الاتحاد الأفريقي يضع «استراتيجية قارية» لمواجهة الجائحة

TT

الاتحاد الأفريقي يضع «استراتيجية قارية» لمواجهة الجائحة

قرر قادة دول وحكومات أفريقيا، في ختام قمة «افتراضية» للاتحاد الأفريقي، مساء أمس (الأحد)، وضع «استراتيجية قارية موحدة» من أجل مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وفق ما أعلنه الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي.
وجاء في البيان الختامي للقمة الذي تلاه تشيسيكيدي خلال جلسة ختامية عبر الإنترنت، أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي أجمعت على توحيد الجهود لمواجهة الجائحة، وذلك من خلال «استراتيجية موحدة» تنفذ على مستوى القارة الأفريقية، بإشراف من الاتحاد الأفريقي.
القمة التي تمثل «الجمعية العامة» للاتحاد الأفريقي، والتي انعقدت خلال يومي السبت والأحد، قررت أيضاً تعزيز مكانة «الصندوق» الخاص بجائحة كورونا، وإنشاء «منصة أفريقية» مكلفة بمهمة توفير المعدات الطبية، وتسريع الفحوصات، على حد تعبير تشيسيكيدي.
وتضمنت الاستراتيجية الأفريقية كذلك منح صلاحيات أكبر واستقلالية أوسع لصالح «المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها» التابع للاتحاد الأفريقي، الذي وصف بأنه سيكون «هيئة مستقلة» في التمويل والعمل، مع استفادة القائمين عليه من صلاحيات أوسع، وفق ما يتطلبه عملهم المرتبط بالأمن الصحي في القارة.
وأعلن البيان الختامي للقمة الأفريقية أن القادة الأفارقة ناقشوا تقريراً حول «فريق العمل الأفريقي» الذي أنشئ مؤخراً من أجل تسريع الحصول على اللقاحات، في ظل المآخذ الأفريقية على آليات توزيع اللقاحات عبر العالم، وهيمنة الدول الكبرى على حصة الأسد من اللقاح.
وكان اليوم الثاني (الأخير) من القمة الأفريقية قد شهد تنصيب الدبلوماسي التشادي موسى فقي محمد، بعد تجديد الثقة فيه رئيساً لمفوضية الاتحاد الأفريقي، ليقود المفوضية لولاية ثانية مدتها أربع سنوات، وهو الذي يقودها منذ 2017، فيما كانت قد انتخبت الرواندية مونيك نسانزاباجانوا في منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وانتخب الاتحاد الأفريقي أيضاً الدبلوماسي النيجيري بانكول أديوي مفوضاً للشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، خلفاً للجزائري إسماعيل شرقي، وهو المنصب الذي يحظى بأهمية كبيرة داخل أروقة الاتحاد الأفريقي.
ومن جهة أخرى، أعيد انتخاب الأنغولية جوزيفا ساكو مفوضة مكلفة بالفلاحة والتنمية القروية والاقتصاد الأزرق والبيئة المستدامة، وانتخب الزامبي ألبير موشانغا مفوضاً مكلفاً بالتنمية الاقتصادية والتجارة والصناعة والمناجم، والمصرية أماني أبو زيد مفوضة مكلفة بالبنيات التحتية والطاقة.
وقرر الاتحاد الأفريقي تأجيل التصويت على منصبي مفوض الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية، ومفوض التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، من دون أن يحدد موعداً جديداً للتصويت.
ودعت القمة الأفريقية، في بيانها الختامي، إلى تكثيف العمل على مواجهة مخاطر الإرهاب التي تتعاظم في كثير من مناطق القارة، خاصة في منطقة الساحل وخليج غينيا والقرن الأفريقي، ووجهت التحية إلى الجهود التي تبذلها بلدان هذه المناطق.
وفي سياق آخر، أعلن المشاركون في القمة الأفريقية دعمهم الكامل للشعب الفلسطيني في «نضاله المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي من أجل استعادة حقوقهم غير القابلة للتصرف». وطالب الاتحاد الأفريقي، في البيان الختامي لقمته، بضرورة «إيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبادئ القانون الدولي، وجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يؤدي إلى الإنهاء الكامل للاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، واستقلال دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية، داخل حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، وإيجاد حل عادل لمحنة اللاجئين الفلسطينيين، بما يتوافق مع قرار الأمم المتحدة رقم 194».
وأكد الزعماء الأفارقة ضرورة «استئناف مفاوضات ذات مصداقية بين الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) من أجل تحقيق السلام العادل الشامل الدائم في الشرق الأوسط».
ورحب الاتحاد الأفريقي بالتطورات الحاصلة في الأزمة الليبية، خاصة بعد انتخاب أعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي لسلطة تنفيذية موحدة لقيادة البلاد إلى غاية إجراء الانتخابات في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو ما وصفه الاتحاد الأفريقي بأنه «خطوة تاريخية» نحو تأسيس «ليبيا جديدة موحدة».
وخلت تقارير وقرارات القمة الأفريقية الرابعة والثلاثين من أي حديث عن قضية الصحراء، رغم ما شهدته من تطورات خلال الأشهر الأخيرة. وقال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في مؤتمر صحافي أمس، إن تفسير هذا الصمت الأفريقي هو «توجه جديد» للاتحاد الأفريقي، إذ إن قضية الصحراء هي «قضية من صلاحيات الأمم المتحدة»، ويقتصر دور الاتحاد الأفريقي فيها على «مواكبة ودعم المجهود الحصري للأمم المتحدة».
وأضاف الوزير المغربي أنه «كانت هناك محاولات لإقحام القضية الوطنية (إقليم الصحراء) بهذه القمة، ورأينا تصريحات دعت إلى انعقاد الترويكا (تابعة للاتحاد الأفريقي) ومجلس الأمن والسلم (تابع للاتحاد الأفريقي)، ولكن هذه الدعوات لم تنجح».
القمة الأفريقية التي انعقدت تحت شعار «الفنون والثقافة والتراث... روافع لـبناء أفريقيا التي نريد»، حاولت أن تبتعد عن الملفات السياسية والأمنية المعقدة، واختارت دولة مالي عاصمة للثقافة الأفريقية، وعنواناً للتراث الأفريقي خلال السنة المقبلة، لما يوجد بها من مدن تاريخية على غرار «تمبكتو» و«سيغو».
وناقشت القمة كذلك ملفات اقتصادية مهمة، وقررت تفعيل «منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية» التي أطلقت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، والعمل على إطلاق «سوق النقل الجوي الأفريقي الموحد»، واعتماد بروتوكول «حرية الحركة والمبادئ التوجيهية لجوازات السفر الأفريقي»، وتنفيذ خطة البنية التحتية الشاملة للطاقة الزراعية في أفريقيا، والاستجابة لتغير المناخ، تلك المشاريع الطموحة التي بقيت لسنوات طويلة حبراً على ورق في دواليب الاتحاد الأفريقي، وفي كل قمة ينفض عنها الغبار لتدخل حيز النقاش من جديد، رغم التحديات الكبيرة التي تمنع تجسيدها على أرض الواقع.
وخلال انعقاد القمة الأفريقية، تلقى المشاركون فيها رسالة من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، يعلن فيها التزامه بتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأفريقي لمواجهة تحديات المرحلة، وهو موقف يتماشى مع سياسات الحزب الديمقراطي تجاه القارة السمراء التي تجاهلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وقال بايدن، في مقطع فيديو موجه للقمة بثه عبر «تويتر»: «أقدم لكم أفضل الأمنيات من الشعب الأميركي بمناسبة قمة الاتحاد الأفريقي (...) السنة التي مضت بينت لنا مدى ترابط العالم، فمصيرنا لا ينفصل، ولهذا تلتزم إدارتي بتجديد شراكتنا في العالم، والدخول في حوار مع المؤسسات الدولية، ومن بينها الاتحاد الأفريقي».
وأضاف الرئيس الأميركي أنه سيعمل مع الاتحاد الأفريقي من أجل «تعزيز رؤيتنا المشتركة لمستقبل أفضل، مستقبل للتجارة والاستثمار يعزز مستقبل كل الدول، مستقبل يرسي السلم والسلام والأمن لجميع المواطنين»، وأشار إلى أن ملفات كثيرة يمكن العمل عليها، مثل «الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة»، وهي ملفات تثير حساسية كثير من الأنظمة الحاكمة في القارة.



الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
TT

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، خلال عملية عسكرية خاصة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي. في حين أعلن الجيش الموريتاني أن المواطنين جرى توقيفهم داخل أراضي مالي، وأكد أنه «لن يسمح» بأي انتهاك لحوزته الترابية.

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

وقالت مصادر محلية إن المواطنين الموريتانيين أفرج عنهم بعد ساعات من التوقيف، وكانت وحدة «فاغنر» قد سلّمتهم إلى الجيش المالي الذي حقّق معهم ثم أفرج عنهم، ليعودوا إلى الأراضي الموريتانية ليل الأربعاء/الخميس.

اختراق الحدود

بعد توقيف الموريتانيين من طرف وحدة «فاغنر»، المرافقة للجيش المالي، تداول ناشطون موريتانيون على وسائل التواصل الاجتماعي معلومات تُفيد بأن مقاتلي «فاغنر» وقوات الجيش المالي «اخترقوا» الحدود، وأوقفوا مواطنين موريتانيين.

ولكن الحكومة الموريتانية نفت أن يكون قد حدث أي اختراق للحدود، وقال الوزير الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد أمدو: «إن وحدات من الجيش المالي كانت تتحرك في مناطق تابعة لحدودها، وأثناء مرورها اعتقلت هذه المجموعة».

وأضاف ولد أمدو، في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أن القرية التي دخلها الجيش المالي وقوات «فاغنر»، «تابعة لدولة مالي»، مشيراً إلى أن «اتصالات جرت بين السلطات العسكرية الموريتانية والمالية أسفرت عن إطلاق سراح الموقوفين».

لا تسامح

وأصدر الجيش الموريتاني بياناً صحافياً حول الحادثة، وقال إن ما تداولته الصحف المحلية وبعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي حول اختراق الحدود «مجرد معلومات مغلوطة وأخبار زائفة»، وقال: «إنه لن يسمح لأي كان بانتهاك الحدود».

وأوضح الجيش الموريتاني أن «الأمر يتعلق بوصول وحدة من الجيش المالي إلى قرية الأغظف الموجودة داخل التراب المالي»، وشدّد على أنه «لم تصل القوات المالية مطلقاً إلى خط الحدود بين البلدين».

وقال الجيش الموريتاني: «إن الوحدة العسكرية المالية أوقفت 18 شخصاً في المناطق التي مرت بها، قبل أن يجري إطلاق سراح الموقوفين لاحقاً، بعد اتصالات ميدانية بين الجهات المعنية بموريتانيا ومالي».

وخلص الجيش الموريتاني إلى «طمأنة المواطنين بأن الوحدات العسكرية الموريتانية المرابطة على الحدود، لن تسمح لأي كان بانتهاك الحوزة الترابية للبلاد»، وفق نص البيان الصحافي.

احتفاء محلي

كان توقيف المواطنين الموريتانيين قد أثار حالة من الرعب في أوساط السكان المحليين، في ظل مخاوف من تصفيتهم، كما سبق أن حدث مع موريتانيين خلال العامين الماضيين، أوقفتهم «فاغنر» وعثر عليهم في مقابر جماعية، ما كاد يقود إلى أزمة في العلاقات بين مالي وموريتانيا.

وبعد الإفراج عن الموقوفين سادت حالة من الارتياح في أوساط السكان المحليين، وأصدرت مجموعة من السياسيين والمنتخبين المحليين بياناً، قالت فيه إن سكان محافظة باسكنو الحدودية «يثمنون إطلاق سراح المختطفين على الحدود المالية».

وقال النائب البرلماني، محمد محمود ولد سيدي، إن الإفراج عن الموقوفين «لحظة تحمل في طياتها فرحة كبرى، وترسم أفقاً جديداً من الأمل والطمأنينة في قلوب الجميع».

وأضاف عضو البرلمان الموريتاني عن دائرة باسكنو، أن السكان يشكرون الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «الذي قاد بحكمة وحزم مسار الجهود المبذولة لتحقيق هذا الإنجاز الوطني الكبير».

وأرجع النائب جهود الإفراج عن الموقوفين إلى ما سمّاه «الدبلوماسية العسكرية (الموريتانية) التي أظهرت قدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية، وأثبتت بالدوام نجاعة وحنكة عاليتين في التعامل مع هذا التحدي الأمني الكبير».

حرب مالي

وتعيش دولة مالي على وقع حرب، منذ أكثر من 10 سنوات، ضد مجموعات مسلحة موالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقبل سنوات قاد ضباط ماليون انقلاباً عسكرياً، وسيطروا على الحكم في البلد، ليعلنوا التحالف مع روسيا، وجلب مئات المقاتلين من «فاغنر» لمساعدتهم في مواجهة المجموعات الإرهابية.

ويثير وجود «فاغنر» داخل الأراضي المالية، خصوصاً في المناطق الحدودية، مخاوف الموريتانيين؛ إذ تسببت عمليات «فاغنر» في مقتل عشرات الموريتانيين داخل الشريط الحدودي بين البلدين.

وتوجد في الشريط الحدودي عشرات القرى المتداخلة، بعضها تتبع موريتانيا ويقطنها مواطنون ماليون، وأخرى تتبع مالي ويقطنها مواطنون موريتانيون، وذلك بسبب عدم ترسيم الحدود بشكل نهائي بين البلدين.