تقنيات فن الارتجال في المسرح

كتاب «كوميديا ديللارته» لقاسم البياتي

تقنيات فن الارتجال في المسرح
TT

تقنيات فن الارتجال في المسرح

تقنيات فن الارتجال في المسرح

صدر للكاتب المسرحي العراقي د. قاسم البياتلي كتاب جديد عن منشورات «الهيئة العربية للمسرح/ الشارقة/ دولة الإمارات العربية المتحدة»، بعنوان: «كوميديا ديللارته وتقنيات فن الارتجال في المسرح». واستقى البياتلي عنوان كتابه الجديد، بمعناه الإجرائي، أي الكيفية التي يتم بها استخدام مجموعة من المعايير والإجراءات الملموسة التي تقوم بتنظيم نشاط ما: نشاط جسدي أو ذهني أو طريقة عمل في حقل ما، أو بمعنى الطريقة الجدلية في توظيف الطاقة الجسدية والذهنية في فن التمثيل المسرحي، وذلك بهدف توظيفه في دراسة إشكالية فن الارتجال في التمثيل من خلال علاقته بمعايير ملموسة، لكي يساعد على تجنب الكلام العمومي الضبابي حول الارتجال في عمل الممثل المسرحي، الذي سادت حوله آراء تبسيطية تعميمية خلطت بينه وبين مفهوم التلقائية والطبيعية، وربطته بالصدفة والسلوك الآني في المشهد، وكأنه نوع من الأداء من دون تحضير، أو كأنه عبارة عن عملية ابتكار شيء ما دون تفكير، أو حدوث شيء غير متوقع في أثناء التمثيل.
مقولة للبياتلي استهلَّ بها الكتاب، نقرأ فيها: «مصطلح الارتجال (إمبروفيزو) الذي يستخدم في اللغة الإيطالية (والذي جاء من اللغة اللاتينية) يشير إلى وقوع الشيء أو الحدث بشكل مفاجئ أو بشكل فوري، دون التفكير به. ولكن ينبغي ألا نعتمد المصطلح بمعناه اللغوي فقط، بل أن نعتمد معناه الإجرائي أيضاً، كفن له خصال تطبيقية، كما كان يستخدمه ممثل فرق الكوميديا التي يطلق عليها (ديللارته)، وكما نجده في الكتابات النظرية التي تركها لنا ممثلو كوميديا ديللارته. ولهذا ينبغي أن نفهم ونستوعب المفهوم في التطبيق العملي، وذلك لتفادي التعميم والكلام الهلامي الذي نجده في بعض الكتابات غير الدقيقة الصادرة باللغات الأوروبية (والمنقولة منها إلى اللغة العربية) التي تخلط بين مفهوم الارتجال بمعناه اللغوي، وبين الارتجال وتقنياته في عمل الممثل المحترف».
لكن ما إشكاليات فن الارتجال في عمل الممثل المسرحي المحترف؟ هذا هو السؤال الذي يشكل نقطة انطلاق دراسة الكتابات القديمة التي استطاع المؤلف الاطلاع عليها من عدة مصادر عن ممثلي «كوميديا ديللارته»، جنباً إلى جنب الدراسات الحديثة التي صدرت باللغة الإيطالية في بدايات القرن الماضي، والتي تناولت معطيات ومعالم «طريقة الارتجال» و«الكوميديا المرتجلة» التي تميز بها الممثل في مسرح القرن العشرين في أوروبا على وجه الخصوص.
وقد قام المؤلف بتوضيح الالتباس السائد حول طريقة الارتجال في عمل ممثلي «ديللارته»، ومفهوم الارتجال بشكل عام.
يقول البياتلي، موضحاً وجهة نظره بخصوص طريقة الكتابة، إن هذا قد اتضح له على الخصوص وهو يقرأ الجاحظ الذي قال عنه إنه خلصه من شعوره بالنقص، يوم أدرك أنه «لم يكن يستطيع، أو على الأصح لم يكن يرغب في، إنجاز كتاب، بمعنى استيفاء موضوع ما، والمثابرة عليه، والسير قدماً دون الالتفات يميناً أو يساراً. وقد أسس الجاحظ (حسب المؤلف) فن الاستطراد؛ أي فن الانتقال المفاجئ من موضوع إلى موضوع، من شعر إلى نثر، من موعظة إلى نادرة، من مَثَل إلى خطبة، من جّد إلى هزل. وإذا كان من اللازم تشبيهه بكاتب أوروبي، فلا يرى المؤلف في مقارنته أفضل من الفرنسي مونتيني الذي كان يكتب -على حد قوله- بـ(القفز والوثب). ولا أشك أنه كان يقرأ أيضاً بهذه الطريقة».
ويشتمل الكتاب على تمهيد وخمسة فصول وملحق: يتناول الفصل الأول ملامح تاريخية تُظهر جوانب من مسيرة عدة فرق كوميديا ديللارته. ويتناول الفصل الثاني بعض كتابات رجالات فرق «كوميديا ديللارته» التي تعكس رؤيتهم حول الارتجال في عمل الممثل في تكوين العرض المسرحي. ويتناول الفصل الثالث آليات العرض، واستراتيجية عمل ممثلي الفرق الكوميدية في التعامل مع إشكالية الدور والنموذج الذي يؤديه الممثل في العرض المسرحي. ويركز الفصل الرابع على توضيح معالم مفهوم الارتجال الفني وإجراءاته في فن المسرح. أما الفصل الخامس، فيتناول مسألة تعدد أنواع الارتجال الفني، سواء في عمل الممثل أو المخرج في المسرح الأوروبي الحديث. ويشتمل الملحق على ترجمة بعض المقاطع المقتطفة من كتابات ممثلي «كوميديا ديللارته» التي قام المؤلف بترجمتها من اللغة الإيطالية. ومن أجل مساعدة القارئ أو الباحث لمعرفة هيكيلية وطبيعة كتابة السيناريو، فقد وضع المؤلف في نهاية الكتاب بعض المصطلحات المتعلقة بالموضوع المطروح، إضافة إلى بعض المختارات من الصور لأعلام الممثلين من فرق مسرح «الكوميديا ديللارته»، وصور أخرى تعكس جوانب عملهم.
وللكاتب عدة مؤلفات عن المسرح، منها: الرقص في المجتمع الإسلامي، وحوارات حول المسرح، ودوائر المسرح، وذاكرة الجسد، وغروتوفسكي والمسرح، وغروتوفسكي بين العضوية والطقوسية (القاهرة)، ومفاهيم ومصطلحات مسرحية (2015)، ولغة الحركة والجسد وفن الممثل (الشارقة 2016)، والإخراج وفن المسرح (الأردن 2017). كما ترجم كتب إيوجينيو باربا: مسيرة المعاكسين، وزورق من الورق، وكتاب أسرار فن الممثل (2015)، وثلاثة نصوص كوميدية للمسرحي الإيطالي داريو فو (الحائز على جائزة نوبل).



أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.