من النادر أن يلقى تثبيت مرشح أي رئيس أميركي جديد لمنصب وزير الدفاع معارضة من الكونغرس. فالمؤسسة العسكرية كانت، ولا تزال، تمثل صورة الولايات المتحدة وحضورها ودورها العالمي، ما يجعل التأخير في تثبيت المسؤول عن قيادتها أمراً غير مستحب. وندر أن يتسلم الرئيس منصبه من دون أن يكون قد تم تثبيت أبرز وزرائه، خصوصاً في الخارجية والدفاع بوقت مسبق. لكن هذا العام كان مختلفاً، بعد التشكيك بنتائج الانتخابات ورفض الرئيس السابق دونالد ترمب الاعتراف بالهزيمة وأحداث العنف التي رافقت نهاية عهده.
سيتسلم لويد، وهو أول وزير دفاع أميركي من أصول أفريقية، وزارة شهدت خلال حقبة ترمب استقالات متكررة لوزرائها دخلوا في خلافات معه، سواءً لأسباب خارجية أو داخلية. فالجنرال جيم ماتيس الذي حصل كأوستن على استثناء من مجلسي الكونغرس لتولي حقيبة الدفاع قبل مضي 7 سنوات على مغادرته المؤسسة العسكرية، استقال بسبب خلافاته مع ترمب على خطط الانسحاب من سوريا والعراق وأفغانستان. فيما استقال خلفه مارك إسبر بسبب إقحام الجيش في الخلافات الداخلية.
تنسيق مع البيت الأبيض والخارجية
في كلمته أمام مجلس الشيوخ، قال أوستن إنه سيقوم بالموازنة بين الدور الخارجي الذي يلعبه البنتاغون والداخلي في أي خلاف. وتعهد القضاء على التمييز والكراهية والعنصرية والتطرف في صفوف القوات المسلحة. وقال: «تحتاج وزارة الدفاع إلى موارد لمطابقة الاستراتيجية، واستراتيجية تتوافق مع السياسة، وسياسة تتوافق مع إرادة الشعب الأميركي». وأعاد التأكيد على أن «سلامة وأمن ديمقراطيتنا يتطلبان سيطرة مدنية كفؤة على قواتنا المسلحة، وإخضاع السلطة العسكرية للمدنية». ولمزيد من التطمينات، أعلن أنه سيضم وكيل وزارة الدفاع للسياسات في اجتماعات صنع القرار العليا، لضمان استنارة القرارات الاستراتيجية والتشغيلية بالتوجهات السياسية للبلاد.
كما أعلن أنه يريد إعادة التوازن إلى التعاون والتنسيق بين هيئة الأركان المشتركة ومكتب وزير الدفاع، لضمان دمج المدخلات المدنية في كل مستوى من العملية. ولا يخفى أن هذا الأمر يأتي لإصلاح الخلل الذي حصل خلال عهد ترمب، الذي عادة ما اتخذ قرارات فردية، وأحياناً أعلنها عبر «تويتر». ولعل التأكيد الأهم الذي سيعيد التوازن إلى السياسة والدور العسكري الخارجي، هو تأكيده على أنه سيعمل جنباً إلى جنب مع وزارة الخارجية، بعدما غاب التنسيق بينهما في السنوات الأخيرة، على الأقل في مناقشة بعض السياسات التي أدت إلى اتخاذ قرار سحب القوات الأميركية من ألمانيا مثلاً.
مكافحة الوباء
لعل أبرز الأدوار الداخلية التي سيلعبها الجيش هو الاستعداد للتموضع «في الحرب» التي أعلنها الرئيس بايدن على وباء «كورونا»، بعد قراره تفعيل قانون الإنتاج الحربي ليغطي الحاجات للتجهيزات واللقاحات والمشاركة في عمليات الإغاثة والتطعيم. وقال أوستن إن «التحدي الأكبر» الذي يواجهه سيكون جائحة فيروس كورونا، متعهداً بمراجعة سريعة لمساهمات الوزارة في جهود الإغاثة، للمساعدة في «توزيع اللقاحات في جميع أنحاء البلاد وتلقيح قواتنا والحفاظ على الاستعداد».
«قوة الفضاء»
ورغم أن موازنة وزارة الدفاع قد شهدت خلال عهد ترمب أكبر زيادة في تاريخها منذ سنوات، ونفذت القوات الأميركية العديد من برامج تحديث معداتها العسكرية، إلا أن البعض يتوقع خفضاً العام المقبل، لأسباب تتراوح بين ضغوط الموازنة العامة والمشكلات الاقتصادية الناجمة عن الوباء، والمساعدات التي تستعد إدارة بايدن لإنفاقها، سواء لمواجهة تداعيات الفيروس أو لتجديد الالتزام باتفاقية المناخ.
ولا تبدو إدارة بايدن والمؤسسة العسكرية راغبتين في التخلي عن قوة الفضاء التي أسسها ترمب، والتي أصبحت فرعاً سادساً قائماً بذاته من فروع القوات الأميركية. لا بل شدد أوستن والبيت الأبيض على أن جهود مواجهة الهجمات السيبرانية والإلكترونية التي بات يرتبط بعضها بأسلحة تدار من الفضاء ستتعزز أكثر، متوعدين المتورطين فيها بدفع ثمن كبير.
إيران
أعاد أوستن التأكيد على الخطر الذي تمثله إيران على القوات الأميركية ودول المنطقة. وقال إن «إيران نووية» ستعقد مواجهتنا لسياساتها في المنطقة. ولعل التدريبات البحرية المشتركة الأميركية - السعودية، وطلعات القاذفات الاستراتيجية «بي 52» المتكررة، تشير إلى أن المؤسسة العسكرية لا تزال ملتزمة بتحالفات الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتأهب لأي تطورات غير مستحبة. كما أكد البنتاغون أنه لن يطرأ أي تغيير على قرار ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة الأميركية الوسطى، ما يعني أنه لا يوجد تعارض مع عمليات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وأن نتائجها العسكرية ستتواصل، في تناغم مع تصريحات أنتوني بلينكن مرشح بايدن لوزارة الخارجية، الذي قال إنه سيتم البناء على «اتفاقيات إبراهيم».
الصين وروسيا
يشير تأكيد أوستن على أن الصين هي أكبر تهديد سريع للولايات المتحدة، وعلى ضرورة الاهتمام بمناطق المحيطين الهندي والهادئ، إلى عدم وجود تغيير في الاستراتيجية الدفاعية، منذ أن وضعها الرئيس السابق باراك أوباما.
كما جاء بيان البنتاغون الذي رحب برغبة إدارة بايدن في تمديد معاهدة «ستارت» لمدة 5 سنوات مع روسيا، ليعكس التنسيق المبكر بين البيت الأبيض والبنتاغون، في هذا الملف. فالبنتاغون لا تريد تشتيت الجهود للدخول في سباق تسلح جديد مع روسيا، على الأقل في هذه المرحلة، في ظل المشكلات الداخلية والخارجية. ويشدد على أن الفشل في تمديد معاهدة ستارت الجديدة بسرعة من شأنه أن يضعف فهم أميركا «للقدرات النووية بعيدة المدى لروسيا». وشدد البنتاغون على تقديم الدعم والتنسيق مع وزارة الخارجية لتنفيذ هذا التمديد، واستكشاف ترتيبات جديدة، مؤكداً في الوقت نفسه على أن البنتاغون سيواصل مراقبة التحديات التي تمثلها روسيا وأفعالها العدائية والمتهورة.