لويد أوستن يدخل التاريخ كأول وزير دفاع أسود في الولايات المتحدة

يلقب بالجنرال «غير المرئي» ولا يحب التحدث مع الإعلام في الشؤون العسكرية

لويد أوستن يدخل التاريخ كأول وزير دفاع أسود في الولايات المتحدة
TT

لويد أوستن يدخل التاريخ كأول وزير دفاع أسود في الولايات المتحدة

لويد أوستن يدخل التاريخ كأول وزير دفاع أسود في الولايات المتحدة

دخل الجنرال المتقاعد لويد أوستن، يوم 22 يناير (كانون الثاني) الحالي، التاريخ كأول وزير دفاع للولايات المتحدة الأميركية من أصول أفريقية. واعتبر تعيين أوستن في هذا المنصب إنجازاً جديداً في الجهود التي تبذلها المؤسسة السياسية الأميركية لنزع صفة التفرقة العنصرية، ليس فقط في الدوائر السياسية، بل والعسكرية، وترجمتها في أكبر وأقوى جيش في العالم. وأيضاً، جاء تعيين أوستن تنفيذاً لوعد انتخابي قطعه الرئيس الأميركي الديمقراطي الجديد جو بايدن، بأن يقدّم إدارة هي الأكثر تنوعاً عرقياً وجنسياً في تاريخ الإدارات الأميركية.
بايدن كان يعلم أن اختياره لأوستن سيحظى بموافقة مجلس الشيوخ، على الرغم من التحفظ الذي يثيره عادة قرار تعيين عسكري لم يمضِ على خروجه من الخدمة 7 سنوات في منصب مدني، خصوصاً على رأس المؤسسة العسكرية. وقال بايدن خلال الإعلان عن ترشيح وزيره الجديد «لقد رأيته يقود القوات الأميركية المقاتلة في ميدان المعركة. شاهدته أيضاً ينفذ بأمانة أوامر القيادة المدنية لهذه الأمة... أعرف هذا الرجل. أعرف احترامه لدستورنا. أعرف احترامه لنظام حكمنا».

نص الدستور الأميركي واضح لجهة تشديده على الحفاظ على سيطرة المدنيين على المؤسسة العسكرية؛ بهدف ضمان إشراف السياسيين على قرارات تلك المؤسسة ومنع تقويض الديمقراطية. لكن استثناءات عدة شهدها هذا المنصب، وسمح بها الدستور نفسه عندما أجاز لمجلسي الشيوخ والنواب منح بعض العسكريين السماح بتخطي هذه العقبة في تصويت خاص قبل الموافقة على تعيينه وزيراً للدفاع.
وبالفعل، شغل العديد من العسكريين السابقين هذا المنصب، إلّا أن اثنين فقط قبل الوزير الجديد الجنرال لويد أوستن، هما الجنرال جورج مارشال والجنرال جيم ماتيس كانا من كبار الضباط المحترفين في الجيش الأميركي. وحصل أوستن في التصويت الخاص بالاستثناء من شرط مرور 7 سنوات على ترك الخدمة الفعلية لتعيينه على 69 صوتاً مقابل اعتراض 27 في مجلس الشيوخ، وعلى 326 مقابل 78 صوتاً في مجلس النواب، بينهم نواب ديمقراطيون على رأسهم سيث مولتون الذي حارب في العراق. ومن ثم، جرى تثبيت تعيينه في مجلس الشيوخ بغالبية 92 صوتاً ضد صوتين فقط. وبعد التعيين غرّد الوزير الجديد «إنه لشرف وامتياز أن أكون وزير الدفاع 28 لبلدنا، وأنا فخور بشكل خاص لكوني أول أميركي من أصل أفريقي يتولى هذا المنصب. لنبدأ العمل».

- سجلٌ عسكري حافل
تقاعد لويد أوستن من الجيش عام 2016 بعد 41 سنة أمضاها في الخدمة. وهو يتمتع بسجل طويل في المهمات العسكرية، وتربطه علاقة طويلة الأمد بالرئيس جو بايدن حين كان الأخير نائباً للرئيس السابق باراك أوباما. ولقد خدم أوستن قائداً للقوات الأميركية وقوات «التحالف» في العراق إبّان فترة ولاية أوباما الرئاسية الأولى، ثم صار عام 2012 أول أسود يشغل منصب نائب رئيس أركان الجيش، وهو ثاني أعلى مناصب الخدمة العسكرية. وبعد ذلك بسنة غدا أول قائد أسود لـ«القيادة الأميركية الوسطى» (السينتكوم) عندما حلّ محل الجنرال جيم ماتيس الذي تقاعد عام 2013. وبقي أوستن في منصبه هذا حتى 2016، حين أشرف على وضع استراتيجية عسكرية لقتال مسلحي تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وتولى تنفيذها. هذا، ووُصف نهجه كقائد للقيادة الأميركية الوسطى بأنه نهج «جنرال غير مرئي»، بسبب إحجامه عن التحدث علناً في الأمور العسكرية. وهو الأمر الذي قد يستمر معه في الفترة المقبلة وزيراً للدفاع، في مرحلة سياسية يطبعها الغموض والترقب في العديد من الملفات الحساسة، من إيران إلى أفغانستان، وكوريا الشمالية، وروسيا، والصين.

- «حرب العراق»
شارك لويد أوستن في «حرب العراق» من البداية إلى النهاية. فقد شغل منصب مساعد قائد فرقة المشاة الثالثة أثناء غزو العراق في مارس (آذار) 2003 وأشرف على الانسحاب عام 2011. وعندما تقاعد عام 2016، أشاد أوباما بـ«شخصيته وكفاءته»، فضلاً عن حكمته وقيادته. ولكن على الرغم من إشادة بايدن بقدرة أوستن العسكرية، فإنه تعرض للانتقاد من زميل عسكري مثله، هو السيناتور الراحل جون ماكين، إبّان جلسة استماع شهيرة وسيئة لأوستن في الكونغرس عام 2015 خصصت لمناقشة توصيته بشأن كيفية التعامل مع الحرب ضد «داعش» في سوريا. ويومذاك قال ماكين في الجلسة «بشكل عام، ما تقوله لنا يتناسب مع الأحوال العادية حين يكون كل شيء على ما يرام، غير أن ما نراه هو أن مئات الآلاف من اللاجئين يغادرون ويغمرون أوروبا، كما قُتل 250 ألف سوري». وجاء ذلك رداً على قول أوستن، كقائد للقيادة الأميركية الوسطى: إنه لن يفعّل التوصية بإنشاء «منطقة عازلة» للسماح للاجئين السوريين بالهرب إليها؛ لأن ذلك يتطلب وجود قوات أميركية. وأضاف ماكين لأوستن الذي بدا عليه الإحراج «لم أرَ قط في جلسة استماع من رأي خبير خارجي انفصالاً عن الواقع كما أرى منك الآن».
عام 1975 تخرّج أوستن في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت (بولاية نيويورك) وحصل على بكالوريوس العلوم بدرجة ملازم ثان، ليختم مهمته الأولى في فرقة المشاة الثالثة الآلية في ألمانيا. وبعد ذلك حصل على دورة تدريبية متقدمة لضباط المشاة، وعيّن بعدها في الفرقة 82 المجوقلة (المُقلّة جواً) في قاعدة فورت براغ بولاية نورث كارولينا، حيث تولى قيادة سريّة الدعم القتالي، الكتيبة الثانية مشاة المجوقلة، وعمل مساعد عمليات للواء الأول الفرقة 82 المجوقلة.
وعام 1981، عيّن أوستن في مدينة إنديانابوليس، عاصمة ولاية إنديانا، بمنصب ضابط العمليات لقيادة التجنيد في المنطقة، ثم تولى قيادة كتيبة التجنيد بالجيش. والتحق بعد ذلك، بجامعة أوبورن (في ولاية آلاباما)، حيث أكمل دراساته للحصول على درجة الماجستير في التربية. ومن ثم جرى تعيينه في ويست بوينت، حيث عمل كضابط تكتيكي.
بعد اختياره وإكماله علومه في كلية قيادة الجيش والأركان العامة في فورت ليفنوورث بولاية كانساس، عيّن أوستن في الفرقة الجبلية العاشرة مشاة خفيفة في فورت دروم بنيويورك، حيث شغل منصب قائد العمليات، وبعد ذلك ضابط تنفيذي للكتيبة الثانية مشاة ومدير خطط التدريب والتعبئة والأمن فيها.
في عام 1993، عاد أوستن إلى الفرقة 82 المجوقلة في فورت براغ بولاية نورث كارولينا، حيث قاد الكتيبة الثانية المجوقلة، ويتولى لاحقاً قيادة اللواء الثالث في الفرقة. وبعد فترة وجيزة من قيادة اللواء، جرى تعيينه في مبنى البنتاغون بمدينة أرلينغتون (ضواحي العاصمة واشنطن) بولاية فيرجينيا، حيث شغل منصب رئيس قسم العمليات المشتركة، في هيئة الأركان المشتركة. وبعدها كانت مهمته التالية هي مساعد قائد الفرقة للمناورة فرقة المشاة الثالثة ميكانيكية في قاعدة فورت ستيوارت بولاية جورجيا. ومن منصبه هذا ساهم في قيادة مهام الفرقة في غزو العراق في مارس 2003، وحصل على «النجمة الفضية» عن هذه المهمة.

- مع «القيادة الوسطى»
خدم لويد أوستن من سبتمبر (أيلول) 2003 حتى أغسطس (آب) 2005 قائداً عاماً للفرقة الجبلية العاشرة، وقائداً لقوة المهام المشتركة 180 أثناء الحرب في أفغانستان. وكان منصبه التالي هو رئيس أركان «القيادة الوسطى (السينتوم) للولايات المتحدة» في تامبا بولاية فلوريدا، من سبتمبر 2005 حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2006. في نهاية ذلك العام رقّي أوستن إلى رتبة جنرال، وتولى قيادة الفيلق الثامن عشر المجوقل في فورت براغ بولاية نورث كارولينا. ثم في بداية 2008، أصبح أوستن ثاني أعلى القادة في العراق رتبة، حين تولى قيادة الفيلق المتعدّد الجنسيات. وكقائد للقوات المتعددة الجنسيات في العراق، أشرف وأدار عمليات ما يقرب من 152 ألف جندي من القوات المشتركة وقوات «التحالف» في جميع أنحاء العراق.
عام 2009 سلم أوستن قيادة الفيلق الثامن عشر ليصبح مدير هيئة الأركان المشتركة. وجاءت هذه الترقية بتوجيه من الأدميرال مايكل مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة في ذلك الوقت، الذي طُلب منه زيادة التنوع في هيئة الأركان المشتركة. وأقرّ أوستن أن ترقيته هذه دفعت مسيرته المهنية قائلاً «بعد هذه الترقية بدأ الأشخاص في التعرف على لويد أوستن».

- الحرب ضد «داعش»
عندما تولى أوستن قيادة القوات الأميركية وقوات «التحالف» في العراق عام 2010 أشرف على الانتقال من عملية «حرية العراق» والعمليات القتالية، إلى عملية «الفجر الجديد» وعمليات الاستقرار التي تركز على تقديم المشورة والمساعدة وتدريب قوات الأمن العراقية. وشارك على نطاق واسع في المناقشات الأميركية الداخلية ثم المفاوضات مع الحكومة العراقية التي أدت إلى توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية. ولقد عارض أوستن الانسحاب الكامل من العراق، مفضلاً احتفاظ الولايات المتحدة بأكثر من 10 آلاف جندي بعد الانسحاب عام 2011. كذلك أوصى بخطط لإبقاء ما يصل إلى 20 ألف عسكري هناك. وفي النهاية أشرف على سحب وإعادة نشر 50 ألف جندي ليغادر مع الآخرين العراق نهاية ذلك العام.
ومما يذكر، في هذا السياق، أنه بعد سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الموصل في يونيو (حزيران) 2014، أشرف أوستن على تطوير وتنفيذ خطة الحملة العسكرية لمواجهة التنظيم في كل من العراق وسوريا. واعتباراً من أكتوبر 2014، جادل أوستن بأن التركيز الأساسي للجيش الأميركي في العمليات ضد «داعش» يجب أن يكون العراق وليس سوريا. وأقر عام 2015 خلال جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، بأن برنامج تدريب مسلحي المعارضة السورية لمحاربة «داعش» لم يكن ناجحاً. ليتحول التركيز بعد ذلك على تعزيز دور المسلحين الأكراد وتشكيل ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» التي خاضت الحرب في سوريا ضد التنظيم.
كالعديد من الجنرالات المتقاعدين، عمل أوستن - الذي يصفه عارفوه بأنه رجل «شديد الخصوصية» ويكره التحدث إلى وسائل الإعلام، وغالباً ما كان يتحدث عن نفسه بصفة الغائب – في القطاع الخاص. وشملت حياته العملية بعد التقاعد من الخدمة الفعلية، انضمامه إلى مجالس إدارة عدد من الشركات. إذ انضم بعد تقاعده عام 2016 إلى مجلس إدارة شركة المنتجات العسكرية العملاقة «رايثيون تكنولوجيز». واعتباراً من أكتوبر 2020، قدّرت قيمة ممتلكاته من أسهم الشركة وتعويضاته 1.4 مليون دولار. وفي سبتمبر 2017، عُيّن في مجلس إدارة شركة «نوكور»، وعام 2018 أصبح عضواً في مجلس إدارة شركة «تينيت هيلث». ثم إنه إلى جانب إدارته شركة استشارية، فهو شريك في «باين أيلاند كابيتال» وهي شركة استثمارية تضم أيضاً وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن ونائبة وزير الدفاع السابقة ميشيل فلورنوي. بيد أنه قال خلال جلسة الاستماع الخاصة بتثبيته وزيراً للدفاع، إنه سيتنحى عن تلك المناصب لمدة أربع سنوات، حسب ما ينص عليه القانون، وهو التعهد الذي أعلن بلينكن التزامه به أيضاً.

- بطاقة هوية
ولد لويد جيمس أوستن يوم 8 أغسطس (آب) عام 1953، في مدينة توماسفيل بولاية جورجيا، حيث نشأ على يد أم كاثوليكية متديّنة، ولا يزال يصف نفسه بأنه مؤمن ويمارس واجباته الدينية.
· تخرّج عام 1975 ضابطاً برتبة ملازم ثانٍ، حاصلاً على بكالوريوس علوم من الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت بولاية نيويورك.
· حصل عام 1986 على درجة الماجستير في التربية من جامعة أوبورن بولاية آلاباما. ثم عام 1989 على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة وبستر في ولاية ميزوري.
· تزوج منذ أكثر من 40 سنة من شارلين دينيس بانر أوستن التي كانت أماً لطفلين من زواج سابق. وعملت زوجته مديرةً في مؤسسة غير ربحية وفي مجلس إدارة معهد أبحاث الأسرة العسكري في جامعة بورديو بولاية إنديانا.
· حصل أوستن على أوسمة عسكرية عدة في مسيرته المهنية الطويلة، منها «وسام الخدمة الدفاعية المتميزة» و«النجمة الفضية» وميدالية إشادة من الجيش وجوائز أخرى.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».