تركيا على وقع «تسخين سياسي مبكر» قبل انتخابات 2023

تراشق حاد واتهامات متبادلة بين إردوغان والمعارضة.. والانتخابات المبكّرة ورقة للتجاذب

تركيا على وقع «تسخين سياسي مبكر» قبل انتخابات 2023
TT

تركيا على وقع «تسخين سياسي مبكر» قبل انتخابات 2023

تركيا على وقع «تسخين سياسي مبكر» قبل انتخابات 2023

تشهد تركيا صراعاً ساخناً مبكراً، يسبق بأكثر من سنتين الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو (حزيران) 2023، ومعه يتصاعد الحراك السيسي على جبهتي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان وأحزاب المعارضة وسط توترات وانشقاقات وضغوط من أجل التوجه إلى الانتخابات المبكرة.
في هذا الجو باشر إردوغان وحزبه مراجعة ملفات السياسة الخارجية التي تسببت في العديد من المشاكل لتركيا، ولا سيما، في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية تلقي بظلالها على الواقع السياسي. وانعكس هذا في استدارة ملحوظة لتخفيف التوتر مع الاتحاد الأوروبي في ظل ترقب لنهج إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن تجاه أنقرة.
وفي المقابل ترتفع أصوات المعارضة مطالبة بانتخابات مبكرة بحجة انسداد الأفق وعجز حكومة إردوغان عن حل مشاكل البلاد، وبخاصة الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع تطبيق النظام الرئاسي الذي منحه صلاحيات واسعة، والتي انعكست في انهيار الليرة التركية وتصاعد معدلات التضخّم والبطالة. وبينما ترى المعارضة في الانتخابات المبكرة فرصة للخلاص من حكم «العدالة والتنمية» المستمر منذ 19 سنة، يرفضها إردوغان، ولا يرى ما يبررها.

عمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال الأشهر الأخيرة على تصعيد التوتر مع المعارضة مركزا حملته، بصفة أساسية، على أكبر أحزابها، حزب «الشعب الجمهوري» ورئيسه كمال كليتشدار أوغلو، عبر جملة من الاتهامات بالفشل وتورط أعضاء بارزين في الحزب بفضائح تحرش، وصولاً إلى دعم الإرهاب والتقارب مع حزب «الشعوب الديمقراطية» المؤيد للأكراد، الذي يتهمه إردوغان بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية.
في المقابل، يهاجم كليتشدار أوغلو، وباقي قادة أحزاب المعارضة، إردوغان ويتهمونه بالفساد والإسراف ويحملونه المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية التي حلّت بالبلاد نتيجة تسليمه ملف الاقتصاد إلى صهره برات ألبيراق، وزير الخزانة والمالية السابق الذي أجبر على الاستقالة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
كليتشدار أوغلو انتقد أخيراً «الانتقاد الوحشي» الذي يتعرض له حزبه من قبل «العدالة والتنمية» متهماً حزب إردوغان باستهداف «الشعب الجمهوري» طيلة السنوات الـ19 الأخيرة، وتسبب في تردي الأحوال الاقتصادية للشعب، لدرجة أنهم باتوا يجمعون الطعام من صناديق القمامة. وقال إن معارضته لسياسات إردوغان ليست من أجل تحقيق مكاسب شخصية، فـ«نحن لا نقاتل من أجل القصور، نحن نكافح من أجل بلادنا، وحل مشاكل الشعب، بينما يعمل إردوغان لصالح المرابين في الخارج».
وحقاً، اتّسع حراك أحزاب المعارضة التركية بهدف تشكيل تحالف واسع يواجه «تحالف الشعب» المؤلف من حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم و«الحركة القومية» برئاسة دولت بهشلي. ودخل «الشعوب الديمقراطية»، الذي يعد ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، على الخط بطلب لقاءات مع قادة أحزاب المعارضة لبحث مشاكل تركيا الأساسية، بينما يواصل إردوغان مساعيه لضم أحزاب أخرى إلى تحالفه مع «الحركة القومية». فقد طلب الرئيسان المُشاركان لحزب «الشعوب الديمقراطية» بروين بولدان ومدحت سنجار عقد لقاءات مع رؤساء أحزاب «الشعب الجمهوري»، و«الديمقراطية والتقدم» الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، و«المستقبل» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، و«السعادة» الذي يرأسه تمل كرم الله أوغلو، الذي بادر بتحديد موعد للقاء يعقد (الاثنين).

- حراك التحالفات
هذا، وأطلقت أحزاب المعارضة التركية منذ أشهر حركة زيارات متبادلة شملت بصفة أساسية أحزاب «الشعب الجمهوري» و«الجيد» (وهما الشريكان في «تحالف الأمة») و«الديمقراطية والتقدم» و«السعادة»، إلا أنها استثنت في البداية «الشعوب الديمقراطية» الذي يواجه اتهامات من جانب الرئيس إردوغان وحليفه «القومي» بهشلي، بدعم الإرهاب وبأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور. وأجريت هذه اللقاءات لتبادل وجهات النظر حول المشاكل الرئيسية للبلاد و«جسّ النبض» حول التعاون المستقبلي.
عملياً دعم «الشعوب الديمقراطية» تكتل «تحالف الأمة» (المناوئ لإردوغان) في الانتخابات المحلية خلال نهاية مارس (آذار) 2019 التي تكبد فيها «العدالة والتنمية» الحاكم خسائر ضخمة، وفقد فيها كبريات المدن التي سيطر عليها باستمرار، وعلى رأسها إسطنبول وأنقرة. ومن ثم، بعثت مختلف الأحزاب برسائل إيجابية على مدى الشهور الماضية بشأن الحوار والتنسيق مع حزب «الشعوب الديمقراطية»، بدأت من «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، وامتدت إلى حليفه حزب «الجيد» المحسوب على التيار القومي والذي ترأسه السياسية المخضرمة ميرال أكشينار، مرورا بـ«الديمقراطية والتقدم» و«المستقبل» - أحدث حزبين خرجا من رحم «العدالة والتنمية» - ومن حزب «السعادة» ذي الجذور الإسلامية.
وقرّرت قيادة «الشعوب الديمقراطية»، الذي بات مستهدفاً بدعوات لإغلاقه كرّرها غير مرة بهشلي، حليف إردوغان، اتخاذ خطوات ومبادرات لتوسيع أرضية الحوار مع أحزاب المعارضة. وفي هذا السياق، طلب بولدان وسنجار، مواعيد من الأحزاب الأربعة (الشعب الجمهوري، الديمقراطية والتقدم، المستقبل، السعادة)، ولم يطلب الحزب لقاء مع أكشينار نظرا للحساسيات بين القوميين والأكراد، وإن كانت أكشينار قد أعلنت أخيراً استعدادها لاستقبال الرئيس المشارك السابق للحزب صلاح الدين دميرطاش رداً على رسالة بعث بها من داخل محبسه متسائلاً فيها «هل لو طرقتك بابك يوماً ذات صباح لتناول الشاي، هل ستسمحين» وردّت «بالطبع سأستقبلك».
في أي حال، يسود الاعتقاد في الأوساط السياسية التركية بأن هذه اللقاءات والزيارات هدفها التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو (حزيران) 2023، أو احتمالات التوجه إلى الانتخابات المبكرة، والخروج بتوافق بين أحزاب المعارضة وتشكيل تحالف واسع منها لمواجهة تحالف إردوغان - بهشلي. وفي الوقت نفسه، يسعى إردوغان بدوره لضم أحزاب أخرى له حيث عقد لقاءات مع قيادات من حزب «السعادة» ورؤساء أحزاب «الوحدة الكبرى» و«الديمقراطي» و«اليسار الديمقراطي» في محاولة لإقناعهم بالانضمام إلى تحالفه «تحالف الشعب» قبل الانتخابات المقبلة.
المراقبون يتوقّعون الآن أن يعلن حزبا «الشعب الجمهوري» و«الجيد الشريكان» في « تحالف الأمة»، خلال أيام، عن مقترحات بشأن حل المشاكل القائمة، والعودة إلى النظام البرلماني بعد تعزيزه، وذلك بسبب المشاكل التي نجمت عن النظام الرئاسي منذ تطبيقه عام 2018 وتأثيره السلبي على الاقتصاد وعلاقات تركيا بالخارج. وبالإضافة إلى خطة العمل مع الأحزاب، ستبحث احتمالات تشكيل تحالف واسع صدرت إشارات بشأنه عن كليتشدار أوغلو وأكشينار عدة مرات. وفي حين يدور حديث عن تشكيل تحالفات مختلفة يبدو أن هناك ميلا من أحزاب المعارضة إلى توسيع «تحالف الأمة» الحالي لأن هذا هو الطريق المضمون في حال رغبت المعارضة في إزاحة إردوغان وحزبه من السلطة.

- الانتخابات المبكرة
جدير بالذكر، أن المعارضة تعمدت «تسخين الأجواء» بمطالبتها بالانتخابات المبكرة، لرغبتها في انتهاز الأوضاع الراهنة التي يعاني فيها الاقتصاد التركي بشدة، ويواجه الأتراك أوضاعا اقتصادية تذكّرهم بالأزمة التي عاشوها عام 2001 قبل صعود «العدالة والتنمية» إلى سدة الحكم.
ولكن، كما سبقت الإشارة، رداً على مطالبات المعارضة المتصاعدة بالانتخابات المبكرة، أكد إردوغان أن هذا الأمر غير وارد، وأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجرى في موعدها المقرر في يونيو 2023، وتابع أن «على من يطالبون بالانتخابات المبكرة الانتظار على الأبواب» حتى يونيو 2023، مضيفاً أن الانتخابات المبكرة حلم للمعارضة، وهي تخالف الديمقراطية.
ومما قاله إردوغان «لن نجري انتخابات مبكرة في أي حال من الأحوال... إجراء انتخابات مبكرة أمر غير وارد ولا نقاش فيه. الانتخابات المبكرة مطلب وحلم الأحزاب السياسية المعارضة، التي لم تستقر بعد، في إشارة إلى حزبي (الديمقراطية والتقدم) الذي أسسه نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان في مارس الماضي و(المستقبل) الذي أسسه رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو في ديسمبر (كانون الأول) 2019 بعد انشقاقهما عن (العدالة والتنمية) الحاكم، ولن نحقق لهم هذا الحلم، فهم يخشون ما يمكننا تحقيقه... نحن لسنا في عجلة من أمرنا».
على هذا الكلام، رد «الشعب الجمهوري» لافتاً إلى «أن الشعب هو من ينتظر على الأبواب من أجل أن ينهي حكمه (أي إردوغان) الذي قاد البلاد إلى أزمة اقتصادية لم تشهدها من قبل بسبب سياساته». وللتذكير، سبق أن لجأ إردوغان إلى الانتخابات المبكرة في أول نوفمبر 2015 بعد إخفاق حزبه في تحقيق الغالبية التي تمكّنه من الحكم منفردا في الانتخابات التي أجريت في 7 يونيو من العام ذاته. ثم أجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مبكرا عن موعدها أيضا في 24 يونيو 2018، لاستعجال تطبيق النظام الرئاسي الذي وسع من صلاحياته بشكل غير مسبوق.

- تراجع حزب إردوغان
استطلاعات الرأي، التي أجريت في تركيا على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، تظهر حالياً أن فرصة إردوغان في الفوز بالرئاسة تبدو ضعيفة جدا بعد ظهور الكثير من المنافسين الأقوياء له، في مقدمتهم منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول المنتمين إلى حزب «الشعب الجمهوري»، وارتفاع شعبية أكشنار رئيسة حزب «الجيد»، فضلا عن دخول باباجان وداود أوغلو السباق كمنافسين لرفيقهما السابق. وتظهر الاستطلاعات أيضاً تراجع نسبة تأييد «العدالة والتنمية» الحاكم و«تحالف الشعب» الذي يضمه و«الحركة القومية». وأن نحو نصف الناخبين الأتراك باتوا يؤيدون إجراء انتخابات مبكرة.
في هذه الأثناء، يعقد إردوغان منذ أسابيع لقاءات مع قادة الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي وتياري اليمين واليسار المعتدل، وهي في المجمل أحزاب صغيرة، لإقناعهم بالانضمام إلى «تحالف الشعب» بقيادته لتعزيز فرصته في الانتخابات المقبلة، كما استأنف إردوغان منذ أسبوعين عقد مؤتمرات فروع حزبه في أنحاء البلاد عبر «الفيديو كونفرنس» تمهيدا للمؤتمر العام في مايو (أيار) المقبل في مسعى لتقوية قواعد الحزب قبل المؤتمر العام. كما أعلن إردوغان مراراً عن حزمة إصلاحات قانونية واقتصادية جديدة يقول إنها ستنقل البلاد إلى مرحلة جديدة.

- تحول في السياسات
أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد بدأت حكومة إردوغان التلويح بتغيير السياسة الخارجية لتصبح أكثر توافقية، عبر فتح صفحات جديدة وتسوية الأزمات مع بعض الدول التي قادت إلى عزلة تركيا في محيطها. وجرى رصد استدارة جديدة من إردوغان نحو الغرب عقب قمة قادة الاتحاد الأوروبي في 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين بدأ يردد على مدى أسابيع رغبته في فتح صفحة جديدة في علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي، وإنهاء التوتر مع اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. أما الحديث عن إصلاحات قانونية تفضي إلى تعزيز دولة القانون والحريات في تركيا، فهو تطور اعتبره المراقبون استباقاً من الرئيس التركي لضغوط منتظرة من إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الذي لا يبدي ارتياحا لسجل حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في تركيا تحت حكم إردوغان.
معلومٌ أن إردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو قادا حملة دبلوماسية مكثفة على مدى الأسابيع الماضية غايتها إقناع الاتحاد الأوروبي برغبة أنقرة في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع التكتل تتجاوز ملفات التوتر الذي بلغ ذروته عام 2020، وكان الاتحاد الأوروبي قد اختار نهج الانتظار والترقب مع تركيا بعدما قرّر وزراء خارجيته، خلال اجتماعهم في بروكسل الاثنين الماضي، تأجيل إعلان العقوبات عليها بسبب أنشطة التنقيب «غير القانونية» عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط. ولقد برروا هذا التأجيل بما قالوا إنه «تطوّرات إيجابية» في إشارة إلى استئناف المباحثات الاستكشافية بين تركيا واليونان، في اليوم ذاته. لكن مصادر دبلوماسية يونانية ترى استئناف التباحث بأن تركيا وسيلة تتخذها وسيلة لإقناع الاتحاد الأوروبي بالتخلي عن العقوبات المقرر إعادة تقييمها في القمة الأوروبية المقبلة خلال مارس المقبل.
المصادر المذكورة كشفت عن أن أثينا حددت خلال الجولة 61 من المباحثات الاستكشافية التي عقدت في إسطنبول، أول من أمس بعد حوالي 5 سنوات من التوقف، المجالات التي تريد أن ترى تقدما ملموسا فيها. وأبرزها، تحديداً، إنهاء الاستفزازات التركية في بحر إيجة، ووقف تهديد أنقرة بالحرب - خاصة، أنه سبق لأنقرة أن أعلنت أن توسيع اليونان مياهها الإقليمية في بحر إيجة سيكون «سببا للحرب» - والتزام تركيا بالقانون الدولي فيما يتعلق ببحر إيجة والجرف القاري والمناطق الاقتصادية في شرق البحر المتوسط. ووصفت المصادر، بحسب ما نقلت صحيفة «كاثيميريني» استئناف المباحثات بأنه «تطور حاسم». وأشارت إلى أن تركيا تولي أهمية كبيرة لهذه المباحثات التي ترى فيها وسيلة لإقناع الاتحاد الأوروبي بإلغاء عقوباته عليها بسبب أنشطتها غير القانونية في شرق المتوسط أو إرجائها لأمد طويل.
هذا، واتفق الجانبان على إجراء جولة المباحثات المقبلة في العاصمة اليونانية أثينا من دون إعلان موعدها. إلا أن المصادر الدبلوماسية اليونانية قالت إن الاجتماع المقبل سيعقد في أثينا في نهاية فبراير (شباط) أو أوائل مارس، وأردفت «سيكون بالتأكيد قبل قمة الاتحاد الأوروبي لأنه يهدف إلى إيصال رسالة، لا سيما من جانب تركيا، مفادها أن البلدين يواصلان التقدم في تطوير العلاقات الجيدة».
ومن جهته، يرغب الاتحاد الأوروبي في أن يرى ترجمة أقوال تركيا إلى أفعال تدل على مصداقيتها في فتح صفحة جديدة في العلاقات، كما عبر عن ذلك مسؤولوه، وفي مقدمتهم المنسّق الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد جوزيب بوريل. وأميركياً، في أول مؤشر واضح على نهج الإدارة الأميركية الجديدة تجاه تركيا، أصدرت إدارة الرئيس جو بايدن أول تصريحاتها بشأن تركيا، الأسبوع الماضي. وركزت على قضايا الحريات وحقوق الإنسان، داعية حكومة إردوغان إلى احترام قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والإفراج عن معتقلين بارزين.
وعلقت وزارة الخارجية الأميركية على أوضاع الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك السابق لـ«الشعوب الديمقراطية»، ورجل الأعمال الناشط البارز عثمان كافالا، الذي أُلغي حكم براءته الصادر في فبراير الماضي، ومن ثم اعتُقل بتهمتي التجسس ودعم محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 فقال إن واشنطن تواصل «متابعة هذه القضايا من كثب. ما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء هذا، ونواصل حث تركيا على احترام هذه الحريات الأساسية وتقديم هذه القضية إلى حل سريع وعادل».

- خريطة جديدة للأحزاب في تركيا تغيّر تركيبتها السياسية
شهدت خريطة الأحزاب السياسية في تركيا تغييرا كبيرا خلال عام 2020 يتوقع أن يلقي بظلاله على انتخابات العام 2023، إذ أعلن عن تأسيس 27 حزبا سياسيا جديدا ليرتفع عدد الأحزاب السياسية إلى 107 أحزاب.
الأحزاب الجديدة خطفت الأضواء في الشارع التركي، وعلى رأسها حزب «الديمقراطية والتقدم» برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، الذي أسس في مارس 2020 و«المستقبل»، برئاسة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي الأسبق الذي أسس في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ولقد زاد «المستقبل»، الذي كان يضم 14 ألفا و986 عضوا في 11 نوفمبر 2020 عدد أعضائه بمقدار 3 آلاف و295 عضوا، ليبلغ إجمالي عدد أعضائه 18 ألفا و281 عضوا في نهاية العام 2020. وزاد حزب باباجان، الذي كان يضم 9531 عضوا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عدد أعضائه بمقدار 6331 إلى 15862 عضوا.
في المقابل، صار حزب «العدالة والتنمية»، برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، مجبرا على توسيع تحالفه «تحالف الشعب» مع «الحركة القومية» في الانتخابات المقبلة والحصول أكثر من حزب، لأن الأحزاب الجديدة وخصوصا حزبي باباجان وداود أوغلو ستؤثر بالسلب على نسبة مؤيديه.
من جهته، يواجه حزب «الشعب الجمهوري»، أقدم أحزاب تركيا، تهديداً جدياً بسبب الانشقاقات التي حثت في صفوفه وخروج 3 أحزاب من عباءته هي «التجديد» الذي أسسه نائب رئيس الحزب السابق أوزتورك يلماظ، و«التغيير» الذي أسسه مصطفى صاري غل، و«وطن» الذي أعلن القيادي البارز مرشح الرئاسة السابق محرم إنجة عن إطلاقه قريباً. وسيكون هذا الأخير هو الأخطر تأثيراً على نسبة تأييد «الشعب الجمهوري» - الذي ينخرط في «تحالف الأمة» مع حزب «الجيد» برئاسة ميرال أكشنار – مع أن هذا التحالف قادر على تعويض ذلك بضم أحزاب معارضة قوية أخرى.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.