسل تشاد ألف عنصر إضافي إليها، وسيتم الإعلان عن ذلك إبان انعقاد القمة. لذا، سيكون استمرار تركيز الجهود على منطقة «الحدود المثلثة» أحد الأهداف العسكرية الرئيسية التي ستقرها القمة. أما هدفها الثاني فهو التركيز على محاربة «مجموعة دعم الإسلام والمسلمين» التي كانت تسمى سابقاً «أنصار الدين» والتي انخرطت تحت لواء «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، فيما الهدف الثالث يقوم على تكثيف الضغوط على «كتيبة ماسينا» التي تنشط بشكل خاص وسط مالي.
وترى باريس أن الدينامية العسكرية وحدها لا تكفي، بل يتعين إطلاق «دينامية سياسية موازية» عنوانها عودة بنى الدولة إلى المناطق التي تستعاد من المجموعات المسلحة على كل المستويات التعليمية والصحية والأمنية والاجتماعية وتفعيل البرامج التنموية التي تمول على الصعيد الدولي. وترى المصادر الفرنسية أن الجو السياسي العام في عدد من البلدان الخمسة المعنية «ملائم» في الوقت الحاضر، بعد أن استقرت السلطة في مالي عقب الانقلاب العسكري الصيف الماضي، وعلى ضوء حصول العمليات الانتخابية في أجواء مقبولة في دولتين أخريين من بين الدول الخمس؛ وهما بوركينا فاسو والنيجر. وبموازاة ذلك، ترى باريس «شعاع أمل» في اتساع دائرة «التحالف من أجل الساحل» الذي أخذ يضم اليوم 25 دولة ومؤسسة دولية وإقليمية لدعم مسار التنمية في البلدان الخمسة. وقد تأسس التحالف في عام 2017 بمبادرة مشتركة فرنسية - ألمانية - أوروبية. ومؤخراً، انضمت إليه بريطانيا والدنمارك وإسبانيا وهولندا ودوقية لوكسمبورغ. ومن المنظمات الفاعلة فيه البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية.
ثمة عنصران إضافيان تراهن عليهما فرنسا وتدفع لأخذهما بعين الاعتبار: الأول، رغبتها في توسيع «الدائرة الاحترازية»، بحيث تضم إلى جهود مكافحة الإرهاب الدول المطلة على خليج غينيا، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان مؤخراً. وتضم المجموعة ساحل العاج وغانا وتوغو ونيجيريا وغينيا والكاميرون. وستكون هذه المجموعة حاضرة في نجامينا عبر ممثل لمجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية. أما العنصر الآخر فعنوانه التركيز على «التعبئة الدولية» الممثلة عسكرياً بانطلاقة قوة الكوماندوز الأوروبية المسماة «تاكوبا» التي ستكون فاعلة في مالي وحدها. وفي هذا السياق، أخذت باريس تعرب عن ارتياحها رغم التأخير الذي أصاب وصول أولى الوحدات العسكرية التي ستكون فاعلة إلى جانب القوات المالية، ولكن أيضاً إلى جانب القوة الأفريقية المشتركة. وبحسب الإحصائيات الفرنسية، فإن ثلث القوات الأوروبية البالغ عددها 8 آلاف الموجودة في منطقة الساحل ليست فرنسية. وتسهم فرنسا بـ5100 رجل. وبعكس ما كان متوقعاً لجهة إعلان باريس عن خفض لعديد قواتها بمناسبة القمة، فإن مصادر الإليزيه، أشارت إلى أن الرئيس ماكرون يريد أن يتشاور مع شركاء بلاده قبل اتخاذ القرار. وأفادت مصادر الإليزيه بأن تسع دول أوروبية إضافية أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى «تاكوبا»، ومنها إيطاليا وهولندا وبلجيكا والبرتغال وإيطاليا والدانمارك وليتوانيا. وحالياً، وصلت وحدتان إحداهما أستونية والأخرى تشيكية، وبدأت السويد بإرسال قوة من 150 رجلاً. وهذه الوحدات ستعمل بالطبع إلى جانب قوة «برخان».
يبقى أن باريس تنظر بكثير من الاهتمام لما ستأتي به كلمة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إذ إنها تأمل في أن تتخلى إدارة الرئيس بايدن عن خطط سلفه الرئيس ترمب بخفض الحضور العسكري الأميركي في القارة الأفريقية، ومنها إغلاق القاعدة الجوية شمال النيجر التي تنطلق منها الطائرات المسيرة (درون)، والتي توفر لقوة «برخان» معلومات وصوراً قيمة لتحركات المجموعات الجهادية في فضاء شاسع.



تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
TT

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة، دون توضيح هوية هذا التنظيم، وإن كان على علاقة بالموقوفين سابقاً في قضايا إرهابية نُسبت إلى فروع جماعتي «داعش» و«القاعدة» في شمال أفريقيا، مثل تنظيم «جند الخلافة» و«خلية عقبة بن نافع».

وحدات مكافحة الإرهاب التونسية ترفع حالة التأهب (صورة من مواقع وزارة الداخلية التونسية)

ووصف بلاغ الإدارة العامة للحرس الوطني في صفحته الرسمية الموقوفين الجدد بـ«التكفيريين»، وهي الصيغة التي تُعتمد منذ سنوات في وصف من يوصفون بـ«السلفيين المتشددين» و«أنصار» الجهاديين المسلحين.

من محافظات عدة

وأوضح المصادر أن قوات تابعة للحرس الوطني أوقفت مؤخراً في مدينة طبربة، 20 كلم غرب العاصمة تونس، عنصراً «تكفيرياً» صدرت ضده مناشير تفتيش صادرة عن محكمة الاستئناف بتونس بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، ومحكوم غيابياً بالسجن لمدة 6 أعوام.

كما أعلن بلاغ ثانٍ صادر عن الإدارة العامة عن الحرس الوطني أن قواتها أوقفت مؤخراً في منطقة مدينة «مساكن»، التابعة لمحافظة سوسة الساحلية، 140 كلم جنوب شرقي العاصمة، متهماً بالانتماء إلى تنظيم إرهابي صدرت ضده أحكام غيابية بالسجن.

وحدات مكافحة الإرهاب التونسية ترفع حالة التأهب (صورة من مواقع وزارة الداخلية التونسية)

بالتوازي مع ذلك، أعلنت المصادر نفسها أن الحملات الأمنية التي قامت بها قوات النخبة ومصالح وزارة الداخلية مؤخراً براً وبحراً في محافظات عدة أسفرت عن إيقاف مئات المتهمين بالضلوع في جرائم ترويج المخدرات بأنواعها من «الحشيش» إلى «الحبوب» و«الكوكايين».

في السياق نفسه، أعلنت مصادر أمنية عن إيقاف ثلاثة متهمين آخرين بـ«الانتماء إلى تنظيم إرهابي» من محافظة تونس العاصمة وسوسة وبنزرت سبق أن صدرت ضدهم أحكام غيابية بالسجن في سياق «الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة» وتحركات قوات مصالح مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية ووحدات من الحرس الوطني.

المخدرات والتهريب

وفي سياق تحركات خفر السواحل والوحدات الأمنية والعسكرية المختصة في مكافحة تهريب البشر والسلع ورؤوس الأموال، أعلنت المصادر نفسها عن إيقاف عدد كبير من المهربين والمشاركين في تهريب المهاجرين غير النظاميين، وغالبيتهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وحجز عشرات مراكب التهريب ومحركاتها.

كما أسفرت هذه التدخلات عن إنقاذ نحو 83 مهاجراً غير نظامي من الموت بعد غرق مركبهم في السواحل القريبة في تونس؛ ما تسبب في موت 27 ممن كانوا على متنهما.

في الأثناء، استأنفت محاكم تونسية النظر في قضايا عشرات المتهمين في قضايا «فساد إداري ومالي» وفي قضايا أخرى عدّة، بينها «التآمر على أمن الدولة». وشملت هذه القضايا مجموعات من الموقوفين والمحالين في حالة فرار أو في حالة سراح، بينهم من تحمل مسؤوليات مركزية في الدولة خلال الأشهر والأعوام الماضية.

وفي سياق «الإجراءات الأمنية الوقائية» بعد سقوط حكم بشار الأسد في سوريا والمتغيرات المتوقعة في المنطقة، بما في ذلك ترحيل آلاف المساجين المغاربيين المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات مسلحة بينها «داعش» و«القاعدة»، تحدثت وسائل الإعلام عن إجراءات «تنظيمية وأمنية جديدة» في المعابر.

في هذا السياق، أعلن عن قرار مبدئي بهبوط كل الرحلات القادمة من تركيا في مطار تونس قرطاج 2، الذي يستقبل غالباً رحلات «الشارتير» و«الحجيج والمعتمرين».

وكانت المصادر نفسها تحدثت قبل أيام عن أن وزارة الدفاع الأميركية أرجعت إلى تونس الاثنين الماضي سجيناً تونسياً كان معتقلاً في غوانتانامو «بعد التشاور مع الحكومة التونسية».

وأوردت وزارة الدفاع الأميركية أن 26 معتقلاً آخرين لا يزالون في غوانتانامو بينهم 14 قد يقع نقلهم، في سياق «تصفية» ملفات المعتقلين خلال العقدين الماضيين في علاقة بحروب أفغانستان والباكستان والصراعات مع التنظيمات التي لديها علاقة بحركات «القاعدة» و«داعش».

حلول أمنية وسياسية

بالتوازي مع ذلك، طالب عدد من الحقوقيين والنشطاء، بينهم المحامي أحمد نجيب الشابي، زعيم جبهة الخلاص الوطني التي تضم مستقلين ونحو 10 أحزاب معارضة، بأن تقوم السلطات بمعالجة الملفات الأمنية في البلاد معالجة سياسية، وأن تستفيد من المتغيرات في المنطقة للقيام بخطوات تكرّس الوحدة الوطنية بين كل الأطراف السياسية والاجتماعية تمهيداً لإصلاحات تساعد الدولة والمجتمع على معالجة الأسباب العميقة للازمات الحالية.