كيارستمي.. سينما تجاور الشعر

يعتبرونه في الغرب نقلة مميزة في مسار سينما تعاني من رقابة مشددة

المخرج الإيراني عباس كيارستمي
المخرج الإيراني عباس كيارستمي
TT

كيارستمي.. سينما تجاور الشعر

المخرج الإيراني عباس كيارستمي
المخرج الإيراني عباس كيارستمي

يعتبر المخرج السينمائي الإيراني عباس كيارستمي، الإضافة الإيرانية الأكبر إلى خريطة السينما العالمية، فهو صاحب الأسلوب المميز الذي وجد الكثير من النقاد والسينمائيين وعشاق السينما في الغرب، يحتفون به، ويعتبرونه نقلة مميزة في مسار سينما تعاني منذ نحو 4 عقود من رقابة مشددة، وقيود كثيرة، منحت المهرجانات السينمائية أفلامه عشرات الجوائز، واحتفت به وكرمته كما كرمت كبار السينمائيين في العالم. كيارستمي الذي أوشك على إتمام عامه الخامس والسبعين. هو أيضا «الأب الروحي» الذي خرج من معطفه عدد كبير من المخرجين الإيرانيين الذين ساروا على نهجه، وشقوا طريقهم بعد ذلك، إلى الشهرة العالمية، من أشهرهم جعفر بناهي الذي أصبح، منذ سنوات، يواجه صعوبات في العمل داخل إيران.
عن مؤسسة التراث والثقافة التابعة لوزارة الثقافة البحرينية، صدر أخيرا كتاب «كيارستمي.. سينما مطرزة بالبراءة»، من ترجمة وإعداد الباحث والمترجم البحريني أمين صالح. ويقع الكتاب في 367 صفحة من القطع المتوسط، وهو مثل كتب سابقة صدرت للمترجم والباحث نفسه، يعتمد على اختيار وتصنيف وترجمة عدد كبير من المقالات والمقابلات التي أجرها نقاد سينمائيون، معظمهم من الغرب، مع كيارستمي، ونشرت في عدد من المجلات السينمائية المتخصصة، تلقي الضوء على حياته وأفلامه، وعلى أسلوبه في العمل، ورؤيته للسينما وللواقع، كما تتطرق إلى خبرته الشخصية وموقفه مما يحدث في إيران منذ إعلانها جمهورية إسلامية. وفي تقديمه للكتاب كتب أمين صالح إن كيارستمي «يسعى إلى خلق نوع جديد من السينما، لا تعتمد عل حبكة أو أحداث دراماتيكية أو مؤثرات خاصة وحيل بصرية أو ميزانية ضخمة أونجوم محترفين، إنها سينما متقشفة لكن عميقة في الرؤية، تعتمد على إطهار التناقضات والمفارقات فيما تحتفي بالحياة اليومية وتدعو إلى التأمل والتفكير».
وفي دراسة طويلة (تشغل 35 صفحة من الكتاب) تحت عنوان «سينما ذات امتلاء شعري» استعرض أمين صالح سيرة حياة كيارستمي وبداية شغفه بالسينما، وعلاقته بالتطورات التي وقعت في إيران خلال العقود الـ3 الأخيرة، والمؤثرات التي لعبت دورا في تشكيل وعي كيارستمي بالسينما، واختياراته الفنية.
في العالم العربي احتفى كثير من النقاد، بالأفلام التي يصنعها عباس كيارستمي، وكانوا في هذا، يرددون أصداء لما يقال في الغرب، دون مناقشة، واستمروا في ترديد بعض المقولات التي تستحق المناقشة، حول «نقاء» سينما كيارستمي، ونجاحه في صنع «سينما إنسانية»، تمكنت من التفوق على السينما الغربية، بملامحها الخاصة، وطاقتها الشعرية، وذهبوا إلى القول إن كيارستمي يوجه رسائل سياسية نقدية مجازية تكمن في طيات أفلامه.
ولعل من أهم الجوانب في دراسة أمين صالح، أنها تكشف الكثير عن شخصية كيارستمي وتناقضاته الشخصية، بل وتفنيده للكثير من تلك الأفكار التي يرددها نقاده والمعجبون بأفلامه في الشرق والغرب. وعلى سبيل المثال يورد أمين صالح مثالا على تناقضات تصريحات كيارستمي، الذي يتحدث كثيرا عن تأثره بأفلام الواقعية الجديدة في إيطاليا بعد الحرب الثانية، منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره، ثم يقول في عام 1990 إنه لم يشاهد أكثر من 50 فيلما طوال حياته. ورغم إعجابه الموثق بأفلام الواقعية الإيطالية ورغم اتباعه أسلوبه واقعيا مماثلا يميل إلى التصوير في المواقع الطبيعية مع ممثلين غير محترفين، يعتمد على قصص واقعية وعلى الارتجال أثناء التصوير، فإنه يرفض أي مقارنة بينه وبين أفلام الواقعية الجديدة، كما يرفض اعتباره مخرجا واقعيا معربا عن رفض كل النظريات أو المذاهب الفنية بما فيها تعبير «سينما إنسانية» الذي يستخدمه كثيرون في وصف أفلامه، موضحا: «في الحقيقة أفلامي ليست (إنسانية) على الإطلاق»!
يتعرض أمين صالح لتصريحات كيارستمي وأحاديثه التي تميل بوضوح إلى عدم التطرق لنقد «المؤسسة الرسمية» في إيران، ورفضه فكرة أن تكون لأفلامه أي إيحاءات أو مضامين سياسية، بدعوى أنه «لا يستطيع أن يدعو أحدا كي يصوت لصالح شخص أو معارض». وفي موضع آخر من الكتاب، يقول: «البعض يعتقد أن العمل الفني - العمل الملتزم - على سبيل المثال، عليه أن يطيح بالنظام. في رأيي أن الفيلم الملتزم يوفر فحسب معرفة معينة بشأن الكائنات الإنسانية وبيئتا». وهو مفهوم ساذج للفيلم السياسي، فليس من الممكن القول إن الأفلام التي أخرجها فرنشيسكو روي وغيره في إيطاليا، خلال الستينات والسبعينات، كانت تسعى «للإطاحة بالنظام»، بل من المؤكد أنها كانت أيضا «توفر معرفة معينة بشأن الكائنات الإنسانية» - حسب تعبير كيارستمي نفسه. إلا أن الكاتب - المترجم لا يمنح هذه النقطة وغيرها من النقاط التي تقدمت، ما كانت تستحقه من تمحيص وبحث واهتمام، فالطابع الغالب على اختيار المقالات والمقابلات المترجمة في الكتاب، الصورة الإيجابية المثالية لكيارستمي، وليس تقديم قراءة «نقدية» كانت تقتضي الاستعانة بالكتابات التي تسبح في الاتجاه المضاد هن سينما كيارستمي، ومراجعة بعض ما أثير حول أفلامه من مبالغات تعلي من قيمتها الفنية كثيرا، رغم ما هو معروف من أن وجود رقابة مشددة دينية تفرض، مثلا، إبعاد المرأة عن بؤرة الاهتمام، والحذر الشديد عند تناول المشاكل بين الرجل والمرأة، وتدعو، دفع كيارستمي وتلاميذه، إلى الاعتماد على قصص تدور معظمها حول أطفال، أحيانا بشكل يجعل للفيلم طابعا واحدا «تربويا» ذا طبيعة «أخلاقية». ولكن كيارستمي يلجأ إلى «تبرير» الرقابة وتبرير استبعاد تمثيل المرأة من الأفلام، فيجعل منه ميزة خاصة عندما يقول: «هذا لا يمنعني من العمل كمخرج سينمائي، إنها ليست مشكلة أساسية بالنسبة لنا. في المجتمع الإيراني ثمة الكثير من المشكلات.. وتلك مجرد واحدة منها».
رغم أي ملاحظات لنا على الكتاب فإنه يعتبر - بمادته الدسمة المتنوعة - إضافة حقيقية جادة للمكتبة السينمائية العربية، كونه يوفر أساسا متينا لفهم ومناقشة أفلام كيارستمي ذات التأثير الكبير في العالم، ويتيح الفرصة أمام من يرغب في تقديم رؤى أخرى، مناقضة لمفاهيم كيارستمي، وخصوصا تأثير منهجه السينمائي على الجمهور الإيراني نفسه، خاصة بعد أن وجد كيارستمي نفسه، رغم كل محاولاته الالتفاف حول الوضع الإيراني، مضطرا في النهاية لعمل أفلامه خارج إيران. وهو موضوع آخر!



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي