استئناف المحادثات الاستكشافية بين تركيا واليونان اليوم

وسط تحذيرات متبادلة وترقب أوروبي

الفرقاطة البحرية التركية «فاتح» في مياه البوسفور أمس (رويترز)
الفرقاطة البحرية التركية «فاتح» في مياه البوسفور أمس (رويترز)
TT

استئناف المحادثات الاستكشافية بين تركيا واليونان اليوم

الفرقاطة البحرية التركية «فاتح» في مياه البوسفور أمس (رويترز)
الفرقاطة البحرية التركية «فاتح» في مياه البوسفور أمس (رويترز)

تستأنف في إسطنبول اليوم (الاثنين) المحادثات الاستكشافية المتوقفة منذ عام 2016 لبحث ملفات التوتر والخلاف في شرق البحر المتوسط وبحر إيجه بين تركيا واليونان. واستبق الجانبان انطلاق المحادثات بالتعبير عن أملهما بأن تسفر عن نتائج إيجابية.
في الوقت ذاته، أصدرت السلطات التركية أوامر اعتقال بحق 44 قاضياً ومدعياً عاماً بدعوى الارتباط بحركة «الخدمة» التابعة لفتح الله غولن، المتهمة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس رجب طيب إردوغان في 15 يوليو (تموز) 2016، بينما صدر أول موقف عن الإدارة الأميركية تجاه تركيا، عبّرت عنه وزارة الخارجية التي أكدت قلقها بشأن وضع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، مشيرة إلى رفض السلطات الإفراج عن الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش ورجل الأعمال الناشط البارز عثمان كافالا.
وعشية انطلاق المحادثات الاستكشافية في جولتها الـ61، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن بلاده تأمل التوصل إلى حل الخلافات مع اليونان في إطار الحقوق والقانون والإنصاف، و«ننتظر من جارتنا اليونان احترام حقوقنا في بحر إيجه وشرق المتوسط، وتجنب الخطوات التي قد تسبب سوء فهم». وأضاف أكار أن تركيا تمتلك حقوقاً سيادية في بحر إيجه «شبه المغلق»، مؤكداً أنه ينبغي عدم توسيع المياه الإقليمية فيه من جانب واحد؛ «الأمر الذي يؤدي إلى تقييد حرية الملاحة والوصول إلى البحار المفتوحة لكلا البلدين والدول الأخرى».
والأربعاء، وافق البرلمان اليوناني على مشروع قانون لتوسيع المياه الإقليمية للبلاد من 6 أميال إلى 12 ميلاً في البحر الأيوني.
من جانبه، عبّر وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس عن أمله في أن تتحلى تركيا بنهج إيجابي خلال المحادثات الاستكشافية، قائلاً إنه «في حال لم تبدأ المفاوضات بعد هذه المحادثات؛ فتجب إحالة الأمر إلى المحكمة الدولية» في لاهاي.
وأضاف أن الأمر الوحيد المؤكد هو نهج أثينا الإيجابي، معبراً عن أمله في أن يحضر الجانب التركي إلى هذه المحادثات بالروح نفسها، مشيراً إلى أن المحادثات الاستكشافية، التي توقفت في شهر مارس (آذار) عام 2016 عند الجولة ال60، «لم تكن مفاوضات، لكنها سعت للتوصل إلى ما إذا كان هناك قدر كاف من التقارب لإطلاق مفاوضات بشأن قضية واحدة محددة».
وتابع دندياس: «أريد أن أكون واضحاً؛ فالقضية تتمثل في إعادة ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط استناداً إلى القانون الدولي، وفي حال لم تبدأ المفاوضات بعد المحادثات الاستكشافية في ظل عجز الطرفين عن التوصل إلى اتفاق، فإن عليهما أن يوافقا بنص مكتوب على إحالة القضية إلى المحكمة الدولية في لاهاي».
وخاضت تركيا واليونان 60 جولة محادثات بين عامي 2002 و2016، إلا إن خططاً لاستئنافها العام الماضي انهارت بسبب إرسال أنقرة سفينة مسح سيزمي (أوروتش رئيس) إلى مياه متنازع عليها في شرق المتوسط، وخلافات حول القضايا التي تجب تغطيتها.
وتريد أثينا معالجة مسألة إعادة ترسيم المناطق البحرية في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، بينما تقول أنقرة إنه يجب التطرق إلى جميع القضايا بما فيها المجال الجوي.
وحذّر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليونان، الجمعة، من أنه في حال مد مياهها الإقليمية في بحر إيجه فسيكون ذلك سبباً للحرب، موضحاً أن موقف تركيا من قضية بحر إيجه لم يتغير.
في الوقت نفسه، نقلت صحيفة «كاثيميريني» اليونانية عن مصدر دبلوماسي أوروبي قوله: «لقد شهدنا تغييراً كبيراً في الموقف من جانب تركيا فيما يتعلق باليونان وقبرص وقضايا أخرى. لقد حدثت مثل هذه التغييرات في الماضي وأثبتت أنها مؤقتة، لكن هذه المرة تبدو كأنها شيء أكثر جوهرية». وقال المصدر إن العقوبات ستظل مطروحة على الطاولة خياراً، لكنه أضاف أن «معظم الدول الأعضاء تريد الانتظار ومعرفة ما إذا كان نهج تركيا الجديد سيستمر».
وترأس الرئيس رجب طيب إردوغان، السبت، في مدينة إسطنبول اجتماعاً لتقييم السياسة الخارجية لتركيا، شارك فيه وزيرا الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي أكار. وذكر بيان صدر عن دائرة الاتصال بالرئاسة التركية أن الاجتماع تناول المستجدات الإقليمية؛ وعلى رأسها ملفات شرق المتوسط، وليبيا، وإقليم قره باغ، وسوريا، وسبل تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
على صعيد آخر، أصدرت النيابة العامة في أنقرة قرارات اعتقال بحق 44 قاضياً ومدعياً عاماً، بتهمة الانتماء إلى حركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، المتهم من قبل أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، شملت 23 ولاية تركية، بدعوى استخدام المطلوبين تطبيق التراسل الفوري «بايلوك»، والانتماء إلى «حركة غولن»، والارتقاء إلى مناصبهم القضائية بعد استفادتهم من تسريب أسئلة امتحانات مهنية في عام 2011.
من جانبها، أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أولى تصريحاتها بشأن تركيا، والتي تركزت حول قضايا الحريات وحقوق الإنسان، داعية حكومة إردوغان إلى احترام قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والإفراج عن معتقلين بارزين.
وعلقت وزارة الخارجية الأميركية على أوضاع الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك السابق لـ«حزب الشعوب الديمقراطية»؛ ثاني أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، ورجل الأعمال الناشط البارز عثمان كافالا الذي أُلغي حكم براءته الصادر في فبراير (شباط) الماضي ومن ثم اعتُقل بتهمتي التجسس ودعم محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن واشنطن تواصل «متابعة هذه القضايا من كثب. ما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء هذا، وعدد من لوائح الاتهام الأخرى ضد المجتمع المدني والإعلاميين والسياسيين ورجال الأعمال في تركيا، واحتجازهم المطول قبل المحاكمة، ونواصل حث تركيا على احترام هذه الحريات الأساسية وتقديم هذه القضية إلى حل سريع وعادل»، مؤكداً أن «الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ أمر أساسي لأي ديمقراطية سليمة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟