السودان: أوامر باعتقال عدد من عناصر حزب الرئيس المعزول

اتهموا بتنظيم أعمال نهب وتخريب وإثارة الفوضى

شاب يشارك في المظاهرات التي أطاحت نظام عمر البشير (رويترز)
شاب يشارك في المظاهرات التي أطاحت نظام عمر البشير (رويترز)
TT

السودان: أوامر باعتقال عدد من عناصر حزب الرئيس المعزول

شاب يشارك في المظاهرات التي أطاحت نظام عمر البشير (رويترز)
شاب يشارك في المظاهرات التي أطاحت نظام عمر البشير (رويترز)

أصدرت النيابة العامة السودانية، أمس، أوامر بتوقيف عدد من عناصر «المؤتمر الوطني»، حزب الرئيس المعزول عمر البشير، ووزعت إعلاناً طالبتهم فيه بتسليم أنفسهم، أو اعتبارهم هاربين من العدالة. ووجهت لجنة تفكيك نظام الـ30 من يونيو (حزيران) 1989 فروعها بالولايات لاتخاذ إجراءات بحق عضوية الحزب المحلول لناشطين في العاصمة والخرطوم، وذلك على إثر أعمال تخريب وحرق ونهب واسعة في عدد من الولايات، خلال الأيام الأخيرة، اتهم فيها نشطاء الحزب المحلول بتدبيرها والاشتراك فيها.
وطوال الأسبوع الماضي، شهدت أنحاء متفرقة من السودان احتجاجات عنيفة في أكثر من مدينة، صاحبتها احتجاجات طلابية ضد الغلاء، قبل أن تتحول لعمليات نهب وحرق، وتخريب لمحال تجارية، وأجهزة ومقار حكومية في أكثر من عشر مدن، وانتقلت هذه الاحتجاجات من مدينة إلى أخرى بتنسيق محكم.
وأصدرت نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة أوامر «ضبط وقبض» ضد عدد من قادة نظام الإسلاميين، أبرزهم العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، الذي اتهم أكثر من مرة بالضلوع في انقلاب، ورجل الإسلاميين المستثمر الشهير، أحمد الشايقي، وطالبتهم بتسليم أنفسهم، أو اعتبارهم مجرمين هاربين، كما طلبت من المواطنين التبليغ عن مكان اختبائهم.
وأصدرت لجنة تصفية حزب المؤتمر الوطني المحلول، التابعة للجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، تعليمات لحكام الولايات واللجان الولائية التابعة للجنة، باتخاذ إجراءات جنائية عبر النيابات، بمواجهة جميع رموز الحزب المحلول، وكوادره النشطة، وقياداته وواجهاته في العاصمة والولايات.
وطلب التعميم، الممهور بتوقيع رئيس لجنة تصفية حزب المؤتمر الوطني طه عثمان، من ولاة الولايات ولجان تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، معاملة عناصر حزب المؤتمر الوطني، وفقاً لمواد قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال لسنة 2014، ومواد القانون الجنائي السوداني، استنادا إلى معلومات عن نشاط أعضاء الحزب، واشتراكهم في تنظيم عمليات الحرق والنهب وترويع العزل، والتي تخالف سلمية الاحتجاجات، التي سنتها ثورة ديسمبر (كانون الأول).
وأوضح في بيان صحافي أن «السلمية» التي سنتها الثورة كانت السلاح الأمضى، الذي هزم العنف ورسخ أدبا يبنى عليه التحول الديمقراطي في البلاد، وأنها «تقوم بواجبها في تفكيك بنية النظام المحلول سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وسندها في ذلك إيمان شعبنا بما نقوم به، وما تواثقنا على شهدائنا عليه».
واتهم حكام الولايات عناصر من حزب المؤتمر الوطني بالتخطيط لأعمال النهب والحرق والتخريب الواسع، التي رافقت الاحتجاجات، التي قامت بحجة الأوضاع المعيشية القاسية. وشهدت ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور، شمال كردفان، والبحر الأحمر، والقضارف، والخرطوم، والنيل الأبيض، وسنار عمليات نهب وحرق وتخريب لمنشآت عامة وخاصة، وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات لمواطنين، وهم يحملون الأمتعة المنهوبة، وللمنشآت التي تلتهمها النيران، وإحراق السيارات العامة ومراكز شرطة.
ولقيت القرارات الحكومية باعتقال رموز الحزب المحلول تأييداً واسعاً من قبل الثوار، الذين اعتبروها تنفيذاً لهتافات الثورة، وإن اعتبرها بعضهم «متأخرة» كثيراً، فيما نشط أعضاء الحزب المحلول وأنصاره في شن حملة مناوئة، اعتبرت القرارات تخليا عن شعارات الثورة، وتصفية حسابات سياسية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن السلطات ألقت القبض على الإعلامي الإسلامي حسين خوجلي من منزله، واقتادته إلى نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة. كما تناقلت وسائط إعلام محلية خبر اعتقال العشرات من الذين شاركوا في عمليات التخريب، وجلهم محسوبون على نظام الإسلاميين، في عدد من مدن البلاد، ووُجهت إليهم تهم جنائية.
في غضون ذلك، أصدر أمس حاكم ولاية سنار (جنوب شرقي)، الماحي محمد سليمان، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، ورئيس اللجنة الأمنية بولايته، «أمر طوارئ»، أعلن بموجبه «حالة الطوارئ»، ابتداء من أمس الخميس وحتى إشعار آخر.
ووجه سليمان أجهزة الأمن والأجهزة العسكرية والشرطية، بإعلان حالة التأهب القصوى في صفوفها، وتأمين الأسواق والمرافق الاستراتيجية والعامة، وطلب من المواطنين التبليغ عن أماكن وجود «فلول النظام البائد»، ورصد تحركاتهم واجتماعاتهم. وقال إن أجهزته الأمنية رصدت اجتماعات لأنصار الحزب المحلول في عدد من مناطق الولاية، تم التخطيط خلالها للقيام بجرائم سلب ونهب، وتعد على ممتلكات وأموال المواطنين، في تحد واضح للقانون.
وأعلنت 7 ولايات من ولايات البلاد، البالغة 18، حالة الطوارئ، وفرض بعضها حظراً للتجوال، تحسبا لاحتجاجات ترافقها أعمال عنف ونهب، يخطط لها عناصر النظام والحزب المحلول والإسلاميين، لإرباك الحكومة الانتقالية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».