دخل متحف مدينة أودفالا، المنزوية ما بين غرب السويد وحدود النرويج، معه حفيده وقد قارب السادسة.
واجهته في أرض الفناء الجانبي كرات حديدية سوداء تمتد منها سلاسل تنتهي بأقفال كبيرة، أحس بقشعريرة فتلكأت خطواته قليلاً، لكنه انزلق إليها ووقف مع المحتشدين بينها ضاحكين أو معلقين. أيعقل أنهم يأتون بمثل هذه الأشياء الثقيلة لعباً للأطفال أو حتى تحفاً قديمة لزوار؟ السويديون دائماً يأتون بالأعاجيب، ألم يسمع ذلك منذ اليوم الأول لدخوله بلادهم؟ هنا يبدلون معروضاتهم ويبحثون عما هو مثير ومدهش حتى لو كان شاذاً أو منفراً، قرأ في لوحة قائمة أمامها: بهذه الأصفاد كانوا يربطون السجناء ذوي الأحكام الثقيلة في القلاع القديمة.
اليوم جلبوا بعضها هنا كلعب للأطفال كما يبدو. ثمة أطفال بمساعدة من معهم من رجال ونساء يدخلون أقدامهم بأقفالها القابلة للشد والفتح بسهولة ويسر، ثم يحاولون جرها عبثاً؛ فيتضاحكون! رأى رجالاً ونساءً يحيطون سيقانهم بأقفالها، هل يفعلونها لإضحاك أطفالهم؟ أم لديهم توق لأن يتخلوا عن حريتهم وقد أتخموا منها؟ أيحنون لعبودية قديمة، يرغبون في أسر وسجن يبدو لهم أكثر إثارة وبهجة في أعماقهم من حياة رتيبة باردة؟ ولكن أيعرفون ما هو السجن والأسر ومعنى أن تشد إلى كرات حديدية ثقيلة لا تسمح بالسير خطوة واحدة؟ أفلت حفيده يده وهرع إلى إحدى السلاسل وصاح به أن يشده إليها مع الأطفال الآخرين، فجأة أحس بقشعريرة، وبعرق ينز أسفل رقبته، وأخذت فرائصه ترتجف، في هذه اللحظة تفجرت خمس عشرة سنة في أعماقه كان يتنقل خلالها بين سجون بلاده، مرة يده مشدودة بقفل كهذا ليد شرطي، أو قدمه إلى كرات كهذه إلى وتد في الجدار، اعتراه غثيان وما يشبه الغياب عما حوله، كأنه فقد رشده انقض على الطفل وسحبه من الباحة وخرج به مسرعاً صامتاً بينما الطفل ينظر إليه مذعوراً بعض الشيء، فهو لم يسبق أن عامله بهذه الخشونة والفظاظة!
أصفاد سجن قديم
أصفاد سجن قديم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة