{الصحة العالمية} تحذّر من عواقب {احتكار} اللقاحات

بلدان ثريّة تعد بتوزيع الفائض من الجرعات على البلدان المحتاجة

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال زيارته مركزاً للقاحات في بلدة بيتلي بمقاطعة وست يوركشاير أمس (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال زيارته مركزاً للقاحات في بلدة بيتلي بمقاطعة وست يوركشاير أمس (رويترز)
TT

{الصحة العالمية} تحذّر من عواقب {احتكار} اللقاحات

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال زيارته مركزاً للقاحات في بلدة بيتلي بمقاطعة وست يوركشاير أمس (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال زيارته مركزاً للقاحات في بلدة بيتلي بمقاطعة وست يوركشاير أمس (رويترز)

لم تكفّ منظمة الصحة العالمية على مدى الأشهر الماضية عن تحذير الدول الغنيّة من أن حملات التطعيم ضد {كوفيد - 19} لن تكون كافية وحدها للقضاء على الوباء بشكل نهائي ما لم توزّع اللقاحات في الوقت المناسب على جميع البلدان، ما يتيح استئناف النشاط الاقتصادي وإعادة الحياة إلى حركة التجارة والتنقلات الدولية. وفي أكثر من مناسبة، وجّهت المنظمة انتقاداتها للممارسات شبه الاحتكارية والمنافسة الشرسة بين الدول للحصول على كميات من اللقاحات غالباً ما تزيد على احتياجاتها، وكان آخرها ما جاء على لسان ماغاريت هاريس الناطقة باسم المنظمة التي اعترضت على قرار الاتحاد الأوروبي فرض رقابة على صادرات شركات الأدوية، حيث أشارت إلى أن هذا المنحى يبعث على القلق الشديد، ومن شأنه أن يهدّد الإمدادات العالمية باللقاحات وتوزيعها بشكل عادل بين الدول.
وتفيد آخر بيانات منظمة الصحة بأن البلدان الغنيّة التي يبلغ عدد سكانها 1236 مليون نسمة قد اشترت 4198 جرعة لقاح، بينما البلدان متدنية الدخل التي يبلغ عدد سكانها 3500 مليون نسمة اشترت 713 مليون جرعة تُضاف إليها 1110 ملايين جرعة ستحصل عليها عن طريق مبادرة {كوفاكس}، أي بمعدّل ثلاث جرعات ونصف الجرعة لكل مواطن في البلدان الغنية مقابل جرعة واحدة لكل مواطن في البلدان الفقيرة.
وكانت بلدان غنيّة، مثل بلدان الاتحاد الأوروبي، قد وعدت بتوزيع الفائض من لقاحاتها على البلدان المحتاجة، لكن في غضون ذلك تتنافس الدول في بازار اللقاحات الذي تغرف منه شركات الأدوية أرباحاً طائلة قد تتضاعف في القريب المنظور إذا تبيّن أن {كوفيد - 19} فيروس موسمي يحتاج إلى لقاح كل سنة.
وعلى قائمة ترتيب اللقاحات، تحتلّ إسرائيل المرتبة الأولى، حيث تمكّنت حتى الآن من تطعيم 46.6 في المائة من سكانها، تليها الإمارات العربية المتحدة التي طعّمت أكثر من 32 في المائة من السكان. وبين الدول الغربية تحتلّ بريطانيا المرتبة الأولى بنسبة 13.1 في المائة، تليها الولايات المتحدة بنسبة 8.9 في المائة. أما روسيا التي تنتج لقاحها الخاص وكانت أول دولة وافقت على استخدامه في الصيف الماضي، فهي لم تطّعم سوى 0.7 في المائة من سكانها.
ويقول أحد خبراء منظمة الصحة العالمية {إنها حرب تجارية وجيوسياسية مفتوحة وهي التي تحدّد من سيبدأ بالتلقيح ومتى}، مضيفاً أن الظافر الحقيقي فيها شركات الأدوية والفيروس الذي سيواصل انتشاره، وربما بسرعة أكبر بسبب ظهور طفرات جديدة، في غياب استراتيجية عالمية للتلقيح.
في القارة الآسيوية ستكون اليابان آخر الدول الصناعية الكبرى التي ستبدأ حملتها التطعيمية أواخر الشهر الجاري، وذلك لأسباب عدة منها إلزام شركات الأدوية بتقديم أدلّة على فاعلية لقاحاتها بين اليابانيين، وهذا ما تفرضه أيضاً كوريا الجنوبية. ويطرح التأخير في حملة التلقيح اليابانية علامات استفهام كبيرة حول مصير الألعاب الأولمبية المقرر أن تبدأ في 23 يوليو (تموز) المقبل، التي تؤكد اللجنة الأولمبية الدولية أنها ستجري في مواعيدها، بينما تدعو أوساط يابانية متزايدة إلى تأجيلها أو إلغائها.
الصين، من جهتها، تجهد لتحقيق الهدف الذي حددته بتطعيم 50 مليون شخص بحلول عيد رأس السنة القمرية الذي يصادف نهاية الأسبوع المقبل، حيث تشهد البلاد ذروة حركة التنقل الداخلي لمئات الملايين من السكان.
وتعتمد الصين بشكل أساسي على شركتي {سينوفاك} و{سينوفارم} اللتين تعهدتا إمداد عشرات الدول التي لم تتمكن من التعاقد على شراء اللقاحات الغربية.
أما القارة الأفريقية التي تواجه حالياً موجة وبائية ثانية أشد وطأة بكثير من الأولى، فهي تحتاج إلى 1500 مليون جرعة لقاح لتطعيم 60 في المائة من سكانها. لكن حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، لن تتمكّن الدول الأفريقية من تطعيم أكثر من 30 في المائة من سكانها بحلول نهاية العام المقبل، وبالتالي فإنها لن تصل إلى المناعة الجماعية قبل عامين أو ثلاثة. والدول الأفريقية الوحيدة التي بدأت حملات التطعيم هي سيشيل وموريشيوس والمغرب والجزائر، فيما تبدأ الدول الكبرى مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا حملاتها أواخر هذا الشهر، وبقية الدول أواسط الشهر المقبل. وتعتمد الدول الأفريقية في حملاتها على لقاح {أسترازينيكا} واللقاح الروسي {سبوتنيك} واللقاحات الصينية.
وفي أميركا اللاتينية، حيث تجاوز عدد الوفيات الناجمة عن الوباء 600 ألف ضحية، تواجه بلدان المنطقة حملات التطعيم في ظروف معقدة جداً بسبب ضعف أنظمتها الصحية وقدراتها اللوجيستية والتأخير في الحصول على الكميات الكافية من اللقاحات. ويشهد اللقاح الروسي {سبوتنيك} إقبالاً كبيراً عليه في هذه المنطقة، حيث باشرت باستخدامه بلدان مثل الأرجنتين والمكسيك اللتين تعاقدتا أيضاً مع شركة {أسترازينيكا} لإنتاج 250 مليون جرعة من لقاحها محلياً وتوزيعها على البلدان المجاورة. وفيما باشرت جميع بلدان المنطقة حملات التطعيم، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي تواجه بلاده أزمة معيشية وتموينية خانقة، اكتشاف {دواء عجائبي} ضد {كوفيد - 19}، لكن الأوساط العلمية سارعت إلى التحذير من استخدامه قبل التحقق من مواصفاته.
وفي الولايات المتحدة، أفادت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بأن عدد الذين تلقّوا اللقاح حتى الآن تجاوز 30 مليوناً منذ أن بدأت حملة التطعيم منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكن بتفاوت بين الولايات التي تتصدرها ألاسكا بنسبة 11 في المائة من سكانها مقابل 5 في المائة من سكان ألاباما. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة، التي انتقدت بشدّة سياسة الإدارة السابقة في إدارة الجائحة، تعهدت تلقيح ما لا يقلّ عن 100 مليون مواطن في الأيام المائة الأولى من ولاية الرئيس الجديد، وأعلنت انها ستلجأ إلى قانون الإنتاج الحربي الذي يعود لأيام الحرب الكورية لتلبية الاحتياجات من المستلزمات الطبية.
أما كندا فهي الدولة الأولى في العالم من حيث كميات اللقاحات التي اشترتها مقارنة بعدد السكان. ومن المقرر أن تحصل على 190 مليون جرعة لقاح، علماً بأن عدد سكانها لا يزيد على 40 مليوناً.
وفي الشرق الأوسط، تحتلّ ثلاثة بلدان من هذه المنطقة مراكز الصدارة في ترتيب دول العالم حسب وتيرة حملات التلقيح، حيث تأتي إسرائيل في المرتبة الأولى تليها الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية والبحرين في المرتبة الرابعة عالمياً. أما إيران التي منعت قيادتها استيراد اللقاحات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وأصرّت على تطوير وإنتاج لقاحها الذاتي، فقد اضطرت مؤخراً إلى تأجيل مشروعها واللجوء إلى استيراد اللقاح الذي يرجّح أن يكون من الصين.
وتنتظر أستراليا ونيوزيلندا وصول الدفعات الأولى من لقاح {أسترازينيكا} أواسط هذا الشهر للمباشرة بحملات التطعيم، علماً بأن الحكومة الأسترالية وقّعت عقداً مع الشركة البريطانية لإنتاج لقاحها في ملبورن، اعتباراً من نهاية الشهر المقبل. ومن المتوقع أن تبدأ نيوزيلندا حملة التطعيم في أبريل (نيسان) المقبل، وأن تبقى حدودها مغلقة حتى نهاية العام الجاري، كما قالت مؤخراً رئيسة الوزراء جاسيندا آرديرن.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».