مكتبة الإسكندرية توثّق التراث المسرحي لعلي الكسار

رحل وهو يعاني من الفقر والمرض

TT

مكتبة الإسكندرية توثّق التراث المسرحي لعلي الكسار

ضمن المشروع القومي لتوثيق التراث المسرحي للفنان علي الكسار أصدرت مكتبة الإسكندرية منذ أيام قليلة روايتين من أعماله التي قدمها على المسرح، الأولى بعنوان «الانتخابات» وقدمتها فرقة الكسار لأول مرة قبل 98 عاماً على مسرح «الماجستيك»، وقام بتأليفها أمين صدقي، وقد توفي سيد درويش قبل أن يتم تلحين باقي أزجالها التي كتبها أمين صدقي وقام الفنان إبراهيم فوزي بإتمام ألحانها، وعُرضت في نهاية سبتمبر (أيلول) عام 1923 بعد وفاة سيد درويش باثني عشر يوماً.
وتتكون مسرحية «الانتخابات» من ثلاثة فصول، وتوجد خمسة صفحات مفقودة من وثيقة الرواية الأصلية، وقدمتها فرقة الكسار بمناسبة صدور دستور 1923 الذي منح مصر حق الانتخاب، وتكوين الأحزاب، وتتناول تطاحن القوى السياسية، وعدم تمثيل الشعب في البرلمان بشكل حقيقي، وتدعو إلى تطهير النيات ومراعاة مصلحة البلاد.
أما المسرحية الثانية فكانت بعنوان «أُم 44» وتم تقديمها لأول مرة عام 1922، وهي من تأليف أمين صدقي أيضاً، وتتضمن ثمانية ألحان للفنان سيد درويش، بينها واحد لأشهر أغنياته «يا عشاق النبي» التي صاحب زفة العروسة في المسرحية.
وبدأت مكتبة الإسكندرية مشروعها لإصدار وتوثيق تراث الكسار عام 2018 بمناسبة مرور مائة عام على تقديم مسرحياته: «مرحب» و«اسم الله عليه» و«مافيش فايدة»، وجميعها قامت المكتبة بإصدارها ضمن عشر مسرحيات هي كل ما قامت بطباعته حتى الآن.
وتتضمن المسرحيات المدونات الموسيقية الأصلية التي وضعها أشهر الموسيقيين المصريين في ذلك الوقت، كما وضع المشرفون على مشروع توثيق مسرحيات الكسار في مقدمة كل مسرحية صورة ضوئية من الخطاب الذي بعث به علي الكسار في فبراير (شباط) عام 1918 إلى مدير إدارة التسجيل الثقافي في زمانه، ويتحدث فيه عن مسيرته الفنية التي قدم خلالها عدداً كبيراً من المسرحيات، والأفلام السينمائية، وهو عدد لا يمكن تصوره، ويكفي فقط القول إنه مسرحياته التي عرضها على مسرح «الماجستيك» الذي تم بناؤه خصيصاً له كانت مائة وستين عرضاً، كان أول أعماله فيه عام 1919 أما آخرها فكان عام 1935.
وقال الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية في تقديمه للمشروع: «إن تراثنا الثقافي والحضاري يمثل ذاكرة مصر ووجدانها؛ لذا يُعَدّ الحفاظ عليه وتوثيقه ونشره واجباً وطنياً وقومياً في المقام الأول، ولتحقيق الهدف من إبقاء التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي حياً بين المجتمعات المعاصرة لا بد أن يرتبط هذا التراث بواقع هذه المجتمعات ويمس وجدانها، وأن يوثَّق ويعاد تقديمه باستمرار؛ لكي تتناقله الأجيال المتعاقبة ويُحدث الأثر المطلوب منه، وهو تحقيق التواصل بين الماضي والحاضر. إن تقديم تراث الكسار، والذي حظي بالعديد من الألقاب منها (صاحب الرفعة الوجيه) و(المليونير الخفي) و(بربري مصر الوحيد) تم بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية وماجد الكسار نجل الفنان الراحل، والذي أثمر إلى جانب هذه المطبوعات توثيقاً رقمياً للإنتاج الضخم من الأعمال المسرحية للفنان علي الكسار، التي يرجع تاريخها إلى العشرينات من القرن الماضي، وحتى نهاية الأربعينات».
من جهته قال الناقد المسرحي مصطفى بيومي: «إن الفنان الكبير علي الكسار (1887 – 1957) يمثل أحد رواد المسرح المصري، وهو علامة بارزة في تاريخه الحديث، فعبر نصف قرن من العمل الجاد، منذ تأسيس فرقته المسرحية الأولى (دار التمثيل الزينبي 1907)، أسهم في الحركة المسرحية، ثم جمع بين المسرح والسينما، وكان تنافسه الشرس مع نجيب الريحاني، في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، عاملاً مهماً في إنعاش المسرح ورواجه، وإذا كان الريحاني قد ابتكر شخصية «كشكش بك»، العمدة الريفي الساذج الذي يقع ضحية سهلة لناهبيه وسارقي أمواله، فإن علي الكسار يقترن اسمه بشخصية «عثمان عبد الباسط»، النوبي الطيب العفوي البريء كطفل.
وذكر بيومي أن الكسار كان رائداً في ساحة المسرح الارتجالي الذي لا يتقيد بالنص المكتوب، ويتواصل مع جمهوره في إطار من العفوية والتقارب الحميم، لكنّ مشكلة الرائد الموهوب تتمثل في غياب القدرة على الخروج من الإطار الذي لا بد أنه يضيق ويعجز عن مواكبة متغيرات العصر وتطوره. وقد انتقل الكسار بشخصيته المسرحية إلى السينما، فقدم أفلاماً جماهيرية ناجحة، ثم انتهى به الحال إلى إغلاق مسرحه في القاهرة بعد أن قدّم ما يزيد على 160 عرضاً مسرحياً.
ورحل الفنان علي الكسار في مستشفى قصر العيني عن عمر يناهز 69 عاماً بعد معاناة مع الفقر والمرض.



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.