علي العربي: عشت حياة اللاجئين أثناء تصوير «كباتن الزعتري»

المخرج المصري لـ: تنفيذ الفيلم استغرق 7 سنوات

العربي يتوسط بطلي الفيلم  (المصدر: علي العربي)
العربي يتوسط بطلي الفيلم (المصدر: علي العربي)
TT

علي العربي: عشت حياة اللاجئين أثناء تصوير «كباتن الزعتري»

العربي يتوسط بطلي الفيلم  (المصدر: علي العربي)
العربي يتوسط بطلي الفيلم (المصدر: علي العربي)

قال المخرج الشاب المصري علي العربي إن فيلم «كباتن الزعتري» الذي شارك به أخيراً في مسابقة مهرجان صندانس السينمائي، استغرق تصويره وتنفيذه سبع سنوات، أقام خلالها في مخيم «الزعتري» على الحدود الأردنية - السورية لفترات وكشف في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم سيطوف عدداً من المهرجانات المهمة، وسيعرض للاجئين في كل دول العالم ليمنح لهم الأمل في حقهم بحياة عادلة.
وحظي فيلم «كباتن الزعتري» بإشادات لافتة لدى عرضه العالمي الأول في مهرجان «صندانس» بالولايات المتحدة الأميركية (28 يناير/ كانون الثاني إلى 3 فبراير/ شباط 2021)، وتم تنظيم مؤتمر صحافي افتراضي حضره المخرج وبطليه الذين فجرا مفاجأة بأن «قوانين كرة القدم تمنع احتراف اللاجئين». وأشادت مجلة «فارايتي» الأميركية بالفيلم ووضعته في التصنيف رقم 2 ضمن أفضل 15 فيلما عرضوا في دورة مهرجان صندانس بالعام الجاري.
ويتتبع الفيلم الشابين السوريين محمود، وفوزي منذ مراهقتهما في مخيم الزعتري للاجئين وتعلقهما بكرة القدم، ويتحديان الصعاب لتحقيق حلمهما في الاحتراف عالميا، ويرصد الفيلم التغيير الذي يمر به بطلا الفيلم منذ مراهقتهما، وحتى وصولهما إلى عمر 25 عاما وكيف يسعيان لتحقيق حلمهما.
ويخوض المخرج علي العربي من خلال فيلمه الوثائقي في تفاصيل حياة اللاجئين: «بعد سنوات من العمل في توثيق الحروب لصالح قنوات أوروبية، قررت ترك هذا المجال بعدما شعرت أن الإعلام عموما يهتم بالأرقام والإحصاءات، ويغفل الجانب الإنساني، وهو الأهم في رأيي، فعندما قمت بزيارة مخيم الزعتري اكتشفت أن اللاجئ ليس كما نعتقد أنه في حاجة للطعام والمأوى فقط، وذلك بعدما قابلت الشابين السوريين محمود وفوزي، ووجدتهما يسألاني عن شكل العالم خارج المخيم ويعبران عن حبهما وطموحهما في مجال كرة القدم، فقررت أن أعيش في المخيم لفترة لأتتبع حلمهما وكيف يسعيان لتحقيقه وهل سينجحان في ذلك، وظللت لسنوات أتردد عليهما وأقيم معهما مع فريق عملي ما بين ستة وسبعة أشهر كل عام.
ويؤكد العربي أن «فكرة الفيلم جاءته بعد زيارة المخيم، ومقابلة الشابين وملامسة حلمهما، فقد شعرا أنني مثلهما، فقد كان لدي حلم وأصررت على تحقيقه، فالفيلم لا يتحدث عن اللاجئين فقط، بل أيضا عن الصداقة والطموح وهو ما جعل مهرجان «صندانس» يتحمس لفكرته الإنسانية التي يمكن أن تحدث في أي مكان بالعالم».
وبدأ المخرج التصوير عام 2013، حيث قام بتصوير نحو 700 ساعة على مدى سبع سنوات، ليتحدثا في البداية عن حلمهما، وكما يقول: «في كل عام كنت أتابع رحلتهما وما يحققانه، وكنت ألحظ مراحل نموهم، وكان الأمر الوحيد الثابت هو تمسكهما بهذا الحلم، وسفرهما لأكثر من مكان ليشاركا في مباريات مهمة، فأعطيا لنا درسا في الإصرار، ثم عودتهما للمخيم لتدريب جيل آخر من اللاجئين، وهناك جملة لا أنساها قالاها في مؤتمر صحافي عقد لهما... (لقد جئنا ليس بحثا عن الشفقة، بل عن فرصة عادلة في الحياة)».
ويصف العربي الحياة داخل المخيم بأنها «قاسية للغاية»، مؤكداً: «عشت حياة اللاجئين كاملة، وكنت وفريق عملي الذي يضم 11 فردا نتناول نفس الطعام ونرتدي مثل ملابسهم، وحصلت على تصريح بالتصوير وكنت أسجل تقارير إخبارية عن المخيم لاستمرار إقامتنا، حتى أصبحنا محسوبين عليهم، فقد حدث ذات مرة أنه تم القبض علي من قبل أمن المخيم الذين ظنوا أنني لاجئ بعدما لاحظوا إقامتي الطويلة بينهم، وهو أكبر مخيم في العالم وبقدر قسوة الحياة فيه، فالتعليم سيء والكهرباء تنقطع لساعات طويلة، لكن كان هناك شعورا بالدفء بين الناس وبعضها، فالمحنة وحدتهم، وقد تعلمت منهم الكثير، وكانوا ملهمين لي بشكل كبير، وهناك من ماتوا ومن ولدوا خلال التصوير، وشعرت بالإحباط في أحيان كثيرة، وعبرت عن ذلك للمخرج الكبير يسري نصر الله، الذي قال لي إذا كنت قد أحبطت بعد أربع سنوات، فماذا عن هؤلاء الذين يعيشون حياتهم كلها بالمكان، كذلك كانت تشجعني المنتجة التونسية درة بوشوشة، والمخرج شريف البنداري، والمنتج محمد حفظي، فقد ساندوني خلال التصوير.
بعد قطعه شوطا طويلاً في تصوير الفيلم، أصبح لدى علي العربي جهات داعمة: «منحني مهرجان الجونة دعما في 2019، كما تبنت أعمالي لمدة عشر سنوات منظمة «إيفيتا» وهي منظمة دولية تتبنى الموهوبين في كل أنحاء العالم، ودعموني بشكل كبير جدا، وحصلت على دعم من مهرجانات «فينسيا، كان، مالمو، وبيروت»، وشارك في الإنتاج آية دوارة، والمخرج السوداني أمجد أبو العلا، ومارك لطفي كمنتج استشاري، ولدي منتجين مشاركين أحدهما ألماني، والآخر أميركي، انضما للفيلم بعد التصوير.
وكشف العربي عن تخطيطه لعرض الفيلم في جميع مخيمات اللاجئين بالعالم بترتيب مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ضمن حملة ضخمة على مستوى العالم لدعم اللاجئين بمشاركة بعض نجوم كرة القادم العالميين.
وبجانب عمله كمخرج، فإن العربي ينتج من خلال شركته أحدث أفلام المخرج يسري نصر الله «أسطورة زينب ونوح»، ويقول: «أحب سينما يوسف شاهين ويسري نصر الله، ولا أمل من مشاهدة أفلامهما، وأرى أن إنتاج فيلم مهم كل عدة سنوات من خلال شركتي الإنتاجية أفضل من أن ننتج عدة أفلام جيدة، فالسينما عندنا في حاجة لمنتجين خلاقين، لدينا مخرجون وممثلون وكتاب موهوبون وينقصنا الإنتاج الذي يطور الفكرة ويجعلها دولية، وأحلم بأن نعرض أفلامنا في أميركا وأوروبا، مشيراً إلى أنه تأثر في فيلم «كباتن الزعتري» بفيلم «البنات دول» للمخرجة تهاني راشد، وأراه فيلما عظيما، كما أنني مفتون بأفلام المخرج مارتن سكورسيزي.
وعلى غرار تجربته في فيلم «كباتن الزعتري» يصور علي العربي منذ عام فيلمه الثاني في الهند: «صورت بعض مشاهد بالفيلم وما يزال أمامي عامان حتى يكتمل التصوير، وسيجمع العمل ما بين الوثائقي والروائي كما في (كباتن الزعتري)، وأعكف حاليا على كتابة سيناريو فيلمي الروائي الطويل الأول عن مرحلة التعليم الثانوي، وعن الفجوة بين الآباء والأبناء».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».