أشعل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان النقاش والجدل على الساحة السياسية في تركيا بحديثه المفاجئ عن حاجة البلاد إلى دستور جديد، وهو ما اعتبرته المعارضة تعبيراً عن إفلاسه. وفي الوقت نفسه، سادت حالة من الغضب الشعبي الواسع بسبب اعتقال أكثر من 150 طالباً من جامعة بوغازيتشي في إسطنبول لتظاهرهم مجدداً احتجاجاً على قرار إردوغان تعيين أحد الأكاديميين من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم رئيساً للجامعة.
وفتحت تصريحات إردوغان التي أدلى بها عقب اجتماع لحكومته، مساء أول من أمس، الباب أمام جدل كبير، بعد أن قال «ربما حان الوقت من أجل مناقشة دستور جديد لتركيا... الحكومة ستبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة في البرلمان بخصوص القضايا التشريعية وفي الرئاسة بخصوص القضايا الإدارية... يمكننا التحرك من أجل إعداد دستور جديد في المرحلة المقبلة حال توصلنا إلى تفاهم مع شريكنا في (تحالف الشعب) (حزب الحركة القومية)».
وأضاف «من الواضح أن في صلب مشاكل تركيا دساتير صاغها انقلابيون منذ التسعينات، ربما آن الأوان لتفتح تركيا النقاش حول دستور جديد، وأي مسودة دستور ستخضع للاستفتاء الشعبي».
وسارع رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهشلي إلى تأييد إردوغان في الدعوة إلى وضع دستور جديد للبلاد. وشدد، في بيان صادر عن حزبه أمس (الثلاثاء)، على حاجة البلاد إلى دستور جديد، وأن حزبه يؤيد هذه الرؤية. وقال بهشلي «من الواضح أن تركيا في حاجة إلى دستور جديد، وإن هدف ومنظور وفكر حزب الحركة القومية يصب في هذا الاتجاه». وأضاف، أن «تحالف الشعب» الذي يجمع حزبه مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، سيؤدي المسؤوليات الملقاة على عاتقه، لإجراء التغييرات الدستورية من مبدأ احتضان وتوحيد الجميع.
وتأتي دعوة إردوغان وحليفه بهشلي إلى دستور جديد بعد 4 سنوات من تعديلات واسعة لدستور عام 1982، المعمول به في البلاد، والاستفتاء عليها في 17 أبريل (نيسان) 2017، والتي أفضت إلى تطبيق النظام الرئاسي في الانتخابات المبكرة التي أجريت في 24 يونيو (حزيران) 2018، كما تأتي وسط دعوات متكررة من بهشلي لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد.
وتصاعدت التكهنات عقب دعوة إردوغان إلى وضع دستور جديد للبلاد حول ما إذا كان الدستور الجديد يتضمن مواد تسهل إغلاق الأحزاب السياسية التي تتهم بالتورط في الإرهاب والجريمة، ليتم التخلص من حزب الشعوب الديمقراطية، وكذلك مسألة إلغاء نسبة 50+1 التي يتعين أن يحصل عليها المرشح للرئاسة للفوز برئاسة البلاد في ظل تراجع شعبية إردوغان في استطلاعات الرأي الأخيرة وظهور منافسين أقوياء من المعارضة.
وشهدت الفترة الأخيرة حراكاً قوياً من المعارضة باتجاه الضغط لإجراء انتخابات مبكرة والعودة إلى النظام البرلماني بعد تحسينه وتقويته بعد الأزمات التي تسبب فيها النظام الرئاسي، ولا سيما في الاقتصاد. واعتبر حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، على لسان نائب رئيس الحزب محرم أركيك، أن دعوة إردوغان لكتابة دستور جديد هي نوع من الإفلاس، قائلاً «لقد أفلس النظام في عامين ونصف العام بعد تطبيق النظام الرئاسي. لكن كلاً من الأمة والدولة أفلستا معه أيضاً. لكننا سنصلح النظام المعطل باسم (تحالف الأمة) (يتكون من الشعب الجمهوري وحزب الجيد)».
وأضاف أركيك، أن المعارضة ستعمل على إسقاط إردوغان في الانتخابات المقبلة، وستدعو إلى تعديل الدستور أيضاً للعودة إلى نظام الحكم البرلماني بعد التغييرات التي أجراها إردوغان على مواد الدستور عام 2017، قائلاً «سواء كانت الانتخابات مبكرة أو في موعدها، فسوف نقدم نظاماً برلمانياً معززاً، وبالتالي دستوراً جديداً».
وأعلنت باقي أحزاب المعارضة مواقفها من دعوة إردوغان، معتبرة أنها محاولة للتغطية على فشل النظام الرئاسي. وعلق الكاتب في صحيفة «رييت» المقرب من إردوغان، عبد القادر سيلفي، على الإعلان المفاجئ بشأن الدستور قائلاً، إنه جاء في الوقت الذي تتحاور فيه أحزاب المعارضة فيما بينها حول مشروع دستور جديد يعيد النظام البرلماني «المعزز»، مشيراً إلى أن مقترح الدستور الجديد مشمول في حزمة الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس التركي مؤخراً، وأنه يقوم على مبدأ أن الدستور المدني هو أصل كل الإصلاحات.
وأوضح سيلفي، أن إردوغان تحرك لسحب الورقة الرابحة للمعارضة التي كانت تستعد لتشكيل لجنة دستورية مشتركة للانتقال إلى نظام برلماني مع وضع دستور جديد، وأن مشروع الدستور المقترح لن يتضمن بأي حال عودة النظام البرلماني.
وتوقع محللون، أن تشهد الأشهر المقبلة، تأجيج 4 موضوعات لتحتل الصدارة في المناقشات بين الأحزاب السياسية والتي تشكل التوترات في السياسة التركية حالياً، وهي: مصير حزب الشعوب الديمقراطية، وظهور حركات سياسية جديدة، والجهود المبذولة لتغيير ميزان القوى بين التحالفات الانتخابية والجدل حول النظام السياسي في تركيا بعودته إلى البرلماني.
ويطالب بهشلي بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطية، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المحكمة الدستورية ستوافق على إغلاق حزب سياسي.
على صعيد آخر، أفرجت السلطات التركية أمس عن 96 من بين 159 من طلاب جامعة بوغازيتشي في إسطنبول ألقي القبض عليهم أثناء احتجاجات جديدة على تعيين الرئيس رجب طيب إردوغان قبل شهر مليح بولو، المنتمي لحزبه، رئيساً للجامعة، معتبرين أنه أمر غير ديمقراطي، كما احتج أعضاء هيئة التدريس بالجامعة على القرار.
واشتبكت الشرطة مع المتظاهرين، أول من أمس، وهم يرددون شعارات مثل «فلتخرج الشرطة» و«الجامعات لنا».
وقال مكتب والي إسطنبول في بيان، إن 159 شخصاً اعتقلوا لاحقاً «لعدم إنهاء المظاهرات أمام جامعة بوغازيتشي رغم التحذيرات»، وأضاف أنه تم فتح تحقيق، وأن 11 من بين المشاركين في المظاهرات ليسوا من طلاب الجامعة.
وتخضع جامعة «بوغازيتشي» لحصار من الشرطة منذ شهر تقريباً على خلفية اختيار إردوغان رئيسها الجديد، وتجمهر الطلاب أمس أمام الجامعة مطالبين بالإفراج عن زملائهم المحتجزين.
من ناحية أخرى، أصدر الادعاء العام في إسطنبول أمس مذكرات توقيف بحق 294 شخصاً في 42 ولاية تركية، بشبهة دعم حركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه السلطات بالتخطيط للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت عام 2016.
ويواجه المشتبه بهم، وبينهم 292 عسكرياً حالياً أو سابقاً، اتهامات تتعلق بصلاتهم بغولن والانقلاب الفاشل، وأن من بين المشتبه بهم شخصين يشتبه في أنهما عضوان في جماعة مدنية «سرية» متهمة بدعم أنصار غولن في الجيش.
إردوغان يشعل الساحة السياسية في تركيا بالحديث عن «دستور جديد»
استمرار الاحتجاجات الطلابية في إسطنبول... ومذكرات توقيف بحق 292 عسكرياً
إردوغان يشعل الساحة السياسية في تركيا بالحديث عن «دستور جديد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة