تفاؤل في كوبا بفتح صفحة مع إدارة بايدن

بعد 4 سنوات من العقوبات والمتاعب مع ترمب... ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية و«ثورة التواصل الاجتماعي»

تفاؤل في كوبا بفتح صفحة مع إدارة بايدن
TT

تفاؤل في كوبا بفتح صفحة مع إدارة بايدن

تفاؤل في كوبا بفتح صفحة مع إدارة بايدن

منذ دخول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب البيت الأبيض في مثل هذه الأيام من العام 2017 حتى الساعات الأخيرة من ولايته، التي انتهت يوم 20 يناير (كانون الثاني) الحالي على وقع أحداث غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، لم يتوقّف عن فتح الجبهات الخارجية والداخلية على مصاريعها. وكان تصميم ترمب الذي لا يلين منصباً، في كل خطوة، على تفكيك ما فعله سلفه باراك أوباما طوال 8 سنوات من حكمه، والحرص كل الحرص على الإبحار دائماً عكس التيار الذي سار فيه سلفه. أما آخر هذه آخر الخطوات التي اتخذها ترمب فكانت إدراج كوبا على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، بعد أيام من إعلانه تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتضييق الحصار الدبلوماسي الذي كانت إدارة أوباما قد بدأت برفعه عن الدولة - الجزيرة.

كوبا كانت تترقّب بفارغ الصبر تنصيب الرئيس الأميركي الجديد جون بايدن، الذي وعد باستئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطعها سلفه دونالد ترمب مع سلطات هافانا. كذلك، كانت تأخذ على محمل الجِدّ قرار إدراجها على لائحة الدول الراعية للإرهاب رغم وصفها إيّاه بأنه «خطوة يائسة من حكومة مفلسة أخلاقياً»، كما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية، اعتبر القرار انتهازياً ومفتقراً للمسوّغات، «هدفه الحقيقي وضع عراقيل إضافية أمام احتمالات استعادة العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة الأميركية».
في الواقع، كانت كوبا قد ردّت على قرار ترمب بتصريح غير مألوف صدر عن رئيس الجمهورية ميغيل دياز كانيل، جاء فيه قوله: «الحقيقة التي يعترف الجميع بها هي أن كوبا ليست دولة راعية للإرهاب. فالسياسة الرسمية المعروفة التي ينهجها بلدنا في كل المحافل هي رفض الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، وخاصة إرهاب الدولة». وأضاف أن قائمة الدول الراعية للإرهاب – التي كان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان أول من أدرج كوبا فيها خلال عام 1982، ثم حذفها منها باراك أوباما عام 2015 – «ليست سوى أداة لفرض عقوبات اقتصادية تعسّفية على الدول التي ترفض الانصياع لنزوات الإمبريالية الأميركية». وللعلم، من شأن إدراج كوبا على هذه القائمة أن تنجم عنه عقوبات، تشمل وقف المساعدات الخارجية الأميركية إلى الجزيرة، وحظر الصادرات إليها، وفرض عقوبات مالية على الشركات التي تتعامل معه. إلا أنه بعدما كانت الإدارة الأميركية على عهد ترمب قد لجأت إلى تشديد العقوبات والقيود المالية بشكل غير مسبوق على الجزيرة - خاصة في إطار الصدام مع نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي يعتمد بشكل حيوي على الدعم العسكري والاستخباراتي من كوبا – أعلن الرئيس جو بايدن أخيراً أنه سيستأنف سياسة التقارب مع هافانا التي كان قد شارك في وضعها عندما كان نائباً للرئيس على عهد أوباما. ومن المنتظر أيضاً أن يرفع القيود ويلغي التدابير التي فرضتها إدارة ترمب، مثل تقييد تحويلات المهاجرين، ومنع الرحلات الجوية والبحرية المباشرة، وإغلاق القنصليات، وحظر سفر الأميركيين إلى الجزيرة.

- انتقاد ديمقراطي لترمب
من جهة ثانية، يرى مراقبون أن الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها ترمب تجاه كوبا إنما كانت تهدف إلى تحقيق مكاسب داخلية مثل إرضاء قطاع واسع من ناخبيه الذين يؤيدون كل خطواته لتفكيك ما أنجزه أوباما، وتعزيز قاعدته بين المتحدرين من أصل كوبي في ولاية فلوريدا. مع الإشارة، إلى أن القرارات التي اتخذتها الإدارة الجمهورية السابقة في أيامها العشرة الأخيرة ضد كوبا تزيد عن كل التي صدرت عنها في السنوات الأربع المنصرمة، ومن غير أن تخضع للإجراءات والتحريات المعهودة.
جو غارسيّا، الذي كان وزيراً للطاقة على عهد أوباما، وتولّى أخيراً تنظيم المساعدات الصحية التي أرسلت إلى كوبا لمواجهة جائحة «كوفيد 19»، اعتبر أن قرار ترمب إدراج كوبا على قائمة الدول الراعية للإرهاب هو «صرخة الغريق». وتابع: «لا علاقة لهذا القرار بكوبا، ولا بالإرهاب، ولا بالأمن القومي الأميركي. إنه ثمرة الحقد الدفين الذي يشعر به مَن خسر الانتخابات أمام بايدن، الذي وعد بأنه سيعيد النظر في كل القرارات التي اتخذتها الإدارة (الراحلة) في لحظات اليأس الأخيرة، في أعقاب فقدانها كل شرعيتها، وسعيها لإلحاق الضرر بالإدارة الجديدة».
ويرى غارسيّا أن الردّ المناسب من النظام الكوبي على خطوة ترمب، وعلى الذين يدعمونه في ميامي (حيث أحد أكبر نسب المهاجرين الكوبيين)، هو الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية وتعميقها لمصلحة الشعب الكوبي. ويشدد الوزير الديمقراطي السابق على أن الإدارة الأميركية الجديدة التي تستند إلى غالبيتين ديمقراطيتين في مجلسي الشيوخ والنواب «ستعيد النظر في كل هذه القرارات، وستضع العلاقات مع كوبا في خدمة المصالح القومية الأميركية على طريق التطبيع». ولا يستبعد غارسيّا، المرشّح ليلعب دوراً أساسياً في رسم إطار علاقات إدارة بايدن مع دول أميركا اللاتينية، أن تبادر هذه الإدارة إلى إلغاء الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا، والذي تطالب الأسرة الدولية بإنهائه منذ العام 1992.

- مصاعب... وسنة مفصلية
لكن، في الجزيرة العائمة بتحدٍّ وإباء منذ 6 عقود على مرمى حجر من الساحل الأميركي، لا تقتصر الشواغل والمتاعب على نزوات الرئيس الخارج من البيت الأبيض. ومع بداية كل عام منذ 1959، عندما نزل فيديل كاسترو ظافراً من «سييرا مايسترا» ودخل العاصمة هافانا مع رفاقه الثوريين، يستقبل الكوبيون السنة الجديدة على قلق الرهانات والتساؤلات. إذ مضت 3 عقود على إعلان «المرحلة الخاصة»، وهو الاسم الذي أطلقه النظام على الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخطيرة التي نشأت عن انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وأدت إلى تراجع إجمالي الناتج القومي بنسبة 35 في المائة خلال أقل من سنتين. وها هو العام 2021 يطلّ حاملاً وزراً ثقيلاً من الشحّ الناجم عن أزمة سيولة خانقة وانخفاض قياسي آخر في الناتج القومي بنسبة 11 في المائة في العام الماضي بسبب الجائحة التي قضت على قطاع السياحة الذي يشكّل المصدر الأساسي للعملة الصعبة في كوبا.
يضاف إلى ما سبق، تعثّر الإصلاحات الاقتصادية وصعوبة تطبيقها في مثل هذه المرحلة الحرجة التي ارتفعت فيها معدلات البطالة والفقر، بينما يواجه النظام تحديات غير مسبوقة ناجمة عن تعميم وسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما فتح آفاقاً واسعة أمام الجدل السياسي والعقائدي.
السنة هذه مرشحة لتكون مفصلية أيضاً في كوبا، لأنها ستشهد في الربيع المقبل انعقاد المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الذي سيتنحّى فيه القيادي التاريخي راوول كاسترو (شقيق فيديل، مؤسس كوبا الحديثة) عن منصب الأمين العام. وكان راوول قد وعد بذلك في المؤتمر السابق عندما رشّح ميغيل دياز كانيل لمنصب رئيس الجمهورية، واقترح ولايتين كحد أقصى في القيادات السياسية العليا للبلاد. ويكتسي هذا المؤتمر الثامن أهمية خاصة، ليس فقط لأنه سيشهد انكفاء القيادات التاريخية للثورة بعد رحيل رمزها الأكبر فيديل كاسترو، وتولّي كانيل الأمانة العامة للحزب الشيوعي، بل لأنه سيحدد الخطوط الاستراتيجية العريضة للإصلاحات التي ينتظرها الكوبيون منذ عقود. وفي طليعتها؛ التعددية السياسية، وفتح الباب لنشاط القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاستثمارات الأجنبية، واللامركزية في رسم السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية، وإعطاء المؤسسات الرسمية هامشاً أوسع من الاستقلالية، وتعزيز الإدارات المحلية. وكان معظم هذه الإصلاحات قد أقرّ خلال المؤتمر السابع عام 2016. لكن تنفيذها أجّل مراراً، بما فيها الإصلاح النقدي الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع هذا العام، وكان بمثابة «الهبوط الاضطراري» لكوبا على أرض الاقتصاد الحقيقي بعد عقود من سياسات الدعم في كل القطاعات.
كانت الحكومة الكوبية تدرك سلفاً أن خفض قيمة العملة الوطنية ستكون له تداعيات اجتماعية ومعيشية على صعيد ارتفاع الأسعار والتضخّم، والتراجع الكبير للقدرة الشرائية الضعيفة أصلاً للمواطنين. إلا أنها لم تكن تتوقع الكمّ الهائل من الانتقادات والاحتجاجات التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما سجّلت أسعار الخبز والمحروقات والمواصلات العامة وفواتير الكهرباء ارتفاعاً وصل إلى 500 في المائة، ما اضطرها إلى الإعلان عن إعادة النظر في التسعيرات التي كانت قد حدّدتها.
لقد أطلقت الحكومة على اليوم الأول من هذا الشهر مسمى «اليوم صفر» لكونه بداية الإصلاحات الموعودة منذ سنوات، والتي يعتبر خبراء الاقتصاد أنها السبيل الوحيد لمنع الانهيار التام والحيلولة دون إفلاس القطاع العام، الذي تدنّت معدلات إنتاجيته بصورة غير مسبوقة منذ بداية الثورة. غير أن عام 2021 يمكن اعتباره أيضاً «العام صفر» لأسباب أخرى مختلفة في مسار الثورة، التي ما زالت صامدة في وجه الرياح المعاكسة التي تبحر فيها منذ 6 عقود.

- عهد بايدن وانعكاساته
أما النبأ السار في العام الجديد بالنسبة للنظام الكوبي فهو وصول جون بايدن إلى البيت الأبيض. كيف لا، وهو الذي أعلن أنه سيستأنف سياسة التقارب مع الجزيرة، وسيرفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب خلال السنوات الأربع المنصرمة، والتي شدّدت الحصار الذي تفرضه واشنطن على كوبا، وزادت من الصعوبات المعيشية التي تعاني منها. وفي هذا السياق، من المنتظر أن تعوّض عودة النشاط إلى القطاع السياحي، وإنهاء القيود على الرحلات الجوية والبحرية المباشرة، وتحويلات المهاجرين، الآثار السلبية الناجمة عن جائحة «كوفيد 19». إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن أي إدارة أميركية، ديمقراطية كانت أو جمهورية، تشكّل دائماً تحدياً بالنسبة لكوبا... كما تبيّن مع سياسة الانفتاح التي انتهجها أوباما، وواجهت مقاومة كبيرة بين المتشددين في نظام هافانا.
أيضاً، من الأمور الأخرى التي تثير قلق النظام منذ فترة الاحتجاجات المتزايدة في الأوساط الشعبية - وخاصة بين المثقفين والفنانين - المطالبة بهامش أوسع من حرية التعبير. وتتوقف السلطات عند المظاهرة السلمية، التي شارك فيها مئات أمام وزارة الثقافة أواخر العام الماضي احتجاجاً على اعتقال أحد المطربين الشعبيين، وتداعى إليها المتظاهرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتحوّلت إلى مسيرة للمطالبة بمزيد من الحرية والتعددية السياسية والكفّ عن ملاحقة المنشقّين. وحقاً، قد وجد النظام نفسه ذلك اليوم أمام مشهد غير مألوف، ما أجبر وزير الثقافة على استقبال ممثلين عن المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم ووعدهم بمواصلة الحوار... في سابقة لم يشهدها النظام منذ بداية الثورة.
تلك المظاهرة أدت، فعلاً، إلى إشعال وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث هبّ مئات من الفنانين والأكاديميين والناشطين والمواطنين العاديين إلى الدفاع عن المتظاهرين ومطالبهم، فيما كانت السلطات والأوساط المؤيدة لها تعلن رفضها الحوار مع الذين أطلقت عليهم التسميات التقليدية مثل «أعداء الثورة» أو «المرتزقة الذين تموّلهم الإمبريالية». وأظهرت تلك الحادثة، وما عقبها من تطورات، أن الدولة اليوم في كوبا ما عادت تحتكر توجيه الرسائل للمواطنين وإرساء حقائق الأحداث التي تشهدها البلاد.

- «ثورة» التواصل الاجتماعي
من المراقبين الذين يتابعون عن كثب هذه التطورات الصحافي والكاتب إيغناسيو رامونيه، المدير السابق لصحيفة «الموند الدبلوماسي» وأحد كبار المتخصصين في الثورة الكوبية، التي وضع عدة مؤلفات عنها، أشهرها كتابه «100 ساعة مع فيديل». يقول رامونيه معلّقاً على هذه التطورات الأخيرة في كوبا: «إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم التعبير الفعلي عن ديمقراطية الإعلام التي أطلقتها الثورة الرقمية. يكفي هاتف ذكي لأي مواطن في أي بلد من العالم للتواصل مثل أي شبكة تلفزيون عالمية. إنها الثورة الجارفة التي على النظام الكوبي أن يتعايش معها».
والواقع أن ما شهدته كوبا من تطورات منذ مطلع هذا العام مع الإصلاح النقدي، وما نجمت عنه من تداعيات وردود فعل شعبية، بيّن أن قواعد اللعبة قد تغيّرت بشكل جذري. إذ اضطرت السلطات إلى العودة عن كثير من القرارات التي اتخذتها. وبعد 62 سنة على انتصار الثورة تقف كوبا على أبواب مرحلة جديدة تطوي فيها آخر صفحات الزعماء التاريخيين، وتبحر بين أنواء الإصلاحات الاقتصادية الصعبة ووسائل التواصل الاجتماعي المشتعلة بالاحتجاجات على الظروف المعيشية والقيود على الحريات. وهو ما يجعل من العام 2021 بلا شك موعداً مفصلياً في الصراع الذي تخشاه الثورة وتؤجله منذ عقود مع التطور.



تيم والز «ابن الريف الأميركي» يبحث عن تحالف جديد للديمقراطيين

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
TT

تيم والز «ابن الريف الأميركي» يبحث عن تحالف جديد للديمقراطيين

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا على بطاقة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك في أجواء سيطغى عليها الطابع الاحتفالي، بعدما اختارهما مندوبو الحزب في اجتماع «افتراضي» في وقت سابق. وفي حين يرجح الديمقراطيون أن تحافظ هاريس على الزخم الذي اكتسبوه منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، وسط أجواء «عاطفية» افتقدها الحزب منذ فترة طويلة، فهم يراهنون أيضاً على الدور المرشح للعبه والز، شخصياً، في الحفاظ على هذا الزخم الذي طرأ على مزاج الناخبين. فبجانب قدرات الرجل الخطابية وشخصيته المحبّبة، قد تلعب جذوره المتواضعة نسبياً في تمكين الديمقراطيين من كسب أصوات بعض الولايات المتأرجحة، ولا سيما ولايات ما يسمى اليوم «الجدار الأزرق»، بل قد تكون مؤشراً على تحوّلات كبيرة داخل الحزب الديمقراطي.

 

 

 

ولد تيموثي (تيم) جيمس والز عام 1964، في بلدة ويست بوينت بولاية نبراسكا، ونشأ فيها على المذهب الكاثوليكي. وهو من عائلة تتحدر من أصول ألمانية وسويدية وآيرلندية. الأم فيها دارلين روز ريمان سيدة منزل، أما الأب جيمس والز فكان مدرّساً ومدير مدرسة، ومحارباً قديماً في الجيش الأميركي، خدم إبان الحرب الكورية. وفي عام 1867، هاجر جدّ والز الأكبر، سيباستيان، من كوبنهايم في دوقية بادن الكبرى بألمانيا، إلى الولايات المتحدة، وكانت إحدى جداته سويدية، وله جدة أخرى آيرلندية.

بعد المدرسة الثانوية، خدم تيم والز في الحرس الوطني للجيش لمدة 24 سنة، درس خلالها لفترة في جامعة هيوستن بولاية تكساس، وعمل في أحد المصانع. ولاحقاً، تخرّج في كلية تشادرون ستيت، وهي كلية جامعية صغيرة في ريف ولاية نبراسكا، قبل أن ينتقل إلى ولاية مينيسوتا عام 1996. وقبل الترشح للكونغرس، عمل مدرّساً لمادة الدراسات الاجتماعية بإحدى المدارس الثانوية ومدرباً لكرة القدم.

عام 2006، قرّر والز الترشح لعضوية مجلس النواب الأميركي، بعد إبعاده هو وبعض الطلاب عن إحدى فعاليات حملة جورج بوش «الابن» عام 2004، بمجرد اكتشاف المنظّمين أنهم ديمقراطيون. وحقاً، فاز يومها عن دائرة الكونغرس الأولى في مينيسوتا، متغلباً على منافس جمهوري شغل المنصب لـ6 فترات. ثم أعيد انتخاب والز لمجلس النواب 5 مرات قبل انتخابه حاكماً لمينيسوتا عام 2018، وثانية عام 2022.

طاقة جديدة

عموماً يندر أن يغيّر المرشحون لمنصب نائب الرئيس معادلات المعركة الرئاسية بشكل جذري. لكن والز، منذ اليوم الأول لاختياره، بدا أنه يمنح الديمقراطيين دفعة جديدة من الطاقة. وهذا ما أظهرته ردود الفعل بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، حين حصدت منشوراته على منصة «تيك توك»، خلال ساعات من اختياره، أكثر من 43 مليون مشاهدة، جاءت نسبة 69 في المائة منها من مقاطع فيديو أنتجها منشئو محتوى «تقدميون» و28 في المائة جاءت من منشئي محتوى مستقلين سياسياً، وفقاً لشركة «كريدو آي كيو» المتخصصة في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي. وبين ليلة وضحاها، تحوّل والز من شخصية «مغمورة» إلى اسم مألوف... في ظاهرة شبّهها البعض بجائحة «فيروسية».

يقول البعض إن الديمقراطيين، لعقود من الزمن، كانوا - كما يبدو - بحاجة إلى شخص مثل والز يستطيع التأكيد عملياً أن الطبقة العاملة البيضاء في الريف ليست كتلة واحدة. يضاف إلى ذلك تبيان أن وسط هذه الطبقة توجد أقلية كبيرة من العقلاء الذين يظلون، حتى في ظروفهم الاقتصادية الضعيفة، رافضين التأثر بالمحرّضين الذين يلقون باللوم على المهاجرين... بينما يجمعون ثروات الشركات.

شراكة سياسية جديدة

حقاً، عدّ كثيرون اختيار هاريس لوالز مراجعة «عميقة» أجراها الديمقراطيون بهدف تشكيل شراكة جديدة سترسم مسيرة الحزب الديمقراطي، ليس لانتخابات 2024 فقط، بل ربما مستقبله أيضاً.

فخلال العقود الأخيرة، لم يحظ الحزب الديمقراطي بجاذبية مباشرة عند الطبقة العاملة الريفية البيضاء، وغالباً ما شدّد مرشحوه على أنهم يمثلون مصالح «الطبقة الوسطى» التي تتمركز في المدن والمناطق الساحلية. إذ كانوا بالكاد يتطرقون إلى أبناء «الطبقة العاملة» المقيمين في الضواحي والأرياف وما يعانونه، جرّاء التحولات التكنولوجية والاقتصادية والإنتاجية، التي دفعت بهم إلى «الفقر».

في المقابل، منذ ذلك الوقت، ومع تحوّل هذه الطبقة إلى أهم كتلة سكانية «متأرجحة»، عمل الجمهوريون على استمالتها عبر خطاب شعبوي تجييشي، مستغلّين ظروفها الاقتصادية الصعبة، لقلب ما كان يسمى «ولايات الجدار الأزرق» - أو «ولايات الصدأ» – وانتزاع أصواتها من الديمقراطيين. وبالفعل، عندما صعد والز مع هاريس إلى منصة الحملة الانتخابية في بنسلفانيا، إحدى ولايات الجدار الأزرق، كانت المرة الأولى منذ زمن بعيد التي يتكلّم فيها سياسي ديمقراطي قيادي عن الطبقة العاملة والفقر في البلاد. وكان واضحاً أنه لا يريد إضاعة الفرصة في استغلال جذوره الطبقية والاجتماعية، لتقديم صورة جديدة عن التحالف الذي يطمع الديمقراطيون اليوم ببنائه.

بين الريف والمدينة

لقد بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً. فوالز كان من الديمقراطيين القلائل الذين انتقدوا الحزب بصدق وصراحة عندما وصفه إبان فترة عضويته في مجلس النواب الأميركي بأنه بات «حزب المدن والساحل».

وبالتالي، تظهر هاريس الآن كأنها، وحزبها، تردّ من جهة اليسار على الحزب الجمهوري الذي انزاح أكثر نحو اليمين، آيديولوجياً واجتماعياً وعرقياً، وعبّر عنه جزئياً في مؤتمره الوطني، حين اختار إلى جانب دونالد ترمب، نائبه جي دي فانس، الآتي من أصول لا تختلف كثيراً عن أصول والز. فهاريس أرادت والز إلى جانبها كشخص من ولاية زراعية في الغرب الأوسط، يستطيع أن يتكلم بثقة وأصالة عن الحقائق التي تعتقد أن ترمب ونائبه فانس لن يتكلّما عنها.

الديمقراطيون يرون أن أميركا الريفية الحقيقية متنوعة، على الرغم من كل العنصرية الصاخبة وكراهية المثلية الجنسية والشوفينية التي يتّسم بها الحزب الجمهوري اليوم، والتي بفضلها هيمن على الانتخابات خارج المناطق الحضرية.

كذلك يؤمن الديمقراطيون بأن أرياف البلاد مليئة بالمهاجرين والملوّنين والمثليين والمتحولين جنسياً والسكان الأصليين، حتى المغايرين جنسياً، الذين يعيشون مع البيض، ويعملون معاً بسعادة.

واستطراداً يعدّون أن الحقوق الإنجابية، وتشريع الماريغوانا القانونية، والمدارس العامة، والإجازات الطبية والعائلية مدفوعة الأجر، والتحقق من خلفية شراء الأسلحة، تحظى بدعم كثير من الناخبين عبر الخطوط الحزبية، حتى الأرياف التي تصوت للجمهوريين، وأن للمزارعين ومربّي الماشية ومشرفي الأراضي مصلحة حاسمة في معالجة تغير المناخ، ولو لم يستخدموا اللغة ذاتها التي يستخدمها الناشطون في مجال البيئة.

سجلّ محفّز للديمقراطيين

أيضاً يرى العديد من المشرّعين الديمقراطيين أن كل ما يجسّده سجل والز منذ بدأ حياته السياسية، يمثّل توازناً يمكن أن يساعد ويعزز جاذبية الحزب. إذ صوّت في مجلس النواب بشكل دائم، كديمقراطي معتدل، ثم بصفته حاكم ولاية وقّع على مشاريع القوانين التقدمية لتصبح قانوناً.

ومع أن والز يقتني السلاح، لكنه شدد على أن سكان ولايته - التي يحكمها منذ عام 2019 - يؤمنون أيضاً بـ«قوانين خفض العنف المسلح ذات المنطق السليم». موضحاً: «أنا محارب قديم، وصياد، وأمتلك السلاح. لكنني أيضاً أب، ولسنوات طويلة كنت مُدرِّساً. أعرف أن قواعد السلامة الأساسية المرتبطة باستخدام السلاح ليست تهديداً لحقوقي، فالأمر مرتبط بالحفاظ على سلامة أطفالنا».

ثم إن والز عمل ضمن تحالف من الحزبين، على تمرير تفويضات لمساعدة المزارعين، وعلى ضمان احتفاظ أعضاء الحرس الوطني برعايتهم الصحية عند الاستجابة لحالات الطوارئ في الولاية، رداً على الحملة التي شنت ضده بعد الاحتجاجات التي اندلعت عندما قتل شرطي أبيض الرجل الأسود جورج فلويد.

نصير للفقراء

أكثر من هذا، مرّر والز تشريعات واسعة النطاق، أثارت حماسة الديمقراطيين وغضب الجمهوريين، حين وقّع على قانون حماية الإجهاض، وأكبر ائتمان ضريبي للأطفال في البلاد، ووجبة إفطار وغداء مجانية في مدارس معينة، وإجازة عائلية وطبية مدفوعة الأجر «التي لا يستطيع أي فقير أن يرفضها». كما وقّع على أمر تنفيذي يحمي رعاية التحوّل بين الجنسين.

وفي هذا الصدد، عدّد ديمقراطيون، عملوا سابقاً معه، كياسته ودرايته وذكاءه الحاد بين الأسباب التي تسهّل تواصله مع الناس عبر الخطوط الحزبية. وسرعان ما أثبت ذلك فعلياً، بعد تكراره وصف الرئيس السابق دونالد ترمب وزميله في البطاقة الجمهورية فانس بأنهما أناس «غريبو الأطوار»، ليتحول الوصف إلى اتجاه (ترند) ينتقدهما بوصفهما لا يمثلان القيم الأميركية.

وهكذا، من نافل القول إن اختيار والز أدى إلى إنعاش آمال الديمقراطيين في التمسك بساحات معركة «الجدار الأزرق» الحاسمة والمناطق المتأرجحة، أي ولايات مينيسوتا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا. وعبر تمتعه وهاريس بتأييد كاسح من التيار اليساري في الحزب ربما ضمنا ألا تتكرر هزيمة هيلاري كلينتون عام 2016، التي تُعزى إلى إحجام ناخبيه، وخصوصاً الشباب منهم، عن تأييدها.

وهذا ما يراه السيناتور «التقدمي» بيرني ساندرز الذي قال: «أعتقد أن الديمقراطيين كانوا ضعفاء للغاية في أرياف ولاية بنسلفانيا وفي جميع أنحاء هذا البلد. وأعتقد أن والز سيكون رصيداً حقيقياً آتياً من ولاية ريفية للفوز بالدعم الذي تحتاجه في بنسلفانيا وفي جميع أنحاء الغرب الأوسط وأجزاء أخرى من البلاد».

وللعلم، مع أن مينيسوتا، موطن فالز، لم تصوّت للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1972، فاز ترمب بمقاطعات ريفية فيها، وبولايات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا عام 2016، التي تعد مهمة لانتصار هاريس بعد أن قلبها بايدن في 2020.

السياسة الخارجية

يعد تيم والز يعد من أنصار ما يطلق عليه «المعسكر الواقعي» في السياسة الخارجية، وهو يدعم التعاون العالمي، وبخاصة مع الشركاء الأوروبيين، والاستثمار في العولمة كنموذج اقتصادي لنشر الرخاء وتحويل الصراع إلى تنافس. ويرى أن «العلاقة مع الصين لا ينبغي أن تكون على شكل خصومة»، وأن ثمة كثيراً من «مجالات التعاون» بين البلدين. ويؤيد بقوة مواصلة أميركا دعم أوكرانيا في «حربها الدفاعية» ضد روسيا.

أخيراً، بالنسبة للشرق الأوسط، يلتزم والز بالدفاع عن إسرائيل، لكنه يرفض تحوله إلى رخصة للتعدّي على حقوق المدنيين الفلسطينيين، ولذا يدعم حل الدولتين، لينعكس موقفه هذا بتراجع نسبة «غير الملتزمين» في الولايات المتأرجحة. ويُذكر أنه عارض حرب العراق ودعا إلى سحب القوات الأميركية منه، وطالب باستخدام الدبلوماسية في سوريا بدلاً من التورط في حربها الأهلية. وعارض الضربات الأميركية الجوية هناك في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ودعم الاتفاق النووي مع إيران.