أميركا تتخوف من توقف النفط الليبي... وبريطانيا تطالب بمغادرة «المرتزقة»

تفاهمات حول «المناصب السيادية» تصطدم برفض برلماني

خزانات نفط في مدينة البريقة (أ.ف.ب)
خزانات نفط في مدينة البريقة (أ.ف.ب)
TT

أميركا تتخوف من توقف النفط الليبي... وبريطانيا تطالب بمغادرة «المرتزقة»

خزانات نفط في مدينة البريقة (أ.ف.ب)
خزانات نفط في مدينة البريقة (أ.ف.ب)

عبر ريتشارد نورلاند، سفير أميركا لدى ليبيا، أمس عن مخاوفه من أنّ «أي إغلاق إضافي لقطاع الطاقة الليبي سيضر بجميع الليبيين»، ومن جهتها طالبت بريطانيا بـ«سرعة إخراج المرتزقة» من البلاد.
وقالت السفارة الأميركية في بيان مقتضب، أمس، إن نورلاند، الذي يمارس مهام عمله من تونس، عبر عن هذه المخاوف لدى اجتماعه أول من أمس مع مصطفى صنع الله، رئيس مؤسسة النفط الموالية لحكومة «الوفاق»، التي يرأسها فائز السراج، من دون أن تحدد مكان الاجتماع.
ومن جانبه، لم يفصح صنع الله عن فحوى هذه المحادثات. لكنه أعلن لدى اجتماعه بمقر المؤسسة في طرابلس مع مدير عام الشركة الوطنية للإنشاءات النفطية، خير الله صالح، دعمه لها، باعتبارها إحدى شركاتها الوطنية، التي تسعى للنهوض بها وتطويرها.
في سياق ذلك، منح منتسبو حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الغربية وزير المالية بحكومة «الوفاق»، فرج بومطاري، مهلة أسبوع للتراجع عن قراره بشأن وقف علاوة مرتباتهم، وهددوا بإغلاق مصفاة الزاوية في حال تجاهل هذه المطالب.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر بميناء الحريقة تأكيده استمرار توقف العمل به، بعد أن أغلقه جهاز حرس المنشآت النفطية، التابع لـ«الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، بسبب تمسكه بصرف الرواتب المتأخرة لعناصره.
وأعلنت عناصر الجهاز في بيانين منفصلين من ميناء الحريقة ومنطقة الهلال النفطي إيقاف تصدير النفط، بينما سجلت النقابة العامة للنفط في بيان مساء أول من أمس، رفضها هذه الخطوة «مهما كانت الأسباب والمبررات»، مشيرة إلى أضرارها المادية والمعيشية على المواطنين.
إلى ذلك، رحبت بريطانيا على لسان سفارتها في ليبيا بالبيان الصادر عن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وذلك بمناسبة مرور ثلاثة أشهر على اتفاقية وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في جنيف. كما أشادت بالخطوات المهمة التي اتخذتها اللجنة نحو تنفيذ بنود الاتفاق.
وأعلنت استمرارها في دعم اللجنة العسكرية المشتركة والبعثة الأممية في تنفيذ وقف إطلاق النار، داعية جميع الأطراف إلى تسريع الجهود المبذولة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك المغادرة الفورية لجميع القوات الأجنبية و«المرتزقة» في ليبيا، وإعادة فتح الطريق الساحلي.
في شأن آخر، رحب أحمد معيتيق، نائب السراج، لدى اجتماعه مساء أول من أمس في طرابلس مع سفير كوريا الجنوبية، لي سانغ سو، بقرب استئناف عمل السفارة بطرابلس، وأهمية عودة الشركات الكورية، مشيرا إلى أن سو أشاد بعلاقات التعاون بين البلدين في عديد المجالات، وأكد رغبة الشركات الكورية في استئناف أعمالها في ليبيا.
من جهة أخرى، اعترض أعضاء في مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» على اعتماد مبدأ المحاصصة والجغرافيا لاختيار شاغلي المناصب السيادية، واعتبروه في بيانين منفصلين، مساء أول من أمس، انتهاكا لحق المساواة بين المواطنين، وأن من شأنه إضعاف هذه المؤسسات السيادية، والحد من أدائها، لأن شاغليها سيخضعون لمبدأ الجهوية وليس القانون، حسب قولهم. مشيرين إلى أن «تغليب المعيار الجغرافي، وترسيخ مبدأ المحاصصة؛ أمر مخالف لأحكام الاتفاق السياسي، المنصوص عليها في المادة الثامنة في ديباجته، والتي أكدت على ضرورة المساواة بين الليبيين في التمتع بالحقوق السياسية والمدنية، وتكافؤ الفرص، ورفض أي تمييز بينهم».
كما شددوا على أن اعتماد مخرجات حوار مدينة بوزنيقة المغربية لهذا التقسيم هو «خرق جسيم للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري المعدل»، إضافة إلى كونه «مساسا بحقوق الإنسان وترسيخاً للتمييز، وتدميراً لمفهوم المواطنة، التي تجمع كافة أبناء الأمة تحت مظلتها».
كما لفت الأعضاء إلى أن لجنتي الحوار بمجلسي النواب و«الأعلى للدولة» غير مخولتين بتوقيع أي اتفاقيات، أو إتمام أي تفاهمات، مبرزين أن مهمتهما تقتصر على تقديم المقترحات، والعودة بها لعرضها على الطرفين، وأن مجلس الدولة «هو سلطة استشارية لا تملك حق سن القوانين والأحكام فوق الدستورية، وما بدر من بعض النواب لا يتعدى كونه مجرد حوار، والمجلس غير ملزم بأي اتفاق أو تفاهم».
بموازاة ذلك، وفيما بدا أنه بمثابة استعراض للقوة، بثت عملية «بركان الغضب»، التي تشنها قوات حكومة «الوفاق»، مساء أول من أمس، صورا فوتوغرافية تُظهر جانبا من التجمع الصباحي لقوة «مكافحة الإرهاب» بالعاصمة طرابلس، وذلك بحضور قائدها مختار الجحاوي، والمتحدث باسم قوات الوفاق العقيد محمد قنونو، الذي أشاد بما سطرته القوة وكافة قوات الحكومة دفاعا على العاصمة طرابلس.
واغتال مسلحون مجهولون مساء أول من أمس، محمود شيوة، أحد قادة غرفة عمليات «ثوار ليبيا»، بعدما أمطروه بوابل من الرصاص أمام منزله بمدينة الزاوية، بحسب وسائل إعلام محلية، علما بأن شيوة يعد أحد أعيان المدينة، ولعب دورا بارزا فيما كان يعرف باسم «عملية فجر ليبيا» عام 2014.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.