أرمين لاشيت... هل يكون وجه ألمانيا الجديد أمام العالم؟

زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي مدافع عن نظام الأسد وسياسات روسيا والصين

أرمين لاشيت... هل يكون وجه ألمانيا الجديد أمام العالم؟
TT

أرمين لاشيت... هل يكون وجه ألمانيا الجديد أمام العالم؟

أرمين لاشيت... هل يكون وجه ألمانيا الجديد أمام العالم؟

حتى قبل أيام معدودة، لم يكن أرمين لاشيت إلا مجرد سياسي ألماني محلي. إلا أنه اليوم بعد فوزه بزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي قادته أنجيلا ميركل لعشرين سنة، بات وجهاً يثير اهتمام العالم. فهو قد يكون «خلف» السيدة التي تحولت إلى وجه ألمانيا الحديثة، بعدما حكمت البلاد منذ 16 سنة وتغادر منصبها في سبتمبر (أيلول) المقبل بشعبية قد تكون الأعلى لزعيم يخرج من السلطة.
نهاية عهد هذه المرأة المعروفة هنا بـ«ماما ميركل» - أو «موتي» بالألمانية - يدفع كثيرين للتساؤل عن كيف ستكون ألمانيا من بعدها؟ ومن سيحكمها؟ وبما أن حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، يحل أولاً في استطلاعات الرأي، فأمام لاشيت فرصة كبيرة بأن يكون هو مَن يحكم ألمانيا بعد ميركل، في حال تخطيه بضع عقبات إضافية أمامه.
في المقابل، فإن هذا السياسي، المعروف بقرب سياساته المتعلقة بالهجرة والتعاون الأوروبي وغيرها من سياسات المستشارة، يحمل أفكاراً خاصة في مجال السياسات الخارجية تخيف البعض، خاصة فيما يتعلق بروسيا والصين وسوريا. هذه الأفكار تناقض بشكل أو بآخر انفتاحه الكبير على التعدد الثقافي وعلى اللاجئين والمهاجرين لدرجة دفعت رفاقه في الحزب يلقبونه بـ«أرمين التركي»؛ بسبب تأييده الشديد دمج الألمان من أصول تركية داخل الحزب والمؤسسات الحكومية. ولكن من يكون فعلاً هذا الرجل الذي قد يصبح قريباً وجه ألمانيا أمام العالم؟
مع أن أرمين لاشيت البالغ من العمر 59 سنة، لم يتبوأ منصباً حكومياً فيدرالياً منذ انخراطه في العمل السياسي، فإن السياسة الخارجية كانت حاضرة في مسيرته. إذ إنه من منصبه الحالي كرئيس حكومة ولاية شمال الراين ووستفاليا - كبرى الولايات الألمانية الـ16 من حيث عدد السكان وأقواها اقتصادياً - يدير لاشيت العلاقات «الخارجية» لولايتها بما يخدم مصلحتها الاقتصادية.
وربما تكون هذه المصالح هي التي تتحكم بالكثير من آرائه السياسية التي عبّر عنها، خاصة فيما يتعلق بروسيا والصين. ففي شمال الراين ووستفاليا هناك قرابة 1200 شركة تعمل في روسيا، وعلاقات الولاية الاقتصادية مع الصين هي الأقوى بين الولايات الأخرى. وفي سياق متصل، فإن مقاربة لاشيت «اللينة» تجاه الدولتين دفعت بالبعض لاتهامه بأنه متعاطف مع «أنظمة أوتوقراطية».

تأييده نظام الأسد
لم تساعد تصريحات لاشيت المدافعة عن رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2014 برد هذه السمعة عنه، بل زادتها صدقية. ورغم أن تصريحاته عن الأسد قديمة، فهي عادت لتظهر بعد انتخابه زعيماً للحزب. ما يذكر أنه عام 2014، قال لاشيت - الذي كان يشغل يومذاك منصب نائب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في مقابلة مع صحيفة «تاغس شبيغل»، إنه يؤيد أي ضربات جوية تستهدف «داعش» في سوريا وإن كانت تصب في مصلحة الأسد، منتقداً دعم الولايات المتحدة فصائل سورية معارضة. وتابع في حينه «أي دعم في القتال ضد (داعش) أمر ضروري ومرحّب به» ولو كان يساعد الأسد. وأضاف «سوريا في ظل حكم الأسد دولة أوتوقراطية، لكنها سمحت للديانات والمذاهب المختلفة مثل المسيحية والشيعة والعلوية واليهود مساحة للتنفس. ولو أطيح بالأسد، كما تريد بعض الدولة الغربية، لكان (داعش) في دمشق الآن، ليس بعيداً عن الحدود مع إسرائيل». على هذا الكلام ردت أورسولا فون دير لاين - التي كانت آنذاك منصب وزيرة الدفاع وهي اليوم رئيس المفوضية الأوروبية – بالقول، إن «المجتمع الدولي لن ينسى أبداً أن الأسد استخدم الغاز السام ضد شعبه».
مع هذا، عاد لاشيت فكتب عام 2018 تغريدة على «تويتر» تشكك في استخدام النظام السوري الأسلحة الكيمياوية وتتهم «داعش» باستخدامها. وقال تعليقاً على تقرير لقناة «زد دي إف» الألمانية حول اعتداء الغوطة عام 2013 «تنظيم الدولة الذي حرك أنيس العامري من سوريا، ما زال ناشطاً... استخدام الغاز السام أمر مقيت بغض النظر عن مستخدمه». وأنيس العامري هو لاجئ تونسي نفذ عملية إرهابية في برلين خلال ديسمبر (كانون الأول) 2016.
وقبل يومين عاد الصحافي ماتيو فون رو في مجلة «در شبيغل» ليذكّر بكلام لاشيت هذا، ويعلق «لاشيت شارك في دعاية النظام السوري الذي ساوى بين الجماعات المعارضة و(داعش)، وشارك هذه النظرية عبر (تويتر) بتحميل (داعش) مسؤولية الاعتداء الكيماوي في الغوطة التي تسيطر عليها المعارضة عوضاً عن اتهام النظام بذلك، علماً بأن (داعش) لم يكن موجوداً في الغوطة».

ودفاع عن سياسات بوتين
وقبل ذلك، في عام 2015، دافع لاشيت حتى عن الوجود الروسي في سوريا. إذ كتب تغريدة قال فيها «لماذا يعتبر انتشار روسيا ضد (داعش) مقلقاً بينما الضربات الجوية الغربية مفيدة؟ الحل الوحيد في سوريا هو مع روسيا»، غاضاً النظر بذلك عن الاتهامات الموجهة لروسيا باستهدافها المدنيين وضرب المستشفيات في سوريا طوال سنوات.
كل هذه التصريحات التي عادت لتطفو اليوم على السطح دفعت ساسة من أحزاب ألمانية أخرى لتوجيه انتقادات للاشيت. فقال النائب عن حزب «الخُضر» أوميد نوربور – وهو إيراني الأصل - إنه تلقى رسائل كثيرة من أصدقاء في أوروبا الشرقية ومن معارضين سوريين يعبرون عن قلقهم من آراء لاشيت. وأردف «كان الأمر سيئاً كفاية عندما كان يحمل هذه الأفكار وهو يقود إحدى الولايات الألمانية، ولكن إذا استمرت هذه الأفكار معه كزعيم لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فهذا الأمر يشكل خطراً أمنياً على ألمانيا وأوروبا». وحول الموضوع الروسي، فإن دفاعه عن روسيا يتخطى في الواقع وجودها في سوريا. فهو اشتكى مرة من «الشعبوية المعارضة لبوتين لأغراض تسويقية» التي تنتشر في ألمانيا. واقتبس عن هنري كيسنجر قوله «إن شيطنة بوتين ليس سياسة، بل حجة لغياب السياسة». بعدها، عام 2018، شكّك بمسؤولية روسيا عن محاولة اغتيال العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا. وهو اليوم في طليعة المؤيدين لاستمرار مشروع «نورد ستريم2» الذي يوصل الغاز الطبيعي الروسي مباشرة إلى ألمانيا، وكان عرضة لعقوبات أميركية بدأت في عهد دونالد ترمب ويتوقع أن ستستمر في عهد جو بايدن.
العلاقة الاقتصادية لولاية شمال الراين ووستفاليا، التي يحكمها لاشيت منذ 2017، مع روسيا قد تفسر مواقفه هذه من موسكو. فهو اعترف مرة بأن هناك قرابة الـ1200 شركة في الولاية تستثمر أو لديها علاقات عمل في روسيا. وتحدث أيضاً اعتماد الولاية الكبير على واردات الغاز الروسي الطبيعي. لكن، في المقابل، يقول أحد المقربين منه يقول بأن علاقته ليس مقربة ببوتين بالشكل الذي هي عليه علاقة رؤساء الولايات الأخرى مع الزعيم الروسي، بدليل أن لاشيت رفض زيارة موسكو حتى الآن. ويقول المقرب منه أيضاً بأن أفكار لاشيت فيما يتعلق بروسيا والسياسة الخارجية لا تختلف كثيراً عن أفكار ميركل. وقد يكون هذه الأمر صحيحاً فيما يتعلق بروسيا؛ كون ميركل تدافع أيضاً عن اتفاقية «نورد ستريم2».

أما لناحية علاقة لاشيت بالصين، فتأكدت أكثر بعد فوزه أخيراً. إذ رحبت الصين بانتخابه واعتبرت أن وصوله للزعامة وربما لاحقاً لقيادة ألمانيا يوحي بأنه سيكمل بالسياسة «الصديقة» للصين التي بدأتها ميركل وتوجت باتفاقية تجارة بين الاتحاد الأوروبي وبكين غير مسبوقة في نهاية العام الماضي عندما كانت ألمانيا تترأس الاتحاد لستة أشهر. ولاشيت، مثل ميركل، يعارض حظر شركة «هواوي» الصينية من المشاركة في المناقصة لبناء شبكة الـ«جي5» في ألمانيا. وكان قد وصف الصين في سبتمبر الماضي بعد لقائه سفيرها في برلين بأنها «شريك قريب مهم»، مشيراً إلى أن ثلث الشركات الصينية في ألمانيا موجودة في ولايته. وتحدث حينها عن المساعي لتعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات عدة مع بكين.

كيف ستعامله واشنطن؟
مواقف كهذه قد تضع لاشيت في مواجهة مع إدارة بايدن العازمة على اتخاذ موقف متشدد من الصين، والتي كانت تراهن على التعاون الأوروبي للوصول لمقاربة مشتركة لمواجهة تمدد بكين. وقد تحرج هذه العلاقة لاشيت، المؤيد القوي لعلاقة شراكة قوية مع الولايات المتحدة. وهذا مع العلم أنه سارع لتهنئة الرئيس الأميركي الجديد بُعيد أدائه قسم اليمين، وغرّد «أهنئ الرئيس الـ46 للولايات المتحدة جو بايدن، وأتذكر أن الجنود الأميركيين هم من حرروا بلدتي في أكتوبر (تشرين الأول) 1944، وأمّنوا حرية برلين والعالم الحر. مستقبلنا تحكمه إعادة إحياء الصداقة عبر الأطلسي».
أوروبياً، يعد لاشيت من أشد المؤيدين للاتحاد الأوروبي، وكان قد أمضى 6 سنوات في بروكسل نائب في البرلمان الأوروبي بين 1999 و2005. وانتقد ميركل في السابق لترددها في أخذ ألمانيا بعيداً في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي. وفي «مؤتمر ميونيخ للأمن» العام الماضي «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقدم اليوم اقتراحات، ولكن نحن نأخذ وقتاً طويلاً جداً للرد عليها»، في انتقاد مبطن لميركل التي لم ترد على اقتراح ماكرون لجعل أوروبا أكثر اندماجاً وتكاملاً بعد.

«أرمين التركي»
بعيداً عن السياسة الخارجية، فإن لاشيت يعرف بين محازبيه بـ«أرمين التركي»، بسبب دعمه وتأييده دمج من هم من أصول مهاجرة في الحزب ومؤسسات الدولة. وهو رغم سياساته المثيرة للجدل حول سوريا والأسد، يعد من أبرز المؤيدين والمدافعين عن اللاجئين السوريين في ألمانيا. وكان قد زار في الماضي مخيمات لجوء في اليونان وتركيا والأردن للوقوف على وضع اللاجئين فيها. وأيّد سياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها ميركل لإدخال مئات الآلاف من السوريين عام 2015.
هذا الانفتاح الكبير على المهاجرين، قد لا يعجب البعض داخل الحزب، خاصة من بين اليمينيين المتشددين الذين يعتبرونه «ليبرالياً». وهؤلاء كانوا يأملون بأن يخلف ميركل في زعامة الحزب زعيم يحمل أفكاراً كأفكارهم، مثل منافسه الخاسر فريدريش ميرز الذي كان تعهد باستعادة الذين خسرهم الحزب لحساب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف في الانتخابات الماضية.
في أي حال، يتمتع لاشيت بقدرة لا بأس بها على توحيد الحزب. واختار التركيز على هذه النقطة في خطابه أمام المندوبين قبل التصويت على زعيم الحزب المقبل، وثبت بالفعل أنه خطاب فائز. وتحدث في خطابه عن والده الذي كان يعمل في المناجم واستلهم منه فكرة «التضامن» ليتحدث منها عن الوحدة داخل الحزب.

بطاقة هوية
يتحدر جدّا لاشيت من الأقلية الألمانية في بلجيكا، بينما زوجته من عائلته بلجيكية والونية تتكلم الفرنسية. ولاشيت نفسه يجيد الفرنسية والإنجليزية، ولقد نشأ في بيت كاثوليكي محافظ، وله من زوجته 3 أولاد.
درس القانون والصحافة بشكل متوازٍ في جامعتي بون وميونيخ، وعمل بعد تخرجه في الصحافة. وكان مراسلاً لقناة تلفزيونية وإذاعة راديو في بون، وعمل أيضاً رئيس تحرير لجريدة «كيرشن تزايتونغ آخن» وهي صحيفة كاثوليكية في مدينة آخن (إكس لا شابيل) الحدودية التاريخية العريقة.
دخل لاشيت عالم السياسة عام 1994، وفاز بمقعد في البوندستاغ حينها، وبعدما خسره في الانتخابات العامة التالية خاض غمار الانتخابات الأوروبي وفاز بمقعد بالبرلمان الأوروبي عام 1999. وعاد إلى ولايته عام 2005 ليبدأ مسيرته في السياسة المحلية وزيراً للعائلة والاندماج عام 2005. وفي عام 2010 ترشح لزعامة الحزب في ولايته، لكنه خسر أمام نوربرت روتغن، المرشح الذي خسر أمام لاشيت في انتخابات زعامة الحزب الأخيرة. عام 2012 عاد لاشيت ليتسلم زعامة حزبه بنجاح في ولايته إثر استقالة روتغن من المنصب. ومع أنه مُني في مسيرته السياسية بخسائر عدة، فإنه بقي مصمماً على التقدم، حتى وصل قبل أسبوع إلى زعامة الحزب.
مع هذا، حتى عند هذه النقطة لن تنهي معاركه. فأمامه معارك أخرى سيخوضها قبل الوصول إلى قيادة البلاد، وخلافة ميركل في منصبها الثاني، مستشاراً لألمانيا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».