رحيل ميشال المر «صانع الرؤساء»

«رئيس السن» في البرلمان اللبناني فارق الحياة عن عمر ناهز التسعين

المر مترئساً الجلسة الأولى لمجلس النواب الحالي
المر مترئساً الجلسة الأولى لمجلس النواب الحالي
TT

رحيل ميشال المر «صانع الرؤساء»

المر مترئساً الجلسة الأولى لمجلس النواب الحالي
المر مترئساً الجلسة الأولى لمجلس النواب الحالي

لم يقوِ «رئيس السن» في البرلمان اللبناني النائب ميشال المرّ على مقاومة فيروس «كورونا» الذي أصابه قبل أسابيع مسبباً له مضاعفات صحية، وهو الذي عانى صراعاً مع المرض، ففارق الحياة، صباح أمس، عن عمر يناهز التسعين عاماً وحياة سياسية «صاخبة» ترك بها بصماته في أبرز المحطات اللبنانية.
وفي موازاة عمله البرلماني، حظي «أبو إلياس» بمناصب وزارية عدّة، إضافة إلى منصبي نائب رئيس الحكومة (بين عامي 1990 و2000) ونائب رئيس البرلمان (عام 2004)، إضافة إلى ترؤسه لجاناً وزارية ذات طابع مالي واقتصادي ومشاركته ضمن أعضاء هيئة الحوار الوطني التي أطلقها رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان الذي كان للمر إسهام بوصوله إلى رئاسة الجمهورية، على غرار كل من الرؤساء إلياس سركيس صديقه المقرب، وبشير الجميل الذي لعب دوراً في إيصال النواب إلى قاعة الانتخابات عام 1982، وإلياس الهراوي، وإميل لحود الذي صاهره بزواج ابنته من نجله النائب إلياس، قبل أن يفترق عنه في نهاية ولايته ويفترق الابن والابنة بالطلاق. ويقال إن للمر دوراً في انتخاب الرئيس ميشال سليمان أيضاً الذي كان آخر من ساهم في إيصالهم المر، لينال لقب «صانع الرؤساء».
علاقاته السياسية تقلّبت بين التحالف حيناً والخصومة حيناً آخر، فارضاً نفسه زعيماً لمنطقة المتن الشمالي في جبل لبنان لسنوات طويلة؛ حيث كانت لناخبيه الكفة الأساسية في ترجيح نتائج انتخابات المنطقة التي كرّس فيها كزعيم أرثوذكسي لمنطقة ذات أغلبية مارونية في غياب كبير للزعماء المسيحيين في فترة ما بعد الحرب اللبنانية، وتحديداً تلك التي امتدت من بداية التسعينات حتى العام 2005.
مع العلم أنه في العام 1985، خلال الحرب اللبنانية كان للزعيم الأرثوذكسي أيضاً دور في توقيع الاتفاق الثلاثي اللبناني في دمشق، بين أبرز القوى المتصارعة آنذاك، نبيه بري، كرئيس لحركة «أمل»، ووليد جنبلاط، رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وإيلي حبيقة عن حزب «القوات اللبنانية».
وتعرض المر، لمحاولة اغتيال في التسعينات، كما تعرض نجله إلياس لمحاولة مماثلة في العام 2005، بدوافع يعتقد أنها مختلفة، فالأب كان حينها معروفاً بعلاقته المميزة مع الرئيس السوري حافظ الأسد. أما قضية الابن فهي حاضرة أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت بعد اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري.
بدأ المهندس ميشال المر المعروف في لبنان بـ«أبو إلياس» حياته السياسية باكراً بعدما كان قد دخل عالم الأعمال إثر تخرجه من الجامعة عام 1955 من خارج لبنان في عدد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا حيث أسس شركات أشغال عامة حققت نجاحاً واسعاً.
طريق دخوله المعترك السياسي لم يكن معبداً في البداية، إذ لم يحالفه الحظ في دورتين متتاليتين عامي 1960 و1964. قبل أن يدخل للمرة الأولى إلى مجلس النواب عام 1968 ضمن لائحة سياسية تحالفية.
وبعد اتفاق الطائف عام 1990، عُيّن نائباً عن مقعد الروم الأرثوذكس في عاليه، لتكرّ سبحة فوزه في الانتخابات مكرساً حالة سياسية في منطقة المتن حيث كانت له على امتداد دورات انتخابية عدة كتلة نيابية، واستمر عضواً في البرلمان حتى وفاته.
وكانت معركته الانتخابية الأخيرة في 2018 قاسية نتيجة انفراط عقد تحالفاته، وإعادة خلط التحالفات السياسية التي توزعت حينها في المتن على 4 لوائح، اللائحة المدعومة من «التيار الوطني الحر» ولائحة «حزب الكتائب» ولائحة «القوات اللبنانية»، إضافة إلى لائحة «المجتمع المدني».
وصول «الحالة العونية» إلى لبنان عام 2005 حرم المر من كتلته البرلمانية، بعد أن اضطرته إلى الدخول في تحالف ضرورة مع رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون وفريقه، ليصبح نائباً في تكتله، إنما لفترة قصيرة عاد بعدها المر إلى «المربع الأول». لكن الحالة العونية لم تستطع أن تنهي المر سياسياً، فهو استطاع في حملته الانتخابية التي حملت عنوان «المتن ما بيتنكّر، المتن بيتذكّر» أن يحتفظ بمقعده الوحيد في البرلمان، بحصوله على أعلى رقم بين الأصوات التفضيلية التي توزعت بين المرشحين الأرثوذكس في المتن، وهذا ما شكل مفاجأة لافتة في مواجهة معركة إسقاطه، فيما رأى فيها البعض نتيجة طبيعية لتاريخه السياسي وخدماته في المنطقة طوال عشرات السنوات. علماً بأن المر ما زال حتى اليوم يحظى بغالبية بلديات المتن الشمالي الذي ترأس ابنته ميرنا اتحاده منذ سنوات.
ولم تخلُ مسيرة ميشال المر، كما غيره من السياسيين في لبنان، من الممارسات التي طرحت حولها علامات استفهام كثيرة، ولا سيما جمعه بين المال والسلطة، إضافة إلى حملات التجنيس التي قام بها خلال توليه وزارة الداخلية عام 1994 وشملت مئات السوريين لينتخبوا في منطقة المتن الشمالي؛ حيث يخوض معاركه الانتخابية.



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.