مشاورات مكثفة لمثول البشير ومعاونيه أمام «الجنائية الدولية»

وفد المحكمة أجرى سلسلة اجتماعات مع النائب العام

TT

مشاورات مكثفة لمثول البشير ومعاونيه أمام «الجنائية الدولية»

تواصلت بالخرطوم، أمس، المشاورات بين وفد المحكمة الجنائية الدولية، الذي يزور السودان حاليا، والنائب العام السوداني، تاج السر الحبر، بشأن كيفية مثول الرئيس السوداني المعزول عمر البشير ومعاونيه أمام المحكمة الجنائية، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. ومن جانبها، جددت الحكومة السودانية التزامها التام بالتعاون مع المحكمة.
وبحث وفد المحكمة والنيابة العامة طرق وكيفية التعامل مع المحكمة الجنائية، وآليات تسليم المتهمين المطلوبين لدى المحكمة والمقبوض عليهم حالياً، والمتهمين الذين لم يتم القبض عليهم.
وقالت مصادر نيابية إن وفد المحكمة عقد أول من أمس اجتماعاً مطولاً مع النائب العام، استمر لساعات، جرى خلاله التداول حول مسودة مذكرة التفاهم، التي ستوقع بين المحكمة والسودان لتحديد شكل التعاون، وتسهيل مهمة وفود المحكمة، إضافة إلى الصعوبات التي تواجه عملها بالسودان.
وبحسب المصادر ذاتها، فإنه من المقرر أن يلتقي وفد المحكمة النائب العام للمرة الثانية قصد استكمال المباحثات، قبل أن يغادر البلاد.
وكانت المدعية العامة للجنائية الدولية، فاتو بانسودة، قد طالبت في تقريرها أمام مجلس الأمن الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 2020، المجلس بإقناع الحكومة السودانية بالسماح لفريق من محققيها بالدخول إلى البلاد على وجه السرعة، بهدف جمع المزيد من الأدلة ومقابلة الشهود في الدعوة المرفوعة ضد أحد زعماء «الجنجويد»، علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في الإقليم، وذلك بعد تلقيها طلباً من الحكومة السودانية بتأجيل زيارة الفريق. وقال المحامي معز حضرة لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماعات مستمرة بين وفد المحكمة والنيابة العامة للوصول إلى استراتيجيات وخطة تعاون، وآليات مثول المطلوبين لدى المحكمة المقبوض عليهم في سجون البلاد، والمتهمين الذين لم يتم القبض عليهم.
وتوقع حضرة أن يتوصل الطرفان إلى رؤية استراتيجية متكاملة لشكل التعاون وآلياته، تبعث برسالة إيجابية لأسر الضحايا في إقليم دارفور، وتغلق باب الإفلات من العقاب، وتقدم كل من ارتكب جرماً للمحاكمة.
كما أوضح حضرة أن النيابة العامة قدمت بعض الملاحظات بشأن مقترحات تسليم المطلوبين والآليات التي سيتم الاتفاق عليه، مشيراً إلى وجود بعض التقاطعات بخصوص المتهمين المطلوبين، والمقبوض عليهم في تهم أخرى، ويخضعون للمحاكمة بموجبها، مع قضايا المحكمة.
واعتبر حضرة التفاهمات التي تجري بين المحكمة الجنائية والأطراف العدلية بالسودان، خطوة كبيرة للتعاون بين المحكمة والنيابة العامة لمحاربة ظاهرة عدم الإفلات من العقاب، ورد الحقوق لأهل وضحايا النظام المعزول.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أعلنت الأحد الماضي أنه تم الاتفاق على توقيع مذكرة تفاهم مستقبلاً بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية، بغرض توضيح شكل التعاون بين الجانبين، لتحقيق العدالة لضحايا الحرب في دارفور.
وفور وصوله إلى البلاد، استهل الوفد الذي يضم 12 فرداً من مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية، بلقاء وزير العدل نصر الدين عبد الباري، الذي أكد على أهمية الوصول إلى أفضل صور التعاون بين السودان والمحكمة.
وتركز النقاشات الجارية بين الحكومة السودانية والمحكمة حول عدد من المقترحات، بشأن مثول المطلوبين، عبر تسليمهم إلى مقر المحكمة بلاهاي، أو إنشاء محكمة هجين يشارك فيها قضاة المحكمة، أو محكمة خاصة.
وزارت المدعية العامة للجنائية السودان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وناقشت مع كبار المسؤولين في السلطة الانتقالية آليات مثول المطلوبين للمحكمة، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير.
وأصدر مجلس الأمن الدولي في عام 2005 القرار رقم 1593، أحال بموجبه قضية أحداث دارفور للمحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في الانتهاكات التي حدثت إبان النزاع بين نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والمجموعات المسلحة في إقليم دارفور، التي اتهمت حكومة البشير بالإبادة الجماعية لسكان دارفور.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».