عاد نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي، ماركوس راشفورد، ليلعب دور القائد مرة أخرى، حيث ألقى الضوء على مشكلة لا ينبغي أن تكون موجودة من الأساس. ولم يكن راشفورد يرغب هذه المرة في الحديث عن مشكلة ضرورة تقديم وجبات الطعام المجانية لأطفال المدارس الفقراء، بل كان يريد التحدث عن العنصرية وآثارها الضارة، ليس فقط على ضحاياها، ولكن على المجتمع الذي يسمح لها بالتفاقم.
وكان راشفورد واحداً من العديد من لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز الذين تعرضوا لإساءات عنصرية على حسابهم على وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، بل لم يكن راشفورد الوحيد من لاعبي مانشستر يونايتد الذي يتعرض لهذه العنصرية. ومع ذلك، من غير المعروف حتى الآن العدد الإجمالي للاعبين الذين تم استهدافهم، أو عدد الرسائل العنصرية التي أرسلت إليهم. وفي الحقيقة، لا يوجد من هو قادر على – أو حتى يرغب في – معرفة عدد هذه الرسائل العنصرية.
وفي سلسلة من ثلاث تغريدات على موقع «تويتر»، اعترف راشفورد بشكل غير مباشر بأنه تعرض لإساءات عنصرية (وأكد ناديه هذه الحقيقة)، لكنه أراد توضيح نقطة أوسع. وكتب نجم مانشستر يونايتد يقول: «نعم، أنا رجل أسود وأعيش كل يوم وأنا فخور بذلك. ولن يتمكن أي شخص، أو أي تعليق، من أن يجعلني أشعر بأي شيء مختلف. لذلك آسف إذا كنتم تبحثون عن رد فعل قوي، فبكل بساطة لن تجدوا ما تبحثون عنه هنا».
وأضاف «أنا لا أنشر لقطات أو صورا من الرسائل التي أتلقاها. سيكون من غير المسؤول القيام بذلك، وكما يمكنكم أن تتخيلوا فإنه لا يوجد شيء جديد في هذه الرسائل. لدي أطفال جميلة من جميع الألوان تتابعني ولا يجب أن يقرأوا مثل هذه الرسائل. ألوان جميلة بحيث لا يجب إلا الاحتفال بها».
وقد اعترف الجميع بأن كرة القدم تواجه تحدياً كبيراً في التعامل مع العنصرية. وكان الدوري الإنجليزي الممتاز والاتحاد الإنجليزي لكرة القدم من بين الجهات التي أدانت الإساءات العنصرية التي تعرض لها اللاعبون الأسبوع الماضي، ودعا كل منهما شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى بذل المزيد من الجهد للقضاء على هذه العنصرية من على منصات التواصل الاجتماعي، وهو أمر ممكن بالتأكيد عندما نعلم أن شركة «فيسبوك»، المالكة لإنستغرام، لديها قيمة سوقية تبلغ 735 مليار دولار، أي أعلى من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لبعض الدول الغنية!
لكن هناك تحديات معقدة في هذه النقطة الفنية، وهو الأمر الذي ربما يستحق التوضيح بإيجاز. وهذه هي نفس التحديات التي ستواجه الحكومة - التي دعت الأصوات البارزة من أصحاب البشرة السمراء في كرة القدم للحديث علانية عن تجاربهم مع العنصرية على الإنترنت قبل أسبوع واحد فقط - وهي تنظر في مشروع قانون الأضرار على الإنترنت، والذي من المتوقع طرحه على البرلمان هذا العام.
ويتمثل التحدي الأول في تحديد مدى المشكلة والنقطة التي تتحول عندها الأمور من شيء غير مقبول إلى شيء مكروه وعنصري. فهناك بعض الكلمات والعبارات والصور التي تخالف القانون وقواعد شركات التواصل الاجتماعي. وهناك كلمات وعبارات وصور أخرى، في الوقت الحالي، لا تخالف هذه القوانين والقواعد ولا يزال من الممكن تكييفها وتعديلها بحيث يمكن استخدامها من قبل أولئك الذين يرغبون في توجيه الإساءات العنصرية. فأين هو الخط الفاصل بالضبط؟
وبمجرد أن ترسم هذا الخط الفاصل، فكيف سيتم التعامل مع من يتجاوزه؟ ولا تجري شرطة مانشستر الكبرى تحقيقات في الرسائل المرسلة لراشفورد فحسب، لكنها تجري تحقيقات أيضا في الرسائل المرسلة إلى زميليه في نادي مانشستر يونايتد، أنتوني مارسيال وأكسل توانزيبي. ومع ذلك، من غير المضمون أن تتمكن الشرطة من الوصول إلى الأشخاص المسؤولين عن القيام بذلك، نظرا لأن «التحقق من الهوية» لا يأتي دائماً من شركات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن منظمة «كيك إت أوت» المناهضة للعنصرية تطالب بضرورة تغيير هذا الأمر.
وإذا كان من الممكن تحديد الجناة، فلا تزال هناك إمكانية لعدم توجيه تهم إليهم، لذلك لا تزال هناك العديد من الأسئلة بشأن العقوبات المناسبة من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن لهذه الشركات أن تقوم بحظر الحسابات بالمسيئة بكل تأكيد، لكن ماذا لو ظهر هؤلاء المسيؤون عبر حسابات جديدة؟ هل تقوم الشركات حينئذ بحظر الجهاز (الكومبيوتر) الذي يستخدمه هؤلاء الأشخاص؟ أم تقوم بحظر عنوان بروتوكول الإنترنت الذي يستخدمونه (وربما حظر بقية أفراد العائلة على هذا العنوان أيضاً)؟ هذه هي الإجراءات التي تحجم شركات التواصل الاجتماعي عن اتخاذها، رغم أن الحكومة قد تتخذها الآن.
بعد ذلك، هناك تحركات وردود أفعال من جانب أندية كرة القدم، سواء بشكل فردي أو جماعي. ويمكن لهذه الأندية أن تمنع هؤلاء الأشخاص من حضور المباريات من الملعب، بل ومن الاشتراكات في عضوية هذه الأندية، ومن الحسابات الرقمية، بل وربما حتى من مشاهدة المباريات عبر شاشات التلفزيون (بشكل قانوني). ثم هناك سؤال يتعلق بمدة هذا الحظر، فهل يستمر إلى خمس سنوات أو عشر سنوات، أم مدى الحياة؟ في الحقيقة، لم يتم التوصل حتى الآن إلى نهج موحد ومتسق فيما يتعلق بهذه العقوبات المقترحة، رغم أن عقوبة الحظر لمدة خمس سنوات على جميع مباريات كرة القدم (والحظر مدى الحياة من مشاهدة مباريات مانشستر سيتي من الملعب) قد اتخذت بالفعل العام الماضي ضد الشخص الذي وجه إساءات عنصرية إلى رحيم سترلينغ.
هذه هي الجوانب الفنية، أما بالنسبة للأشخاص الذين يكافحون كل يوم ضد العنصرية في مجال كرة القدم، فلا يزال هناك أمل في إمكانية إيجاد حلول لهم. لكن هناك مشكلة أوسع نطاقاً ولا يمكن حلها بالقانون أو حتى بالمال. وتتمثل هذه المشكلة في أنه ما زالت هناك ثقافة التسامح مع الآراء العنصرية، وهي الثقافة التي توجد حالياً في المملكة المتحدة وخارجها. لكن يُحسب لكرة القدم أنها واضحة تماما في هذا الأمر، ويتبنى الدوري الإنجليزي الممتاز شعارا موجزا وواضحا في هذا الشأن وهو «لا مجال للعنصرية». أما رابطة الدوريات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز فشعارها هو «ليس اليوم أو أي يوم»، لكنه يشير إلى نفس المضمون أيضا. وعلاوة على ذلك، تقدم كل مسابقة الدعم اللازم للاعبيها وتعرب عن مناهضة العنصرية من خلال قيام اللاعبين بالجثو على الركبة قبل بداية المباريات، تعبيرا عن رفضهم للعنصرية.
هل توجد «عنصرية ممنهجة»؟ وهل يتم النظر لمتظاهري حركة «حياة السود مهمة» بنفس الطريقة التي يتم النظر بها إلى المتظاهرين الذين يرون أن فرض الإغلاق بسبب تفشي فيروس «كورونا» هو مجرد مؤامرة؟ هذه هي الأسئلة التي طرحتها وسائل الإعلام والسياسيون لدينا خلال العام الماضي، بدلاً من التساؤل عن سبب توقيف الرجال السود من قبل الشرطة بشكل أكبر من أقرانهم من أصحاب البشرة البيضاء، وعن السبب الذي يجعل أصحاب البشرة السمراء أكثر عرضة للسجن، وعن السبب الذي يجعل أصحاب البشرة السمراء - جنباً إلى جنب مع الرجال الذين ينتمون إلى أصول من جنوب آسيا – أكثر عرضة لرفض طلبات التوظيف مقارنة بما كان عليه الوضع قبل نحو 50 عاماً! ويجب أن ندرك أن لاعبي كرة القدم عبارة عن «أيقونات» يتجاوز تأثيرها ونفوذها الحدود، وأنهم مختلفون عنا في هذا الصدد، لكنهما مثلنا تماما في بقية الأمور، فهم يعانون كثيرا عندما يتعرضون للإساءات العنصرية، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو بشكل مباشر.
قيادة راشفورد لحملة معالجة الآثار الضارة للعنصرية ليست كافية
مهاجم مانشستر يونايتد ولاعبون آخرون يلعبون دوراً كبيراً في مسألة جدالية لم يتم حلها بعد
قيادة راشفورد لحملة معالجة الآثار الضارة للعنصرية ليست كافية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة