بعد انقطاع استمر 5 سنوات تخللته شكاوى نابعة من مطالب متعارضة بأحقية كل طرف في مياه البحر المتوسط، تستأنف تركيا المحادثات مع اليونان غداً (الاثنين) في أول اختبار لآمالها في تحسين العلاقات المتدهورة مع الاتحاد الأوروبي.
وبينما يقول دبلوماسيون إن إعادة بناء الثقة مهمة شاقة؛ فإن المحادثات تأتي بعد قرار تركيا وقف تحركاتها للبحث عن الغاز في المياه المتنازع عليها، والتي أغضبت اليونان وقبرص. وكذلك تُعقد المباحثات بعد تخفيف حدة التصريحات فيما يتعلق بنزاعات أنقرة الأوسع نطاقاً مع الاتحاد الأوروبي، حسبما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.
كما أن من الممكن أن تمهد المحادثات السبيل لزيارة وشيكة يقوم بها لتركيا قيادات من الاتحاد الأوروبي. ويقول الجانبان إن الإرادة السياسية موجودة لتحسين العلاقات، غير أن التقارب يبدو احتمالاً بعيد المنال بعد سنوات من الخلافات حول اللاجئين وحقوق الإنسان وادعاءات تتعلق بالحقوق البحرية وتدخلات عسكرية تركية وانقسام جزيرة قبرص.
وأبدى جوزيب بوريل، المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تفاؤلاً مشوباً بالحذر، وقال لـ«رويترز» إنه يرى «فرصة سانحة» غير أنه يتعين على أنقرة «التخلي عن نهج المواجهة» والسعي للحوار. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي اتهم الاتحاد الأوروبي «بالعمى الاستراتيجي» فيما يتعلق بتركيا، لسفراء الاتحاد الأوروبي في أنقرة هذا الشهر إنه مستعد لتحسين العلاقات.
ويقول دبلوماسيون إنه سيحتاج ما هو أكثر من مجرد تغيير نبرة تصريحاته وسحب سفينة الاستكشاف التركية من المياه المتنازع عليها لإسكات دعوات بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على أنقرة؛ وهي مسألة سيناقشها قادة الاتحاد في مارس (آذار) المقبل.
وقال دبلوماسي في بروكسل: «لا أرى أي مصالحة كبرى تبعدنا عن المسار الذي نسير فيه الآن. سيتطلب الأمر تحركاً ملموساً من تركيا»، مضيفاً أنه لا يوجد ما يبرر التفاؤل.
وزار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بروكسل الأسبوع الماضي في مهمة للحفاظ على ما وصفه بأنه «جو إيجابي» بين أنقرة والاتحاد الأوروبي. وقال جاويش أوغلو يوم الجمعة إن محادثات خاصة بقبرص ستعقد في نيويورك خلال الشهرين المقبلين.
* ضرر اقتصادي
تأتي جهود إردوغان لبناء جسور مع الشريك التجاري الرئيسي لبلاده في وقت تواجه فيه حكومته ركوداً اقتصادياً. ورغم أن جائحة «كوفيد19» هي القيد الرئيسي على النمو؛ فإنه كانت للتوترات الدولية تداعياتها على الاقتصاد. ووعد إردوغان في معرض رسم مسار اقتصادي جديد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بإصلاحات لنظام القضاء التركي بعد انتقادات متعددة من الحلفاء الغربيين الذين يقولون إن سيادة القانون تآكلت في تركيا بعد محاولة انقلاب عام 2016 والحملة التي أعقبتها على المعارضة. وكانت تركيا تجاهلت عدداً من أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدعو لإطلاق سراح أبرز المعتقلين في البلاد؛ السياسي الكردي صلاح الدين دمرداش ورجل الأعمال عثمان كافالا.
ولم يفصح إردوغان حتى الآن عن الخطوات التي سيتخذها، لكنه استبعد إخلاء سبيل الرجلين. قال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق ورئيس «مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية» في إسطنبول: «الشكوك تحيط بالمدى الذي ستكون تركيا مستعدة للذهاب إليه للوفاء بتوقعات الاتحاد الأوروبي دون أي خطوات (للإصلاح)». وربما يتوقف تحسين العلاقات مع أوروبا أيضاً في جانب منه على مدى قدرة أنقرة على معالجة الخلافات مع الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على تركيا الشهر الماضي بسبب إقدامها على شراء نظم دفاعية روسية.
وقبل يوم من تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن قال وزير الخارجية المعين أنتوني بلينكن إن واشنطن ستنظر فيما إذا كان من الضروري فرض عقوبات أخرى، واتهم تركيا؛ العضو في حلف شمال الأطلسي، بالتصرف كأنها ليست حليفاً. وفي قمة انعقدت خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال الاتحاد الأوروبي إنه سينسق رده على تركيا مع الولايات المتحدة. وقال أولجن إن ذلك معناه أن علاقات أنقرة مع واشنطن «ستكون عاملاً حاسماً في علاقات تركيا مع الغرب بصفة عامة».
* «دون أي قدر من السذاجة»
حتى قبل بدء المحادثات مع أثينا، يختلف الجانبان على الموضوعات التي ستشملها المحادثات؛ إذ تصر اليونان على الاقتصار على ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة. وقال رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، للبرلمان، يوم الأربعاء، إن أثينا لن تناقش القضايا التي تعدّها من حقوقها السيادية، وإنها ستبدأ المحادثات بالتفاؤل، ولكن «دون أي قدر من السذاجة». وقد استبعدت اليونان بحث أي موضوعات أخرى أثارتها تركيا؛ بما في ذلك نزع سلاح جزر شرق بحر إيجه، وقالت إن هذه مسألة تتعلق بالحقوق السيادية.
كذلك عمدت تركيا إلى وضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات مع فرنسا العضو في حلف شمال الأطلسي. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتقداً بارزاً للتدخل العسكري التركي في ليبيا وتحدي أنقرة المطالب البحرية اليونانية والقبرصية. وفي المقابل؛ اتهم إردوغان ماكرون بأنه ينفذ برنامجاً مناهضاً للإسلام وشكك في قواه العقلية. وقد عينت تركيا سفيراً جديداً في باريس كان زميلاً لماكرون خلال دراسته الجامعية. وقال دبلوماسي إن زعيمي البلدين تبادلا الرسائل، وإن ماكرون اقترح فيها إجراء مكالمة بالفيديو.
غير أن مصدراً دبلوماسياً فرنسياً قال إنه من السابق لأوانه إقرار حدوث تحول في التصرفات التركية. وأضاف المصدر أن باريس ستعمل مع شركائها فيما يتعلق باحتمال فرض عقوبات إلى أن تترجم كلمات تركيا إلى أفعال ملموسة.