طرابلس تهدد بالاحتكام للقضاء الدولي لتمكينها من إدارة «الأرصدة المجمدة»

عقب تحرك بلجيكي لسحب 47 مليون يورو منها

مواطن يسحب عملة محلية من مصرف محلي بمصراتة شرق طرابلس وتملك ليبيا مليارات الدولارات المجمدة في الخارج منذ «انتفاضة 17 فبراير» (رويترز)
مواطن يسحب عملة محلية من مصرف محلي بمصراتة شرق طرابلس وتملك ليبيا مليارات الدولارات المجمدة في الخارج منذ «انتفاضة 17 فبراير» (رويترز)
TT

طرابلس تهدد بالاحتكام للقضاء الدولي لتمكينها من إدارة «الأرصدة المجمدة»

مواطن يسحب عملة محلية من مصرف محلي بمصراتة شرق طرابلس وتملك ليبيا مليارات الدولارات المجمدة في الخارج منذ «انتفاضة 17 فبراير» (رويترز)
مواطن يسحب عملة محلية من مصرف محلي بمصراتة شرق طرابلس وتملك ليبيا مليارات الدولارات المجمدة في الخارج منذ «انتفاضة 17 فبراير» (رويترز)

عادت قضية الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، عام 2011 إلى واجهة الأحداث مجدداً عقب تحرك بلجيكي لدى الأمم المتحدة للسماح باقتطاع جزء من حسابات صندوق «الثروة السيادية» الليبية تعويضاً عن خسائر لحقت بمنظمة بلجيكية كانت تقوم بمشروع في ليبيا عام 2010، ما دفع سلطات طرابلس إلى التهديد بالاحتكام للقضاء الدولي حال عدم السماح لها بإدارة هذه الأرصدة.
وعبرت حكومة «الوفاق» المدعومة دولياً، عن استيائها لهذا التحرك، الذي وصفه مسؤول ليبي قريب الصلة بالمجلس الرئاسي في طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، بأنه «محاولة للاستيلاء على أرصدة البلد بشكل غير قانوني». لكنه قال إن «الحكومة لن تتوانى عن حماية أموال الشعب الليبي».
وتحدث طاهر السني مندوب ليبيا بالأمم المتحدة، في كلمته أمام مجلس الأمن، مساء أول من أمس، عن «أضرار عديدة لحقت بهذه الأرصدة، بما يخالف قرار التجميد الذي سبق أن اتخذته الأمم المتحدة،»، لافتاً إلى أن التقارير الدولية الموثوق بها، والمحلية أيضاً، تؤكد على وجود خسائر متوالية لحقت بهذه الأرصدة «وفي كل مرة نسمع الحجة تلو الأخرى لمنعنا من إدارتها».
وهدد السني بأن ليبيا «ستحتكم للقضاء الدولي حال عدم السماح لها بإدارة هذه الأموال المجمدة، والمطالبة بتعويض أيضاً»، داعياً الأمم المتحدة إلى «وضع آلية جديدة تسمح لمؤسسة الاستثمار الليبية بإدارة هذه الأرصدة لعدم إهدارها».
وقال أستاذ الاقتصاد الليبي الدكتور عطية الفيتوري، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس: «صحيح قد تكون هناك خسائر أو عدم تحقق أرباح لهذه الأصول، لكن الإفراج عن أصول المؤسسة الليبية للاستثمار، وجعلها تحت يد بعض الليبيين في هذا التوقيت، قد يعرضها لخسائر أكبر».
وتقدر قيمة الأصول الليبية المجمدة في الخارج بنحو 67 مليار دولار. وسبق أن طالب محمد الطاهر سيالة، وزير الخارجية بحكومة «الوفاق»، بأن يكون لليبيا دور في إدارة هذه الأرصدة، ومتابعة ما تحققه الأموال والأصول الليبية في الخارج من عوائد، لا تشملها القرارات الدولية الصادرة بشأن تجميدها.
واستنكر مندوب ليبيا تهديد بعض الدول بوضع يدها على هذه الأرصدة بداعي تعويض خسائر شركاتها في ليبيا، لافتاً إلى ما حدث ببروكسل خلال محاولة لحجز 14 مليار يورو من الأموال الليبية، والاتجاه لوضع اليد على قرابة 50 مليون دولار كتعويضات. وتابع: «حكومة الوفاق ستتقدم بطلب إلى مجلس الأمن قريباً تدعوه لإجراء تعديل على نظام العقوبات لمنع استمرار تآكل هذه الأرصدة ومعالجة ما أصابها من ضرر، بالإضافة لتمكين المؤسسة الليبية للاستثمار من إدارة الأموال والأصول دون رفع التجميد عنها الآن».
ويتجدد من وقت لآخر فتح هذا الملف، على خلفية تلويح عدد من الدول التي لديها أرصدة ليبية في مصارفها باقتطاع جزء منها كتعويض لشركاتها لعدم اكتمال مشاريعها في البلاد عقب اندلاع (انتفاضة 17 فبراير (شباط) قبل قرابة عشرة أعوام.
وأفادت وسائل إعلام بلجيكية، نهاية الأسبوع الماضي، بأن بروكسل خاطبت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة لطلب سحب 47 مليون يورو من حسابات صناديق الثروة السيادية الليبية لصالح منظمة الأمير لوران غير الربحية، تعويضاً عن فسخ عقد بين ليبيا والمنظمة عام 2010 من طرف واحد، كان يقضي بتشجير جانب من الساحل الليبي.
ورأى أستاذ الاقتصاد الليبي أن «الصراعات المحلية للسيطرة على إدارة المؤسسة من قبل أشخاص ليست لديهم الكفاءة المطلوبة لإدارتها قد يعرض هذه الأصول لخسائر إضافية، كما أن هناك فساداً كبيراً بإدارة الشؤون الاقتصادية في ليبيا سيطال إدارة هذه المؤسسة الضخمة».
ووصل الانقسام السياسي في ليبيا مبكراً إلى المؤسسة الليبية للاستثمار التي تدير «صندوق الثروة السيادي»، وسط تنازع على تولي رئاسته.
وكان مجلس النواب الليبي، دعا الدول الغربية، إلى عدم رفع التجميد عن الأرصدة الليبية المجمدة، استجابة لبعض الأطراف الداخلية، في إشارة لحكومة «الوفاق». وقال حينها إنه «يتابع بقلق شديد المعلومات التي تفيد بسعي بعض الدول الأوروبية التي تملك أرصدة ليبية مجمدة بالتنسيق مع أطراف في ليبيا، إلى تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، يقضي برفع التجميد عن الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».