يهدف كتاب «دليل الطفل الموهوب إلى فنون الكتابة» إلى تقديم شرحٍ وافٍ لأنواع الكتابة المختلفة للأطفال والنشء، ليكون أرضاً خصبة ينطلق منها الموهوبون، ويكونون فكرة مبسطة عن كل نوعٍ من أنواع الكتابة، سواء كانت كتابة أدبية أو صحافية. ويطلع الكتاب الذي ألفته الروائية كاتبة الأطفال نجلاء علام، وصدر حديثاً عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر، الناشئة على نماذج مختلفة من كل نوع أدبي، ويعرفهم بخصائصه الشكلية والأسلوبية التي تجعلهم قادرين بعد ذلك على التمييز بسهولة بينها، والتعبير عن أنفسهم وآرائهم ووجدانهم من خلالها.
وتتحدث المؤلفة في الكتاب عن صفات الطفل المبدع، وكيف يمكن اكتشافها عبر جلسات القراءة التي ترى أنها ترسخ لديه القيم والمبادئ الإيجابية، وتُقوم سلوكه ولغته، وتساعده على النمو الوجداني والانفعالي والاجتماعي السليم، وتدربه على القراءة، وترتقي بثقافته ووعيه الجمالي والمعرفي.
- المراحل العمرية
قسمت المؤلفة الكتاب إلى ثلاثة أبواب: الأول بعنوان «أنواع الكتابة الأدبية»، ويهتم بتقديم أجناس الكتابة الأدبية للطفل مع نماذج لها، مثل الشعر والقصة والرواية والمسرحية وغيرها، كما يعنى بتوضيح خصائص كل منها والقيم التي تقوم عليها. أما الباب الثاني «أنواع الكتابة الصحافية»، فيسعى إلى تقديم أنواع الكتابة الصحافية ونماذج لها، مثل المقال والعمود واليوميات والحوار. وقد خصصت الكاتبة الباب الثالث (السيناريو) لتقديم أنواع السيناريوهات المختلفة، بما فيها السيناريو المصور الذي ترى أنه أحد الفنون الجاذبة للأطفال التي يقبلون عليها.
واستهلت علام الباب الأول بحديث مستفيض عن مستويات إدراك الأطفال، وتفاوتها حسب كل مرحلة عمرية يمرون بها، وقالت إن الطفل في المرحلة المبكرة أو مرحلة الخيال الإيهامي يكون خياله حاداً، ما يجعله يتخيل الكرسي قطاراً، والعصا حيواناً، والوسادة كائناً حياً يتبادل معه الحديث. وهذا النوع من «خيال التوهم» هو الذي يجعل الطفل في هذه المرحلة يتقبل بشغف القصص والتمثيليات التي تتكلم فيها الحيوانات والطيور، ويتحدث فيها الجماد، بالإضافة إلى شغفه بالقصص الخرافية والخيالية.
أما في مرحلة الطفولة المتوسطة، أو مرحلة الخيال الحر، ففيها يكون الطفل قد ألم بكثير من الخبرات المتعلقة ببيئته المحدودة، وبدأ يتطلع بخياله إلى عوالم أخرى تعيش فيها الجنيات العجيبة والحوريات الجميلة والملائكة والعمالقة والأقزام في بلاد السحر والأعاجيب. وترى علام أن كثيراً من أساطير الشعوب وقصص «ألف ليلة وليلة»، وما إليها، تندرج تحت هذا النوع من القصص الخيالية الشائعة، وجميعها تهيئ للأطفال قدراً كبيراً من المتعة.
وأشارت إلى أن إعجاب الطفل بقصص الحيوان في هذه المرحلة يظل مستمراً، إلا أنه يتجه إلى الابتعاد عن خيال التوهم في تعامله مع الحيوان والجماد. وبدلاً من أن يتخيل العصا حصاناً، نراه يسعى بطموحاته إلى أن يركب الحصان الحقيقي. أما عن تكوين الأطفال الأخلاقي في هذه المرحلة، فلا يسمح لهم -حسب علام- بمعرفة معنى الأخلاق الفاضلة، وكنه المعايير الاجتماعية التي يدركها الكبار، وإنما يكون سلوكهم مدفوعاً بميولهم وغرائزهم، حيث لا تجدي المواعظ ولا الأوامر كثيراً في توجيه الأطفال إلى سلوك معين. ولفتت الكاتبة إلى أن هذا يتأتى باستغلال ميولهم إلى اللعب والتقليد والتمثيل، وبالقصص الشائعة التي تقدم القدوة الحسنة والنماذج الطيبة والصفات النبيلة والمبادئ الاجتماعية التي تتمثل في التعاون والإخلاص والوفاء والصدق وبذل الجهد.
- وظيفة الشعر لدى الطفل
أما عن الشعر، فقالت مؤلفة الكتاب إن وظيفته تتركز في مساعدة الأطفال على اكتشاف الجمال، وتنمية حساسية أفكارهم وأذواقهم وأمزجتهم، ولكي يكون المبدع كاتباً للأطفال يجب عليه أن يمتلك دهشتهم ويحيا عالمهم ويحس إحساسهم ويحلق معهم في عالم الخيال، فالأنواع الأدبية لها تأثير كبير على الطفل، ودور مؤثر في تعديل سلوكه، كما أنها تقوم بتوجيه رسائل غير مباشرة له حول القيم الإيجابية والسلبية، وتصقل الذائقة الفنية لديه، وتنمي مفرداته اللغوية وقدراته التعبيرية. وترى الكاتبة أن أكثر الجوانب تأثيراً على الطفل تتركز في الناحية النفسية. ففي مراحله العمرية المختلفة، كثيراً ما يتمثل ببطل أو بطلة القصة أو المسرحية أو القصيدة، سواء بالتقليد في السن الصغيرة أو التقمص في المرحلة العمرية الأكبر، ولذا يكون التأثير النفسي للعمل الأدبي مستمراً غائراً في حياة الطفل.
- بداية الفكرة ودوافعها
وفي حديث معها حول الكتاب وفكرته، قالت علام إن الفكرة بدأت منذ عام 2011، عندما كانت مشرفة على نوادي أدب الأطفال بالهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث لاحظت عدة مشكلات رئيسية تواجه نوادي أدب الطفل، وتعوقها عن الإنجاز المنتظر منها، وتحد من قدرتها على تقديم المواهب الإبداعية، وتتركز أهم المشكلات في عدم توافر ناشط أدبي متخصص في كثير من النوادي، تكون مهمته توجيه الأطفال الموهوبين المشتركين في النادي الأدبي.
وذكرت أن هذا دفعها إلى التفكير في أن تقدم مشروع كتاب يهدف إلى تبسيط الأنواع الأدبية للأطفال، ويكون مرجعاً مطبوعاً متوافراً دائماً في قصور الثقافة، ويطلع من خلاله الطفل الموهوب على خصائص الأجناس الأدبية المختلفة، ويتعرف على الفروق بينها، ويتمكن بعد ذلك من اختيار النوع الأدبي الذي يريد الكتابة من خلاله. وقد قامت بالفعل بتبسيط هذه الأنواع في 33 صفحة تقريباً، وقدمت المشروع إلى الهيئة في ذلك الوقت، ولكن لم يتم الالتفات إليه.
وأشارت إلى أنها لم تيأس من تنفيذ مشروعها، بل ترسخت الفكرة بشكل كبير داخلها، وزاد شعورها بأهميتها في كل مرة كانت تذهب فيها لورشة قراءة أو كتابة أو حكي مع الأطفال، حيث تكشفت أمامها رغبتهم في المعرفة، ومحبتهم لتنمية مواهبهم. كل هذا جعلها تحرص على أن يخاطب الكتاب الطفل الموهوب، والمشرفين والمتعاملين معه داخل المكتبات أو قصور الثقافة أو الجمعيات الأهلية وغيرها. فهناك أطفال موهوبون يتوقفون عند الوسيلة التي يمكنهم التعبير من خلالها عن مكنونات أرواحهم، ويتساءلون هل يُعبرون عنها من خلال القصة أم القصيدة أم المقال، كما يبحثون عن شكل القصة، وكيف يكتبونها، والقصيدة وأنواع الشعر، والمقال، وكيف يمكنهم تصنيف الأعمال الأدبية، وما هي خصائص كل صِنف أو نوع، وهو ما سعت إلى الحديث عنه بلغة بسيطة تناسب الأطفال خلال فصول الكتاب.
وعلى امتداد السنوات الماضية، كانت دائماً ما تضيف إلى فكرة الكتاب الرئيسية وتنقحها، وتختار كثيراً من الأمثلة المتنوعة التي تثري وجدان الطفل. وقد ظلت تفعل ذلك حتى استشعرت أن الكتاب أخذ شكله المناسب لطبيعة الأطفال ومستوى إدراكهم، وهو في رأيها الكتاب الأول من نوعه الذي يتصدى لهذه القضية المهمة الهادفة لتنمية موهبة الطفل في مجال الكتابة عموماً، سواء الأدبية أو الصحافية أو في مجال السيناريو المصور (الكوميكس)، فهو دليل مفيد لكل طفل يشعر بالموهبة، ويحب أن يُعبر عن نفسه.