علاج النوبات القلبية... 70 عاماً من التطورات الكبرى

من جرعة المورفين إلى إجراءات الإسعاف ووصف العقاقير ونصائح الحياة الصحية

علاج النوبات القلبية... 70 عاماً من التطورات الكبرى
TT

علاج النوبات القلبية... 70 عاماً من التطورات الكبرى

علاج النوبات القلبية... 70 عاماً من التطورات الكبرى


أثناء مباراة الغولف خلال فترة بعد الظهيرة بأحد أيام خريف عام 1955، عانى الرئيس دوايت أيزنهاور مما ظن أنه عسر هضم. وفي صباح اليوم التالي، استيقظ في الثانية صباحاً وهو يعاني من آلام شديدة في الصدر؛ ما دفع طبيبه الخاص لإعطائه جرعات عدة من المورفين. ولم يكتشف أحد، إلا في الساعة الواحدة ظهر ذلك اليوم، حقيقة أن ما عاناه الرئيس كان نوبة قلبية.
وفي مقال نشره في عدد «دورية نيو إنغلاند الطبية» بتاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، تناول طبيب القلب الدكتور توماس لي، أستاذ الطب بمدرسة هارفارد للطب، بالتفصيل التجربة التي خاضها أيزنهاور. وتركز مقاله على نحو أساسي على كيف نقل طبيب القلب المعالج لأيزنهاور، بول دودلي وايت، الأمر إلى الجمهور. ومثلما كتب الدكتور لي، فإن «في ذلك الوقت كانت النوبات القلبية قد أصبحت أقل غموضاً وإثارة للفزع في نظر ملايين الأميركيين».
بجانب ذلك، يكشف العلاج الذي تلقاه أيزنهاور التناقض الصارخ مع أسلوب تعامل الأطباء مع أمراض القلب اليوم. وأكد الدكتور لي، رئيس التحرير السابق لـ«رسالة هارفارد للقلب»، أنه بعد نحو 65 عاماً «من المدهش أن نرى مدى التقدم الذي تحقق على صعيد طب القلب والأوعية الدموية خلال عمر الأشخاص الذين لا يزالون يجوبون الحياة من حولنا الآن». وتتعلق بعض أبرز التطورات بإقرار إجراءات، وعقاقير أفضل، والاعتماد على نصائح موجهة بخصوص العادات اليومية وأساليب الحياة.
حقيقة صادمة
تغيرت التجربة العلاجية داخل المستشفى هي الأخرى بعض الشيء، ففي الخمسينات كان يجري وضع مرضى القلب على أسرّة في مختلف أرجاء المستشفى، بعيداً عن مراكز تجمع الممرضات، حيث يتميز الوضع بقدر أكبر من الهدوء، وبالتالي يصبح من الأسهل على مرضى القلب الحصول على قسط من الراحة. ويقول الدكتور لي، إنه «لم تكن هناك أي أجهزة مراقبة بجانب أسرّة المرضى؛ لأنها لم تكن ذات جدوى - فلم يكن هناك ما يمكن للأطباء القيام به». ولم يكن من الغريب اكتشاف مرضى متوفين في أسرّتهم، يعتقد أنهم عانوا من حدوث عدم انتظام في نبضات القلب لديهم.
جدير بالذكر في هذا الصدد، أن الضرر الناجم عن النوبة القلبية يؤدي بعض الأحيان إلى ارتجاف غرف القلب السفلية (البطينين) بسرعة وعلى نحو غير منتظم. ويمكن أن يؤدي هذا الانحراف المعروف باسم الرجفان البطيني ventricular fibrillation إلى التوقف المفاجئ للقلب (عندما يتوقف القلب فجأة عن النبض).
وحتى أواخر خمسينات القرن الماضي، لم تكن قد ظهرت بعد الأجهزة التي ترسل صدمات كهربائية لاستعادة نبض القلب الطبيعي، والمعروفة باسم أجهزة تنظيم القلب. وظهرت أجهزة تنظيم القلب الخارجية الآلية أواخر السبعينات. اليوم، توجد هذه الأجهزة في مراكز التسوق والمكاتب والمطارات والأماكن العامة الأخرى. وظهر أول جهاز مقوم نظم القلب ومزيل الرجفان القابل للزرع بعد فترة وجيزة - تحديداً عام 1980. جدير بالذكر، أن هذا الجهاز يعتبر نسخة مصغرة توضع تحت الجلد أسفل الترقوة.
الستينات والسبعينات
وفي الستينات والسبعينات من القرن الماضي حدثت تطورات على صعيد البقاء على قيد الحياة.
> إنعاش قلبي رئوي. إذا تعرض شخص ما لسكتة قلبية، يمكن للمارة الضغط بقوة وسرعة على صدره للحفاظ على تدفق الدم إلى الدماغ حتى يمكن استخدام مزيل الرجفان. وجرى تطوير هذه التقنية وهي الإنعاش القلبي الرئوي ¬cardiopulmonary resuscitation CPR عام 1960. كما دشنت الستينات مفهوم وحدة رعاية الشريان التاجي في المستشفيات، حيث جرى تجميع مرضى القلب معاً؛ ليتيسر بذلك حصولهم على مراقبة مستمرة لنظم القلب والإنعاش القلبي الرئوي وإزالة الرجفان. ونجحت هذه التطورات معاً في خفض أعداد الوفيات بين مرضى النوبات القلبية داخل المستشفيات إلى النصف.
> استعادة تدفق الدم. في تلك الأثناء، عكف جراحون على تطوير الإجراءات التي تجري الاستعانة بها في إصلاح الشرايين التاجية الضيقة أو المسدودة، التي تمثل السبب الجذري وراء معظم النوبات القلبية. وجرت أول جراحة لفتح مجرى جانبي للشريان التاجي عام 1960.
وجرى تنفيذ إجراء بديل أقل توغلاً، رأب الوعاء، للمرة الأولى على شريان تاجي عام 1977، وجرى إدخال الأنابيب الشبكية الدقيقة (الدعامات) التي تدعم الشرايين المفتوحة أثناء رأب الأوعية بعد ما يقرب من عقد.
> عقاقير طبية. من ناحية أخرى، وفي غضون فترة وجيزة من النوبة القلبية التي تعرض لها، تلقى أيزنهاور عقارين مانعين للتجلط، «وارفارين» و«هيبارين». ورغم أنه لا يزال يجري استخدامهما حتى اليوم في حالات بعينها، فإنه جرى استبدالهما على نطاق واسع بأدوية جديدة وأكثر أماناً مضادة للتجلط جرى تطويرها خلال العقود الأخيرة.
ومع هذا، فإنه فيما يخص خفض الوفيات المرتبطة بأمراض القلب، ينسب الدكتور لي الفضل الأكبر إلى فئتين أخريين من الأدوية، إحداهما حاصرات بيتا beta blockers (التي جرى تطويرها للمرة الأولى عام 1962)، والتي تعمل على إبطاء ضربات القلب وخفض ضغط الدم. أما المجموعة الأخرى فهي مجموعة عقاقير خفض الكوليسترول المعروفة باسم الستاتين statins، والتي وصفت لأول مرة عام 1976.
أنماط حياة صحية
مثلما الحال مع 57 في المائة من الرجال الأميركيين عام 1955، كان أيزنهاور يدخن السجائر. وفي وقت إصابته بنوبة قلبية في سن الـ62، كان يدخن أربع علب سجائر يومياً. وكانت دراسة فرامنغهام الكبرى المعنية بالقلب التي نشرت عام 1960 أول من نبّه إلى أن تدخين السجائر يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب. اليوم، يدخن ما يقل قليلاً عن 14 في المائة من الأميركيين السجائر، وأكد خبراء في وقت قريب، أنه حتى تدخين سيجارة واحدة يومياً يزيد من مخاطرة الإصابة.
وتحمل تجربة رئيس آخر، بيل كلينتون، بعض الدروس المفيدة في هذا الصدد. وأشار الدكتور لي إلى أن كلينتون عانى من ارتفاع الكوليسترول، لكنه توقف عن تناول دواء الستاتين. ومن المحتمل أن يكون ذلك قد ساهم في تطور مرض قلبه؛ الأمر الذي تطلب نهاية الأمر إجراء جراحة مجرى جانبي رباعية عام 2004 عندما كان في الـ58 من عمره، واتبع نظاماً غذائياً نباتياً بصورة أساسية. وقال الدكتور لي «حقق كلينتون عملاً رائعاً في تطهير أسلوب حياته، وأعتقد أنه ألهم الكثيرين غيره وحفزهم على تناول الطعام على نحو أفضل».
دراسة فرامنغهام
> عوامل عام 1948، اعتمدت دراسة فرامنغهام للقلب على 5209 من الرجال والنساء تتراوح أعمارهم بين 30 و62 عاماً يعيشون في بلدة تقع غرب بوسطن.
وبفضل المراقبة الدقيقة لهؤلاء المتطوعين، تمكن الباحثون من تحديد العوامل الأساسية التي تسهم في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأطلقوا عليها «عوامل الخطر». وبجانب تحديد التدخين كأحد عوامل الخطر تلك عام 1960، تضمنت نتائج رئيسية أخرى متعلقة بنمط الحياة (نشرت عام 1967)، أن النشاط البدني يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب، وأن السمنة تزيد المخاطر. وعام 1978، نشرت أدلة تشير إلى أن العوامل النفسية والاجتماعية مثل التوتر والغضب يمكن أن تؤثر على مخاطرة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
علاوة على ذلك، احتوت الدراسة سالفة الذكر على ثروة من المعلومات حول أدوار الكوليسترول وضغط الدم والسن والجنس والجينات. عام 1971، بدأت الدراسة في تسجيل مجموعات إضافية، بما في ذلك أطفال وأحفاد المجموعة الأصلية، بجانب مجموعتين جديدتين من المشاركين المتنوعين عرقياً.
> نصيحة أخيرة. تُذكر دوماً هاتان النصيحتان: لا تتجاهل ألم الصدر، مفترضاً أنه عسر هضم، واستمر في تناول الستاتين إذا كنت تتعاطاه. إلا أنه في الوقت ذاته، لا تقسُ على نفسك. وقال الدكتور لي «حتى رئيس الولايات المتحدة يمكن أن يصبح عرضة للتأثر بالتفكير القائم على التمني».
* رسالة هارفارد للقلب
- خدمات «تريبيون ميديا»



التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
TT

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)

أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك للطب النفسي بألمانيا، أنّ الشبكية بمنزلة امتداد خارجي للدماغ وتشترك في الجينات عينها، ما يجعلها طريقة سهلة للعلماء للوصول إلى دراسة اضطرابات الدماغ بمستويات أعلى من الدقة.

وأفادت النتائج بأنّ العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً، وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية وبطريقة فائقة السهولة؛ «لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ»، وفق الباحثين. وهم أكدوا على أن فهم الآليات البيولوجية حول هذا الأمر من شأنه مساعدتهم على تطوير خيارات علاجية أكثر فاعلية وأكثر شخصية.

وحلَّل باحثو الدراسة المنشورة في دورية «جاما سيكاتري»، الارتباط الجيني بين خلايا الشبكية وعدد من الاضطرابات العصبية النفسية. ومن خلال الجمع بين البيانات المختلفة، وجدوا أنّ جينات خطر الفصام كانت مرتبطة بخلايا عصبية محدّدة في شبكية العين.

وتشير جينات الخطر المعنيّة هذه إلى ضعف بيولوجيا المشابك العصبية، وبالتالي ضعف قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض. ويرجح الباحثون أن يكون هذا الضعف موجوداً أيضاً في أدمغة مرضى الفصام.

وبناءً على تلك الفرضية، أظهر الباحثون أنّ الاتصال العصبي يبدو معوقاً في شبكية العين لدى مرضى الفصام بالفعل.

وأوضحوا، في بيان، الجمعة أنّ «العثور على هذا الخلل في العين يشير إلى أنّ العمليات في الشبكية والدماغ متشابهة جداً؛ وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية، لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ».

في دراستهم السابقة، وجد باحثو معهد ماكس بلانك للطب النفسي، برئاسة فلوريان رابي، تغيّرات في شبكية العين لدى مرضى الفصام أصبحت أكثر حدّة مع زيادة المخاطر الجينية. وبناءً على ذلك، اشتبهوا في أنّ التغيرات الشبكية ليست نتيجة لأمراض مصاحبة شائعة مثل السمنة أو مرض السكري فحسب، وإنما قد تكون ناجمة عن آليات أمراض مدفوعة بالفصام بشكل مباشر.

إذا كانت هذه هي الحال، فإنّ معرفة مزيد عن هذه التغيّرات قد تساعد الباحثين على فهم الآليات البيولوجية وراء الاضطراب. وبالإضافة إلى الفصام، لوحظت تغيرات في الشبكية لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب والتصلّب المتعدّد ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون والسكتة الدماغية.

باستخدام بيانات من دراسات كبيرة سابقة، دمج رابي والمؤلّف الأول إيمانويل بودريوت من معهد ماكس بلانك للطب النفسي وجامعة لودفيغ ماكسيميليان ميونيخ في ألمانيا، بيانات المخاطر الجينية من الاضطرابات العصبية النفسية مع بيانات تسلسل الحمض النووي الريبي للشبكية.

أظهرت النتائج أنّ جينات المخاطر كانت مرتبطة بخلايا شبكية مختلفة في الاضطرابات المذكورة أعلاه.

كما ارتبط الخطر الجيني للإصابة بالتصلّب المتعدّد بخلايا المناعة في الشبكية، بما يتماشى مع الطبيعة المناعية الذاتية للاضطراب. وكذلك ارتبطت جينات الخطر للإصابة بالفصام بفئة محددة من الخلايا العصبية الشبكية تشارك في الوظيفة المشبكية، وتحدّد قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض.