«لقاء سري» بين مبعوث بوتين والأسد تناول ترتيبات سياسية وعسكرية

لافرينتييف و«جنرالات كبار» زاروا العاصمة السورية قبل التوجه إلى جنيف

لافرينتييف مع الأسد في دمشق في أكتوبر الماضي (الرئاسة السورية)
لافرينتييف مع الأسد في دمشق في أكتوبر الماضي (الرئاسة السورية)
TT

«لقاء سري» بين مبعوث بوتين والأسد تناول ترتيبات سياسية وعسكرية

لافرينتييف مع الأسد في دمشق في أكتوبر الماضي (الرئاسة السورية)
لافرينتييف مع الأسد في دمشق في أكتوبر الماضي (الرئاسة السورية)

المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، الذي يتردد على دمشق كثيراً، قام و«جنرالات كبار» بزيارة سرية إلى العاصمة السورية نهاية الأسبوع الماضي، والتقى الرئيس بشار الأسد. فلماذا لم تعلن موسكو ودمشق عن هذه الزيارة؟
حسب المعلومات المتوفرة، السبب المباشر كان له علاقة بانعقاد اجتماع اللجنة السورية في جنيف وكيفية ترميم الفجوة بين دمشق وموسكو. والسبب الأعمق، له علاقة بثبات تفاهمات إدلب وتعزيزها بترتيبات ميدانية لوقف التدهور العسكري جنوب سوريا وشمالها الشرقي، خصوصاً مع تسلم إدارة الرئيس جو بايدن وقرب «استحقاق» الانتخابات الرئاسية السورية منتصف العام، الذي تدعمه روسيا وتريده «منعطفاً» بعلاقة دمشق والخارج.

تطابق «الضامنين»
بعد لقائه الأسد في دمشق، توجه لافرينتييف إلى جنيف لمتابعة أعمال «الدستورية» ولقاء الطرفين الآخرين لـ«ضامني» آستانة، والمبعوث الأممي غير بيدرسن. كان لافتاً «مدى التطابق» بين «الضامنين» الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، خلال اجتماعهم في جنيف. تقييم المتحدثين الثلاثة لأعمال «الدستورية» كان واحداً، مفاده ضرورة الاستمرار في عملها رغم البطء وعدم تحقيق اختراق، وضرورة التمسك بـ«هذا الإنجاز السياسي» ورفض فرض أي برنامج زمني من الخارج على هذه «العملية، وهي ملكية سورية وبقيادة سورية». ليس جديداً التقارب بين روسيا وتركيا، لكن الجديد كان قرب التقييم التركي من قراءتهما. الاعتقاد السائد لدى دبلوماسيين غربين، أن الفجوة تضيق بين الأطراف الثلاثة مع تسلم الرئيس بايدن وقناعتهم أن فريقه داعم لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي بقيادة «وحدات حماية الشعب» الكردية.
قبل اجتماع «الضامنين» الثلاثة، حصل كل طرف على قراءة لنتائج الجولة الخامسة لـ«الدستورية». 5 أيام، كانت أشبه بـ«ندوة ثقافية» بين نشطاء وخبراء ومحللين، و«ليس تفاوضاً سياسياً». وفد الحكومة، كان يقول إنه «قبل الدخول في صياغة الدستور» لا بد من إجراء مزيد من «النقاش والإعداد» حول السيادة وحدودها والرموز الوطنية والعروبة وعلمانية الدولة واللامركزية الإدارية والموقف من «الاحتلالين التركي والأميركي». رئيسه أحمد الكزبري قدّم ورقة خطية بهذا المعنى هي نسخة مختصرة من ورقة قدّمها بالدورة السابقة. وفد «هيئة التفاوض» المعارضة، الذي فقد ممثلي «منصتي» القاهرة وموسكو، كان مستعداً للدخول في صياغة مبادئ الدستور والاتفاق على آليات العمل للجولات المقبلة. ورئيسه هادي البحرة، قدّم ورقة لـهذه «المبادئ».
المبعوث الأممي غير بيدرسن كان يراقب هذا الخلاف، ونقله إلى «الضامنين». لأول مرة اقترب بيدرسن، المعروف باختيار كلماته بدقة، من تحميل وفد الحكومة مسؤولة الفشل. قال علناً إنه أصيب بـ«خيبة» وإن الكزبري لم يقبل مقترحات البحرة. وكان لافتاً أن بيدرسن لم يعلن في ختام الجولة الخامسة موعد الجولة المقبلة بداية مارس (آذار)، لأنه يريد «ممارسة بعض الضغط» على موسكو ودمشق للوصول إلى «صفقة كاملة»، تتضمن موعد الجولة المقبلة، وآليات العمل وصياغة الدستور، وآلية التنسيق بين الكزبري والبحرة.

ترتيبات عسكرية
لافرينتييف، القادم من دمشق ولقاء الأسد، كان يتابع الفجوة السورية والتقارب الثلاثي. يعرف أن فرنسا تدفع لإعلان وفاة «اللجنة الدستورية». يعرف أن إدارة بادين ستدفع لـ«شرعنة سياسية» لحلفائها الأكراد، هو يعرف أن ضغوطاً تمارس على بيدرسن لفتح بوابات أخرى لتنفيذ القرار 2254. كان يتوقع أن «تلعب دمشق شكلياً بطريقة أفضل»، وكان هذا أحد أسباب زيارته لدمشق. لكن أغلب الظن، هناك أسباب أخرى يريدها الجيش الروسي وجنرالاته، تخص أموراً ميدانية.
خطوط التماس ثابتة في إدلب بفضل تفاهمات موسكو وأنقرة، لكن هناك 3 ملفات ميدانية ساخنة حالياً؛ درعا، السويداء، الحسكة. بالنسبة إلى الملف الأول، الخاص بالوضع في غرب درعا، سعى ضباط قاعدة حميميم بالتوسط بين «لجنة التفاوض» المحلية و«الفرقة الرابعة» بقيادة اللواء ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، للوصول إلى صيغة تحول دون اقتحام عسكري لطفس. جرت جولات وتأجلت المهلة برعاية روسية للوصول إلى صيغة في منطقة تخص التفاهمات الأميركية - الروسية التي وافقت عليها إسرائيل في منتصف 2018. تفاهمات ساهم مسؤولون في إدارة باراك أوباما بصوغها والتمهيد لها، هم الآن في إدارة بايدن.
يتعلق الملف الثاني بالوضع في السويداء. ليست المرة الأولى التي يحصل توتر في هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية. لكن اللافت هذه المرة هو خروجه إلى العلن بالتفاصيل، تسريبات من أن رئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي «وجّه إساءات» للزعيم الروحي للدروز بهجت الهجري. وتسريبات أخرى حول مطالبة الأخير بـ«اعتذار رسمي» وإقالة العلي، وعدم اكتفائه باعتذارات من مسؤولين محليين. اللافت، هو تسريب حصول اتصال بين الأسد والهجري. لم يعلن الخبر رسمياً من دمشق، لكن مواقع تواصل اجتماعي موالية لدمشق، أعلنت مساء الأحد، أن «السيد الرئيس اطمأن على صحة سماحة الشيخ الهجري، وأكد على اللحمة الوطنية وأن المسيء لا يمثل إلا نفسه». وأشارت إلى «إقالة العلي وتكليف العميد أيمن محمد بدلاً منه».
لم تعلن هذه التفاصيل رسمياً، لكن مصادر محلية في السويداء أشارت إلى بعد أوسع من التفصيل المحلي. هناك اعتقاد أن «مرونة دمشق وتظهير التوتر، جاءا بجهد روسي، يرمي إلى استمالة أهالي السويداء وفصائلها المحلية لإبعادهم عن إيران و(حزب الله) اللذين يعملان على الانتشار في أطراف المدينة». وهناك اعتقاد دبلوماسي، أن هذا يمس الصورة الأوسع الخاص بالعلاقة بين واشنطن وموسكو وتل أبيب والملف الإيراني.
أما الملف الميداني الثالث، فيخص التوتر شمالاً. قوات «الإدارة الذاتية» تحاصر «المربع الأمني» التابع لدمشق بالحسكة. قوات الحكومة ترد بمحاصرة جيوب الطرف الآخر في حلب، وخطوط في القامشلي. ضباط قاعدة حميميم، أيضاً، دخلوا على الخط. حققوا بعض الاختراقات التي تخص تبادل إطلاق موقوفين من «قسد» وقوات الحكومة، لكن الاستعصاء لا يزال قائماً لأنه يخص الصورة الأوسع، العلاقة بين موسكو وواشنطن وأنقرة، بعد وصول بايدن الذي يضم فريقه مغرومين بالأكراد، ومجروحين من روسيا، ومشككين بتركيا.
حسب اعتقاد مسؤولين غربين، هذه العناصر هي على الطاولة السورية - الروسية، وبعضها بحث خلال زيارة لافرينتييف، في وقت ظهرت أصوات أميركية تدعو لـ«انخراط مشروط» عبر مقاربة «خطوة من دمشق مقابل خطوة من واشنطن». دمشق التي تسعد للانتخابات الرئاسية تواصل تصعيد الخطاب ضد «قسد» من جهة، وضد العقوبات الغربية من جهة ثانية، وترمم علاقتها مع «حلفائها القدامى» من جهة ثالثة؛ حيث لوحظ إعلانها لتفاصيل اتصال وزير الخارجية فيصل المقداد بنظيره الصيني وانغ يي، و«إدانة الإجراءات الاقتصادية القسرية المفروضة بشكل غير شرعي».



مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.


اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.