حلقة جديدة من «مقيمون في الذاكرة» بـ«دار الشعر» في مراكش

تتناول التجربة الشعرية والنقدية للراحل أحمد المجاطي

ملصق الأمسية (الشرق الأوسط)
ملصق الأمسية (الشرق الأوسط)
TT

حلقة جديدة من «مقيمون في الذاكرة» بـ«دار الشعر» في مراكش

ملصق الأمسية (الشرق الأوسط)
ملصق الأمسية (الشرق الأوسط)

ضمن برمجة تسعى لاستقصاء بعض التجارب الشعرية المؤسسة والرائدة التي شكلت أفق القصيدة المغربية الحديثة ورسخت خصوصيتها، وإثارة القضايا الجوهرية والمركزية التي تهم الخطاب الشعري بالمغرب، تنظم دار الشعر بمراكش، تحت إشراف وزارة الثقافة والشباب والرياضة (قطاع الثقافة) بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش وبيت الشعر في المغرب، الأربعاء، ضمن فقرة «ذاكرة»، بمدرج الشرقاوي إقبال برحاب كلية اللغة بمراكش، ندوة علمية حول «أحمد المجاطي شاعراً وناقداً: حفريات في قضايا وأسئلة الشعر المغربي».
وإذا كانت فقرة «ذاكرة» للعام الماضي قد حفرت في تجربة المعتمد بن عباد شاعراً، فقد اختارت هذه المرة، أن تفتح «ذاكرة شعرية متقدة» ما زالت، إلى اليوم، تفتح كوة جديدة لأسئلة الشعر المغربي.
وتعد تجربة المجاطي (1936 - 1995) أحد رواد القصيدة المغربية الحديثة، ممن استقصوا تجربة الشعر المغربي، من خلال كتابين نقديين: «ظاهرة الشعر الحديث في المغرب» و«أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث». وهو صاحب ديوان «الفروسية»، الذي يمثل تجربة متفردة في خريطة الشعر المغربي الحديث، ما زال إلى اليوم يثير أسئلة النقد الشعري بمنجزه الشعري المتفرد، من خلال ترسيخه وعياً جديداً بالظاهرة الشعرية في المغرب، من ديدن أسئلة الحداثة نصياً ونقدياً، وعبر انشغاله العميق بالشعر الحديث في المغرب وبأزمة الحداثة في الشعر العربي.
ويعرف لقاء «مقيمون في الذاكرة»، الذي خصص للتجربة الشعرية والنقدية للمجاطي، مشاركة ثلاثة من الباحثين والنقاد المغاربة، الذين سيحاولون من خلال هذه اللحظة المعرفية استقصاء تجربة هذا الشاعر الألمعي، وإضاءة الكثير من أسئلته النقدية، والتي ما زالت إلى اليوم تحتفظ براهنيتها: عبد العالي قادا، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب بكلية اللغة العربية، الذي سيتناول «الحداثة الشعرية في المشروع النقدي لأحمد المجاطي»، ومليكة فهيم التي اختارت مقاربة البعد «التخييلي والمرجعي في تجربة المجاطي الشعرية»، في حين سيقرأ الشاعر والباحث محمد الصالحي «المدينة في شعر أحمد المجاطي».
ويقول المنظمون، إن هذه الندوة العلمية، التي تنظم برحاب كلية اللغة العربية بمراكش وبين طلبتها؛ سعياً لاقتراب الأجيال الصاعدة ومجموع الباحثين والطلبة، من تجارب مغربية رائدة وأجيال شعرية أعطت الكثير، للشعر والأدب المغربي، تندرج ضمن سلسلة الندوات التي تنظمها الدار لاستقصاء أسئلة وقضايا الشعر المغربي اليوم. وهو ما يفضي إلى محاولة تبني خطاب جديد، يلامس عمق القضايا وحلحلة الأسئلة والتفكير في راهن الممارسة الشعرية. وأيضاً، مواصلة سلسلة النقاشات التي فتحتها دار الشعر بمراكش، منذ تأسيسها إلى اليوم، مركزة على عمق القضايا الجوهرية التي تهم القصيدة المغربية المعاصرة، وأسئلة النقد الشعري.



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وسط الأجواء المثقلة بالهموم والخوف أعادت رسالة هاتفية بعض الأمل إلى سكان مدينة بيروت، معلنةً عودة أمسيات «مترو المدينة». يتحدث أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، مع «الشرق الأوسط» عن ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها إلى ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطلَ هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إنْ توقّفت النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إنْ تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة، «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».