لم يستمر غياب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن المعترك السياسي أكثر من أيام معدودة بعد مغادرته البيت الأبيض. ونُقل عن مساعدين له أنه يسعى إلى ترجمة وعده الغامض «بالعودة بطريقة ما»، عبر الحفاظ على نفوذه داخل الحزب الجمهوري.
وفيما اعتبرت تلميحاته الأخيرة بتأسيس حزب سياسي جديد، موجهة إلى الجمهوريين الذين قد يفكرون في دعم محاكمته وعزله في مجلس الشيوخ، بدا أيضا أنه في طريقه إلى كسر تقاليد الرؤساء السابقين بعد خروجهم من البيت الأبيض عبر مواصلة لعب دور سياسي كبير وطموح.
نفوذ مستمر
فقد أعلن ترمب في مكالمة هاتفية مسجلة عن دعمه لواحدة من أبرز المؤيدين له ولادعاءاته عن نظرية «مؤامرة الانتخابات» ولإنشاء حزب «اجعل أميركا عظيمة مجددا». ومنح ترمب «موافقته الكاملة والشاملة» لكيلي وارد، على منصب رئيسة الحزب الجمهوري في ولاية أريزونا، التي اختلفت أيضا مع حاكم الولاية الجمهوري. وفازت وارد بفارق ضئيل بنسبة 51.5 في المائة مقابل 48.5 لمنافسها، لتسجل لترمب أول فوز له في معركة الحفاظ على دوره وتأثيره على الحزب الجمهوري، في المرحلة المقبلة.
ونقل عن مساعدين لترمب أنه يدرس جديا فكرة إنشاء حزب ثالث سيسميه «حزب باتريوت» أو الحزب الوطني، وأنه طلب ترشيح منافسين في الانتخابات النصفية المقبلة عام 2022، لكل من النائبة الجمهورية ليز تشيني ابنة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، وبراين كيمب حاكم ولاية جورجيا، والسيناتور ليزا موركوفسكي عن ولاية تكساس، والنائب توم رايس عن ولاية ساوث كارولاينا، الذين وقفوا ضده واعترفوا مبكرا بفوز بايدن في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أشخاص في دائرة ترمب، قولهم إن تهديداته بتأسيس الحزب هي للضغط على أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، لمنعهم من التصويت على قرار عزله. ولا يخفى أن محاولة مقايضته ورقة تأسيس الحزب الثالث بمنع التصويت على عزله، تهدف إلى تمكينه من الاستمرار في الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2024 كما بات معروفا.
إلى ذلك، بدأ ترمب جهوده لاستهداف معارضيه داخل الحزب، عبر الطلب من مساعديه البدء في تحضير قائمة بأسماء مرشحين مؤيدين له لمنافستهم سواء في انتخابات الحزب الداخلية أو الكونغرس وحكام الولايات. ويعتقد بأن حملة ترمب لا تزال تملك أكثر من 70 مليون دولار نقدا، كافية لإطلاق حملته السياسية واستقطاب تبرعات المانحين المؤيدين لأفكاره.
وأمام هذه التحديات التي بكر ترمب في طرحها على الجمهوريين، قد تكون الأمور داخل الحزب تتجه إلى مزيد من الصدامات، خصوصا أن لائحة المعترضين والمتضررين من سلوكه وتهديداته، لا يبدو أنها قد تصغر، رغم أن آخرين وخصوصا بعض الرموز والقيادات المعروفة يدعمون ترمب.
في المقابل، يحاول عدد من قادة الحزب كالسيناتور ليندسي غراهام، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي، لعب دور الوسيط ويحذرون من المزيد من الجهود السياسية الانتقامية، وعدم مهاجمة النائبة ليز تشيني والترشح ضدها، خصوصا أنها تعد ثالث أكبر قيادية جمهورية في مجلس النواب، ومن القيادات الجمهورية العريقة والناجحة.
غراهام المقرب من ترمب سعى إلى إقناعه بالكف عن مهاجمة تشيني وكيمب، وسيندي ماكين أرملة السيناتور الراحل جون ماكين، وسيناتور أريزونا السابق جيف فليك. كما تصاعدت الدعوات إلى عدم تحويل الحزب الجمهوري إلى حزب بصوت واحد، مشددة على ضرورة الحفاظ على التنوع ومعارضة سياسة الإلغاء.
مستقبل الحزب
ويواجه الحزب الجمهوري معضلات جدية واستحقاقات مصيرية، تتعلق بتقديم إجابات عمّا إذا كان سيواصل الاستمرار بمتابعة نهج ترمب أو يعود عنه، أو يتمكن مجددا من احتواء كل التيارات المتصارعة داخله؟
ولا يخفى أن تصريحات عدد من قياداته عكست تلك الخيارات والتناقضات. ففيما وجه كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، اللوم لترمب ولبعض القيادات الجمهورية المتحمسة له، بسبب استفزازهم المحتجين الذين اقتحموا الكابيتول عبر خطابات مشحونة، ظل الناخبون الجمهوريون يعبرون عن دعمهم لترمب، بأكثرية ساحقة حتى الساعة.
وبحسب آخر استطلاع أجرته «واشنطن بوست ومحطة (إي بي سي)، فإن 6 من كل 10 جمهوريين يفضلون بقاء الحزب في دعم سياسات ترمب بدلا من اعتماد مسار جديد. وتخشى القيادات الجمهورية أن يتمكن ترمب من الاحتفاظ بسيطرته على قاعدة الحزب، ما قد يؤدي إلى اندلاع صراعات وإلى خسائر في الانتخابات الحزبية والوطنية، تجدد خسارتهم الانتخابات النصفية في مجلسي الشيوخ والنواب عام 2022 وانتخابات الرئاسة عام 2024.
ولم يتورع عدد من النواب المؤيدين لترمب من تهديد حزبهم الجمهوري، وكل الأعضاء والمناصرين والمانحين، بأن انتماءهم للحزب سيقوم على تصنيف ترمب لهم. هذا ما كتبته النائبة ماجوري تايلور غرين، من ولاية جورجيا على «تويتر»، وهي من أشد المناصرين لترمب ومن مؤيدي نظريات مؤامرة «كيو آنون».
وتنقل العديد من وسائل الإعلام الأميركية أنباء عن تصاعد وتيرة الخلافات في صفوف الحزب الجمهوري في العديد من الولايات. ورصدت تلك الخلافات، خصوصا في الولايات التي شهدت مواجهات قانونية بين جمهوريين حاولوا تبني ادعاءات ترمب بالتزوير، وآخرين رفضوا ذلك، خصوصا بعد رفض المحاكم كل الدعاوى القانونية، كأريزونا وجورجيا وبنسلفانيا وميشيغان.
كما أن انتخابات الإعادة على مقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، وفوز الديمقراطيين فيهما، شكّل صفعة لادعاءات التزوير بعدما شهدت الولاية نفسها إعادة عد وفرز لأصوات انتخابات 3 نوفمبر، من دون تغيير في نتيجة فوز بايدن فيها.
نشاط إلكتروني
ولا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تشهد نشاطا غير اعتيادي بعد انتخابات كبيرة، حيث كان من المفترض أن يسود الهدوء النسبي بين أنصار الفريقين الخاسر والرابح. لكن الناشطين الجمهوريين وخصوصا بعد حجب حسابات ترمب وعدد من قيادات الجمهوريين عن منصات كبرى، وكذلك حرمانهم من منصة «بارلير»، كثفوا من منشوراتهم وتسجيلاتهم الداعمة لترمب، ولمعاقبة الجمهوريين «المنشقين». ويتولى العديد منهم خصوصا الذين لا يزالون يحتفظون بحساباتهم على منصات التواصل، مثل «تويتر»، توظيفها في نشر رسائل ترمب والمحظورين الآخرين.
ويلقي العديد من الجمهوريين المعتدلين باللوم على نزعة التطرف التي باتت تظهر على بعض أنصار ترمب، ويخشون من أن سطوة الرئيس السابق قد تمنع العديد من الجمهوريين الترشح في الانتخابات الحزبية والوطنية، وتؤدي إلى تقلص رقعة الحزب وحضوره السياسي.
غير أن آخرين يعتقدون بأن الوقت والمعارضة الطبيعية التي ستنشأ ضد حكم الديمقراطيين الذين يسيطرون الآن على الإدارتين التنفيذية والتشريعية، قد يعالج الجروح التي أصيب بها الحزب الجمهوري، كما جرى في العهود والإدارات السابقة.
ترمب يسعى إلى الحفاظ على نفوذه داخل الحزب الجمهوري
محاولات «وساطة» بين أنصاره ومنتقديه... ودعوات لوقف السياسات الانتقامية
ترمب يسعى إلى الحفاظ على نفوذه داخل الحزب الجمهوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة