الليبيون يستعجلون «عودة الدولة» لإصلاح ما دمرته الحرب والإرهاب

آمال بإنشاء بنية تحتية جديدة... وتحديث شبكات الصرف الصحي

الليبيون ينتظرون عودة الاستقرار السياسي لإصلاح ما دمرته الحرب (أ.ف.ب)
الليبيون ينتظرون عودة الاستقرار السياسي لإصلاح ما دمرته الحرب (أ.ف.ب)
TT

الليبيون يستعجلون «عودة الدولة» لإصلاح ما دمرته الحرب والإرهاب

الليبيون ينتظرون عودة الاستقرار السياسي لإصلاح ما دمرته الحرب (أ.ف.ب)
الليبيون ينتظرون عودة الاستقرار السياسي لإصلاح ما دمرته الحرب (أ.ف.ب)

يعبر جل الليبيين عن رضاهم عن الاستقرار النسبي الذي تتجه إليه البلاد بعد اشتباكات دامت قرابة 10 أعوام، آملين في عودة مؤسسات الدولة للعمل سريعاً على إصلاح ما دمرته الحرب و«الجماعات الإرهابية»، سواء في شرق البلاد أو غربها.
وقال عميد بلدية طرابلس، عبد الرؤوف بيت المال، إن الحرب دمرت أغلب البنيات التي كانت موجودة منذ عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، مبرزاً أن محاولات الإعمار التي جرت بعد ذلك «كانت قليلة، خاصة في ظل الاشتباكات المتواصلة، وتدخل كثير من الدول بأسلحتها وطائراتها، وهو ما أعاق عمليات بناء الأبراج السكنية والتجارية، أو تدشين حدائق ومتنزهات، وإن كانت هناك محاولات بسيطة للإعمار في العاصمة، لكنها تبقى فردية، وتتم دون خطة عامة لإعادة الوجه الحضاري المميز لأحياء العاصمة. لكننا نعمل على تأمين استقرار خدمات شبكات المرافق العامة، رغم غياب الاهتمام بصيانتها خلال السنوات العشر، لعدم وجود ميزانية».
وفيما يعلق كثير من الليبيين آمالهم على إنجاح المسار السياسي الذي ترعاه البعثة الأممية لإجراء الانتخابات، مما يمكن من البدء في ترميم وإنشاء بنية تحتية جديدة، أوضح فيصل بن دردف، عضو مجلس إدارة جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق التابع لوزارة الإسكان والتعمير بحكومة «الوفاق»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك أحياء داخل العاصمة طرابلس لا تمتلك إلى الآن شبكات صرف صحي. كما أن مناطق الجبل الغربي تعاني من المشكلة ذاتها، وتفتقر لشبكات المياه.
ولفت بن دردف كذلك إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تؤرق سكان العاصمة لأسباب كثيرة، أبرزها عدم إجراء الصيانة الدورية، مما يتسبب في تعطيل مناحي الحياة هناك، خاصة في بعض المستشفيات.
وأوضح بن دردف أن سنة 2008 شهدت انطلاق برنامج عمراني واسع، وتوقيع تعاقدات لتشييد بنية تحتية لنحو 71 مدينة، لكن مع اندلاع الصراع المسلح، غادرت الشركات الأجنبية التي كانت ستعمل على تنفيذ هذه الإنشاءات، كما توقف إنتاج وتصدير النفط على مدار السنوات الماضية، وبالتالي تضررت الميزانية العامة للبلاد، وبات من الصعب ترميم ما دمرته الحروب والصراعات المسلحة التي شهدتها أكثر من مدينة منذ عام 2014.
وأبدت عدة الدول، خصوصاً دول الجوار الليبي، استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار البلاد من خلال القطاع الخاص، حال عودة الاستقرار السياسي والأمني هناك، وتوقع خبراء ليبيون معنيون بملف الاقتصاد تجاوز هذه الإنشاءات 100 مليار دولار.
وفي سياق ذلك، قال رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي، صقر بوجواري، إن معدل البناء في المدينة لا يتناسب مع ما تعرضت له من تدمير خلال معارك تحريرها من قبضة الجماعات الإرهابية التي استمرت 3 سنوات، مبرزاً أن «الجماعات الإرهابية تحصنت وسط المدينة، مما أدى إلى تدميرها بشكل كلي قرب الجزء البحري، والآن يحاول المجلس إعادة إمداد باقي المناطق التي تضررت بشكل جزئي بالمرافق الأساسية، من مياه وكهرباء، مع البدء في صيانة الطرق والأبراج وأعمدة الإنارة والمدارس والمتنزهات، لكن بوتيرة بطيئة نظراً لعدم توافر الميزانية لدى الحكومة المؤقتة».
ولفت رئيس المجلس إلى «تعمد الإرهابيين آنذاك تدمير المعالم الحضارية في بعض المسارح والأسواق القديمة، بالإضافة إلى تحطيم كثير من المباني التي شيدت على الطراز الإيطالي، مثل منارة بنغازي الشهيرة».
وبخصوص الشكل المعماري الذي يتم العمل عليه حالياً، قال بوجواري إن «القطاع الخاص وبعض الأفراد يشيدون المباني وفقاً لاختياراتهم، لكننا نستهدف أن تخضع عملية إعادة الإعمار بالمنطقة البحرية لنسق معماري جمالي موحد، وقد وضعنا بالفعل خططاً لتنفيذ ذلك».
وتوقع بوجواري أن يسهم توحيد الدولة في توفير الموارد المالية لاستكمال المشروعات التي بدأها نظام القذافي في نهاية سنوات حكمه، بقوله: «نأمل في استكمال بناء ما يقرب من 200 ألف وحدة سكنية بإقليم برقة (بنغازي)، سيكون نصفها تقريباً من نصيب بنغازي، فضلاً عن استكمال المدينة الرياضية التي لم ينجز من بنائها سوى 28 في المائة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.