نساء من دون أطراف يعشن مع هدير الطائرات في مخيمات شمال غربي سوريا

«الشرق الأوسط» تستطلع معاناة ضحايا الحرب في إدلب

نازحات في أحد المخيمات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
نازحات في أحد المخيمات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

نساء من دون أطراف يعشن مع هدير الطائرات في مخيمات شمال غربي سوريا

نازحات في أحد المخيمات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
نازحات في أحد المخيمات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

بحزن وألم عميقين، تتأمل ريمة الحسين (39 عاماً) المارة أمام خيمتها، وهي تتوق لتمشي مطولاً وتتجول في أرجاء المكان، لكنها لم تعد تستطيع ذلك بعد بتر ساقها اليسرى بفعل قصف طائرات حربية لسوق مدينتها معرة النعمان بداية عام 2018.
ريمة واحدة من النساء اللاتي أرخت الحرب السورية بظلالها السوداء عليهن مثل نزوح واعتقال وقصف. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ثمة مَن فقدت ذراعاً أو قدماً أو يداً بفعل القصف المتواصل لتتحول هؤلاء النسوة إلى معاقات سيحملن إعاقتهن مدى الحياة، ما يقضي على أي أمل لديهن بحياة طبيعية.
كأن ألم الإعاقة لم يكن يكفي الحسين لتتحول لنازحة تبحث عن الأمان والاستقرار في مناطق شمال سوريا دون جدوى مع آلاف المدنيين بفعل العمليات العسكرية لنظام الأسد على مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وسيطرته على تلك المناطق.
تحاول ريمة التأقلم مع إعاقتها ومحاولة الحركة والمشي، لكنها تواجه صعوبة كبيرة في ذلك. هي تجلس بعد خطوتين أو ثلاث لتستريح، وأثناء الاستراحة وبعد أخذها شهيقاً عميقاً وإتباعه بزفير سريع بدأت تروي كيف فقدت ساقها، قائلة إنها كانت بصحبة زوجها تشتري بعض الخضار والحاجات من السوق حين باغتتها طائرة حربية بإلقاء حممها. وزادت أنه لم يتسنَّ لنا الاختباء أو الهرب و«لم نعد نعرف ما الذي سنفعله، سمعت انفجاراً كبيراً حدث بالقرب منا والشظايا والبضائع والأشلاء ملأت الأرجاء، خيّم الرعب والموت على المكان، سقط فوقي باب أحد المحلات، ولم أعد أعي ما الذي يحدث».
ما زالت ريمة تتذكر ذلك اليوم حين سمعت صوت زوجها الخائف وهو يبحث عنها تحت الأنقاض وبين الجثث المنتشرة. وتابعت: «تمكن من إيجادي كنت أنزف بشدة وبدأت أفقد وعيي، فوراً عمد زوجي لتمزيق قطعة من عباءتي وربط قدمي المبتورة بها لوقف النزيف، لم أعد أرى قدمي، تخيلت أن ذلك كله حلم تمنيت أن أستيقظ منه»، وتضيف أنه سرعان ما أتت فرق الدفاع المدني لإجلاء الشهداء والجرحى، وحين استيقظت واستعادت وعيها على سرير المشفى أيقنت أنه لم يكن حلماً وأنها فقدت قدمها وتحولت إلى معاقة مدى الحياة. و«كانت لحظات لا تنسى ولا أستطيع وصفها، راح يدور المشهد في رأسي عدة مرات، ورحت أتساءل في نفسي هل سأقضي حياتي كلها دون أن أستطيع المشي بشكل طبيعي، هل تحولت إلى شخص يحتاج إلى الآخرين كلما أراد الحركة، حاولت إخفاء دموعي لكي لا أزيد من آلام زوجي وأبنائي المحيطين بي والدموع تغطي وجوههم».
اعتادت ريمة على أعمال الزراعة في بستانها الصغير، كانت تزرع كل أنواع الخضار بيدها، وتحول بستانها لحديقة غناء، لكنها فقدت بستانها بعد أن استولى عليه النظام وفقدت القدرة على مواصلة عملها المفضل بعد أن غدت معاقة، ومع ذلك هي لم تيأس وقررت العمل في ظروف نزوحها الصعبة لمساعدة زوجها على تأمين المصاريف والحصول على لقمة عيش كريمة، وراحت تصنع وتبيع أنواع المنظفات، حيث تقيم في خيمتها ضمن مخيمات أطمة الحدودية.
تواجه الكثيرات من مصابات الحرب عجزاً عن تأمين أطراف صناعية بسبب أوضاعهن المادية الضعيفة، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي جهة أو منظمة تهتم بتقديم أطراف صناعية مجانية لهؤلاء المصابات.
ويعزو الممرض جمال اليوسف (40 عاماً) عدم وجود أطراف صناعية مجانية مقدمة من قبل الجمعيات الخيرية أو منظمات المجتمع المدني إلى ارتفاع تكاليف هذه الأطراف من جهة وزيادة أعداد مصابي الحرب ممن هم بحاجة لمثل هذه الأطراف من جهة أخرى، حيث تبلغ تكلفة الطرف الصناعي العادي ذي النوعية الرديئة ما يتراوح بين 700 و1500 دولار أميركي، بينما تصل تكلفة الأطراف الصناعية الذكية إلى ما يزيد على 30 ألف دولار أميركي.
من جهتها، لم تستطع صبا اليوسف، الطالبة الجامعية العشرينية، الحصول على طرف صناعي لضعف حالة أهلها المادية وعدم قدرتهم على تأمينه لها، صبا تعرضت لشظية صاروخ ألقته الطائرة الحربية على بلدتها جرجناز، ما تسبب ببتر يدها وإصابة في كتفها. تقول اليوسف بلهجة بدت عليها اليأس والانكسار: «كنت أحاول الوصول للحافلة التي ستقلنا للجامعة في إدلب حين تعرضت لهذه الحادثة التي وضعت حداً لكل طموحاتي وأحلامي وجعلتني أعاني البقاء على قيد الحياة بهذه الحالة».
يعتبر التمييز ضد المرأة ظاهرة مستشرية في المجتمع السوري، لكن التمييز ضد المرأة يكون أشد عندما تكون معاقة على اعتبار أنها امرأة أولاً ومعاقة ثانياً، وهو ما يجعل المعاناة مضاعفة بسبب النظرة الدونية في الأسرة والمجتمع على حد سواء، ما يخلق لديها ضغوطات نفسية متعددة.
وتقول المرشدة النفسية حفصة بلاني (35 عاماً) إن «مصابات الحرب يعانين من الاكتئاب والصدمة والقلق والشعور بالخسارة لفقدان عضو من أجسادهن إضافة لفقدان الثقة، إذ تفتقد نساء الرعاية المجتمعية والنفسية إلى حد كبير». وأكدت أن ذوات الاحتياجات الخاصة من النساء لسن عبئاً وهن ضحايا حرب مدمرة قضت على آمالهن، «وما زاد الطين بلة، هو وجودهن في مجتمع ذكوري لا يحميهن ولا يحترمهن ولا يقدرهن وأكثر ما يمكن أن يقدمه لهن هو نظرة تعاطف وشفقة تزيد من جراحاتهن وتضاعف معاناتهن النفسية» وشددت بلاني على ضرورة وجود مراكز تمكين لهؤلاء النسوة لمساعدتهن على تجاوز محنتهن والتأقلم مع إصاباتهن عن طريق إطلاق حملات دمج وتوعية تغير من النظرة المجتمعية الدونية لهذه الفئة من النساء.
ويصل عدد الأشخاص الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم جراء الحرب في سوريا إلى 86 ألفاً، وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة «هانديكاب إنترناشيونال» (HI)، في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017.
وكانت أرسولا موللر، مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، تحدثت أمام مجلس الأمن الدولي عن الوضع في سوريا، والذي أدى الصراع الدائر فيها إلى مقتل مئات الآلاف وإصابة الكثيرين بجراح جسدية ونفسية، وتطرقت في حديثها لذوي الإعاقة الذين كانوا من أكثر المتضررين بالصراع، إلا أنهم غالباً ما يعانون من الإقصاء ويفتقر الكثير منهم إلى الرعاية الصحية والتعليم ويواجهون صعوبات جمة في توفير أبسط حقوقهم.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.