سنوات السينما

عمر الشريف في «جحا»‬
عمر الشريف في «جحا»‬
TT

سنوات السينما

عمر الشريف في «جحا»‬
عمر الشريف في «جحا»‬

(1958) Goha le Simple
جحا... ملتقى الثقافات
التقييم: ‬(***) جيد
لا أحد (من النقاد وسواهم) يتوقّف اليوم عند أفلام لم تشق عنان السماء شهرة ومكانة، لكنها احتلت زاوية من تاريخ السينما لا يمكن إغفاله أو التقليل من شأنه.
«جحا البسيط» هو أحدها. أخرجه الفرنسي جاك باراتييه كأول أعماله وقدّمه لمسابقة مهرجان كان في العام ذاته من بطولة شاب مصري اسمه عمر الشريف. المخرج باراتييه كان واحداً من ثلاثة مخرجين فرنسيين في ذلك العام صوّروا أفلامهم خارج وطنهم (الآخران هما ألبير كامو وجان روش). على عكسهما، تأخر باراتييه في دخول معترك الأفلام الطويلة بعدما أمضى السنوات العشر السابقة مخرجاً لأفلام قصيرة. خدم في الجيش الفرنسي وعرف الشمال الأفريقي خلال خدمته. أحب الأجواء وأحب البشر والثقافة وحاول نقل إحدى أعمال موليير لفيلم من تمثيل عرب (يُفيد الناقد الراحل جورج سادول بأن الفيلم الذي اختاره تحقق على يدي مخرج آخر لكنه لا يذكر ما هو الفيلم ومن هو المخرج الآخر).
عندما باءت محاولته بالفشل اهتدى لشخصية جحا عبر كتاب تم نشره سنة 1920. الكتاب من تأليف ألبير جوزيبوفيتشي وبارتييه لم يلتزم بالنص بقدر ما استوحى منه وبمساعدة مالية من الحكومة أنجز بارتييه هذا الفيلم بنسختين واحدة عربية والأخرى فرنسية.
القصّة التي يطالعنا الفيلم بها بسيطة التكوين: جحا شاب بسيط علاقته بحماره وطيدة، إذ يجد فيه أنيس وحدته، خصوصاً أن أهل بلدته يعتبرونه ساذجاً لدرجة البلاهة. لكن تحت ستار البلاهة هو إنسان عطوف وحكيم وعندما يتعرّف على الفتاة الجميلة أمينة يقع في حبّها. وهي تحبّه لكنها موعودة لرجل أكبر سنّاً يريد الزواج منها اليوم قبل غد. وينتهي الفيلم بمأساة عاطفية على عكس ما يتوقعه المُشاهد لحكاية من المفترض بها أن تبقى طريفة (كشخصية جحا ذاتها) حتى نهاية الفيلم.
لا علاقة لهذا الفيلم بالعالم العربي المُشاد على أطلال «ألف ليلة وليلة» وفانتازياتها. وما يميّزه ليس الحكاية ومساراتها الواقعية فقط، بل كذلك أداء عمر الشريف الذي يوعز بوجود شخص آخر حكيم وسليم، وبل على درجة من الذكاء تمكّنه من امتلاك فلسفة مختلفة للحياة تختلط بيومياته المبعثرة في تلك البيئة الفقيرة التي يعيش فيها.
الفيلم بدوره وليد ثقافات اجتمعت له. السيناريو من الشاعر اللبناني جورج شحادة. الممثلون من مصر وتونس وإيطاليا وفرنسا. تصميم المناظر لفنان تونسي اسمه جورج قصقاص (أترجم اسمه عن اللاتينية ما قد يختلف عن الأحرف العربية هنا)، والتصوير فرنسي (لجان بورجوان).
تم التصوير في تونس وعاد منها المخرج إلى فرنسا ليُشيد بها. كتب: «أهدي 400 مليون عربي يتمتعون بالروحانيات والمخيلات المبدعة ويضمّون مواهب من الممثلين الواعدين هذا الفيلم المستوحى من حياتهم وثقافتهم وتقاليدهم».
لم يسبق أو يلي مثل هذا الحب للعالم العربي من مخرج أجنبي ما يوازي هذه الكلمات وبارتييه لم يكن ملزماً بذلك بل معبّراً عن امتنانه.
فيلم باراتييه ليس الوحيد عن جحا. هناك أقل من أربعة أفلام عنه من بينها فيلمان مصريان هما «جحا وأبو نواس» (1933) و«جحا والسبع بنات» (1948).

(*) لا يستحق
(**) وسط
(***) جيد
(****) ممتاز
(*****) تحفة


مقالات ذات صلة

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
TT

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)

‫ISRAEL PALESTINE ON SWEDISH TV 1958-1989 ★ ★ ☆‬

تاريخ القضية الفلسطينية على الشاشة السويدية

حسب المخرج السويدي غوران أوغو أولسن فإن هذا الفيلم استغرق 5 سنوات قبل إتمامه. 200 دقيقة من أرشيف التلفزيون السويدي الذي تابع الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ وثيقة هرتزل وتأييد بريطانيا لها حتى عام 1989 الذي كانت القضية ما زالت تبرح مكانها ما بين نازحين فلسطينيين وسُلطة إسرائيلية حاكمة.

يعرض المخرج مراحل مختلفة، بما فيها مرحلتا الحروب الصعبة التي خاضتها بعض الدول العربية، كما تلك العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون في ميونيخ وسواها. هذه التغطية الموسّعة تشمل الدور الذي لعبه ياسر عرفات خلالها والمحاولات الجادة أحياناً لإيجاد حلٍّ ما لقضية شعبين. أحدهما نزح من قراه ومدنه والآخر نزح إليها واحتلها.

كثيرٌ ممّا يعرضه الفيلم مرّ، مثل تاريخ في الأفلام الوثائقية المنتجة في الغرب (وبعض ما أُنتج في سوريا والعراق والأردن ولبنان في السبعينات والثمانينات). لذلك ليس هناك جديدٌ يُضاف فعلياً إلّا لمن فاتته تلك الأفلام ويتطلّع إلى عمل يستعرضها كاملة. هذا هو الدور المُناط بالفيلم الذي يوفّر أسبابه.

نقطتا اهتمام هنا، الأولى أنه مؤلّف من وثائقَ استخرجها أولسن من أرشيف ضخم للتلفزيون السويدي (SVT) وانكبّ عليها فحصاً ومحصاً حتى ألَّف هذا الفيلم الذي يُعيد الاعتبار لنوعٍ من العمل الصّحافي والريبورتاجات التلفزيونية في تلك الفترة. الثانية أن الفيلم يقف على الحياد غالباً، لكنه لا يُخفي أحياناً تعاطفاً مع الفلسطينيين في مشاهد عدّة تحيط بما عانوه.

* عروض مهرجان ڤينيسيا.

DON’T MOVE ★ ★ ★‬

تشويق يسود رغم ثغرات حكايته

الطلب بعدم الحركة موجه إلى بطلة الفيلم (كيلسي أسبيل). شابة خطفها مجرم (فين ويتروك) وحقنها بما يشلّ حركتها. تستطيع أن ترى وترمش وبالكاد تحرّك أصابع يديها لكنها، في غالب أحداث الفيلم، حبيسة هذه التركيبة التي وضعها المخرجان برايان نيتو وآدم شيندلر بعناية وبإخراج جيدٍ إلى حدٍ مقبول.

كيلسي أسبيل في «لا تتحركي» (هامرستون ستديوز)

ينطلق الفيلم من لحظات حاسمة. تقف بطلته على حافة جبلٍ تفكّر بإلقاء نفسها بعدما فقدت ابنها الصبي. يُنقذها الرجل نفسه الذي يريد قتلها. بذلك، المرأة التي كادت أن تنتحر هي نفسها التي باتت تصارع من أجل بقائها حيّة.

يختفي من الفيلم التبرير المطلوب للطريقة التي يتّبعها القاتل للتخلص من ضحاياه. إذا كان سيقتلهن لماذا لا يفعل ذلك مباشرة؟ هناك مفارقات أخرى كانت تتطلّب سدّ ثغرات، واحدة منها، أن المرأة تنطق لأول مرّة منذ اختطافها بعد دقائق من اكتشاف شرطي للحالة المريبة. لم تستطع أن تنطق بالكلمة المأثورة «Help» حينها، لكنّها نطقت بعد دقائق قليلة وتكلّمت بلا عناء. لو نطقت بها في الوقت المناسب لما تغيّر المشهد لأن المجرم سيقتل الشرطي في جميع الأحوال، ولكان الفيلم استفاد من تبريرٍ أقوى لشكوك رجل الأمن.

* عروض منصّات.

ذكرياتي مليئة بالأشباح ★★

الحرب السورية في ذكريات الذين عانوا

يتبع هذا الفيلم التسجيلي السوري، من إخراج أنَس زواهري، سلسلة الأفلام التي تناولت الحرب، مثل «آخر رجال حلب» و«العودة إلى حمص» و«لأجل سما»، التي دارت في مرحلة ما عُرف بـ«ثورة الربيع» قبل أكثر من 15 سنة. يختلف عنها بأنه لا يتقرّب من الجماعات التي حاربت الحكومة ويشيد بها، لكنه - في الوقت نفسه - بعيدٌ عن أن يصفّق لنظام أو يشيد به.

«ذكرياتي مليئة بالأشباح» (ويند سينما)

إنه عبارة عن ذكريات عدد من المتحدّثين وحكاياتهم خلال الحرب التي دارت حول وفي مدينة حمص خلال تلك السنوات. يوفّر صور دمار الأحياء ومقابلات مع أصحاب تلك الذكريات وهم ينبشون في ماضٍ قريب وما يحمله من آلام نفسية وعاطفية على خلفية ذلك الدمار. يختار الفيلم أن نستمع لأصوات أصحاب الذكريات في حين تتولّى الكاميرا تصويرهم صامتين ينظرون إليها أو بعيداً عنها. هذا بالطبع لجانب صور الأحياء والمباني والشوارع التي لا تعجّ بالحياة كسابق عهدها.

معظم ما يسرده الفيلم من ذكريات لا يُضيف جديداً ولا ينبش عميقاً. هو وصف مؤلم لحالات يمكن تقدير مصادر أحزانها وأسبابها، لكن الإخراج يختار أن يمضي في خطٍ غير متصاعدٍ ولا يتجنّب تكرار السّرد بالوتيرة نفسها (ولو بذكريات مختلفة). طبعاً لا يتوخّى المرء فيلماً يسرد ما هو حزين ومؤلم بفرح وغبطة أم بإثارة، لكن اعتماد توالي تلك الذكريات يؤدّي بعد سماعها إلى استقبالٍ يبدأ مثيراً للفضول وينتهي فاتراً.

* عروض مهرجان الجونة‫‫

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز