أحيا تعثر مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، جدلاً سياسياً في لبنان، ويعتقد البعض أنه أضاع على لبنان التقاط فرصة أتاحتها الوساطة الأميركية، بعدما تغلب الاتجاه الداعي لانتظار ما يمكن أن تقدمه الإدارة الأميركية الجديدة. ومعلوم أن عملية التنقيب عن النفط والغاز أمام سواحله تعتريها صعوبات تقنية، وتعاكسها الأوضاع الاقتصادية العالمية التي فرضت مزيداً من الحذر على شركات التنقيب العملاقة، ويضاف إليها أن الجولة الاستكشافية الأولى لم تكن مشجعة حيث لم تكتشف فيها موارد كافية لبدء التنقيب الفعلي.
وفيما حاول «حزب الله» وحلفاؤه الترويج لنظرية تقول إن الحكومات السابقة «فرّطت بحقوق لبنان»؛ تقول الوقائع التي استقتها «الشرق الأوسط» من خبراء وسياسيين كانوا في موقع المسؤولية، إن الحزب لم يكن بعيداً عن أجواء العمل التقني الذي قامت به هذه الحكومات، وكان موجوداً في معظمها، أو كان مقربون منه حاضرين في أعمال التحضير لترسيم الحدود. بدءاً من الأعمال الأولى في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، ابتداء من العام 2008، بعد اتفاق أولي لترسيم قسم من خط الوسط للحدود بين لبنان وقبرص. هذا الاتفاق الأولي لم يُحل إلى المجلس النيابي لإقراره، بسبب الحاجة لاستكماله بتجديد النقطة الثلاثية للحدود البحرية مع قبرص، في الجنوب مع فلسطين المحتلة، أو في الشمال مع سوريا. ومع تعذر تحديد النقطة الثالثة، استغلت إسرائيل الأمر لرفع سقف مطالبها في المفاوضات غير المباشرة التي عقدت 4 جلسات منها في مبنى تابع للأمم المتحدة في رأس الناقورة، في أقصى جنوب غربي لبنان، أواخر العام الماضي.
استئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في جنوب لبنان يمكن أن يتحقق بعد تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم. إذ إن الولايات المتحدة تقوم بدور الوسيط والمسهّل للمفاوضات، غير أن «حزب الله» ومقربين منه أطلقوا في هذه الأثناء حملة اتهامات لرئيس الحكومة اللبناني السابق فؤاد السنيورة، وصفها الرئيس السنيورة لـ«الشرق الأوسط» بأنها «معركة مزايدات» يدّعي فيها الحزب «بطولات، ويزيد من حدّتها من أجل إظهار موقفه بأنه هو الذي يدافع عن مصالح لبنان الوطنية في وجه من يتهمهم زوراً وبهتاناً بأنهم يحاولون التفريط بحقوق لبنان في وجه إسرائيل».
بدأت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) باجتماع وفدين من البلدين في قاعدة للأمم المتحدة عند رأس الناقورة، في مفاوضات غير مباشرة تحت علم الأمم المتحدة وحضورها ورعايتها، وبوساطة وتسهيل أميركيين، في محاولة لحل نزاع بشأن الحدود البحرية عرقل التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة التي يحتمل أن تكون غنية بالغاز.
المباحثات وصلت بعد 4 جلسات إلى حائط مسدود، على خلفية رفع الطرفين سقف الشروط. فقد طالب لبنان خلال جلسات التفاوض بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً مربعاً إلى الجنوب من النقطة 23 تشمل جزءاً من حقل «كاريش» الذي تعمل فيه شركة إنرجيان اليونانية، تُضاف إلى الـ860 كيلومتراً بحرياً، التي كان الخلاف على أساسها منذ العام 2009. وأودع لبنان الأمم المتحدة مذكرة بها في العام 2011، ما يعني أن لبنان بات يطالب بـ2290 كيلومتراً بحرياً ضمن الخرائط التي قدّمها في جلسات التفاوض الأخيرة، في مقابل الخرائط الإسرائيلية.
وفي الجلسة الرابعة، رفع الوفد الإسرائيلي سقف شروطه، مطالباً بمساحة أكبر تقضم مساحات إضافية في البلوكات البحرية 8 و9 للتنقيب عن النفط في المياه الاقتصادية اللبنانية، أي أنه طالب بمئات الكيلومترات الإضافية، وهو ما ضاعف التعقيدات ووضع العراقيل أمام استمرار المباحثات في الناقورة، ما أصبح يهددها بالتوقف وإعادتها إلى المربع الأول الذي كانت عليه قبل 10 سنوات.
عُلّقت الجلسات، واستنتج الطرف الأميركي، بعد 4 جلسات، أنه لا تقدم بارزاً حصل. ومع أن الأميركيين دخلوا وسطاء في ملف يجزمون بأنه سيؤدي إلى تسوية، فإن التقييم للجلسات السابقة أفضى إلى أن لبنان ذهب بعيداً في شروطه، ما أدى إلى تعقيدات طرأت على هذا الملف. بعدها طلب الجانب الأميركي فرصة لمفاوضات مكوكية قد تنهي المراوحة في الطريق المسدودة. وانطلق الجانب الأميركي بمفاوضات مكوكية على الجانبين اللبناني والإسرائيلي عبر مباحثات ثنائية، كل على حدة، والاستماع إلى الطرفين، لاختبار فرصة التوصل إلى أرضية مشتركة تعيد تفعيل المفاوضات.
مسار الترسيم
توصل لبنان وقبرص في 17-01-2007 إلى اتفاقية ثنائية ومؤقتة وقابلة للتعديل، تُحدد بموجبها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خط الوسط لكل من البلدين، ومبنية على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتمّ ذلك دون تحديد إحداثيات نقطتي طرفي هذا الخط بشكل نهائي، كون ذلك يتطلب ترسيماً ثلاثياً يشترك البلدان (لبنان وقبرص) فيها، مع سوريا شمالاً - وهي تمنعت عنه - ومع إسرائيل جنوباً، لاستحالة ذلك لأسباب مرتبطة بالخلافات مع العدو الإسرائيلي.
لم تُحِل الحكومة اللبنانية الاتفاقية المؤقتة مع قبرص إلى المجلس النيابي نظراً للحاجة لاستكمال تحديد حدود لبنان النهائية جنوباً وشمالاً، وكذلك للقيام بمزيد من الدراسات. وبناء على ذلك، باشرت الحكومة أعمال استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الشمالية والجنوبية انفرادياً، لتعذر الترسيم مع الإسرائيليين من جهة، وسوريا من جهة أخرى.
وفي نهاية 2008، وبناء على طلب من وزير الطاقة والمياه، شُكلت لجنة تتكون من رئاسة الحكومة، ووزارة الأشغال العامة والنقل، ووزارة الطاقة والمياه، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية والمغتربين، والجيش اللبناني، والمجلس الوطني للبحوث العلمية. وكانت من مهمات اللجنة دراسة الاتفاقية الموقعة مع قبرص، ووضع تقرير حول الحدود البحرية الجنوبية، والتأكد من سلامة ما توصّلت إليه الحكومة في تحديدها لخط الوسط.
وتوصلت اللجنة في 29 أبريل (نيسان) 2009 إلى ترسيم الحدود البحرية جنوباً وشمالاً، فأصبح الطرف الجنوبي هو النقطة الثلاثية 23، جنوب النقطة رقم 1، والطرف الشمالي النقطة الثلاثية 7 شمال النقطة رقم 6. وفي هذا الشأن تبنت الحكومة اللبنانية هاتين النقطتين بكونهما تعطيان لبنان مساحات إضافية جنوباً (Most Aggressive Line) ومجالاً جيداً للتفاوض في الحالتين شمالاً وجنوباً عندما يحين الأوان. وبناء على ذلك، أصدر مجلس الوزراء بتاريخ 13-05-2009 القرار رقم 51 الذي يؤكد الحدود البحرية الجنوبية، علماً بأن حكومة السنيورة الثانية في تلك الفترة ضمّت معظم المكونات السياسية الرئيسة في لبنان، بما فيها أعضاء من «حزب الله»، ما يسحب من أيدي أي كان كل الحجج والمقولات المدعاة بأي تفريط بالحدود.
وأودع لبنان يوم 14 يوليو (تموز) 2010 الأمم المتحدة إحداثيات حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية في النقطة 23 والمحددة بشكل منفرد، كذلك أودع إحداثيات الحدود الشمالية مع سوريا في النقطة 7 والمحددة أيضاً بشكل منفرد.
مخالفة قبرصية
مع أن الاتفاق مع قبرص لا يعتبر نهائياً لأن الترسيم يتطلب موافقة جميع الأطراف التي تشترك بالحدود، ولا يحق لأي طرف أن يمضي بأي اتفاق ثنائي، ارتكبت قبرص مخالفة تمثلت بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود بينها وبين إسرائيل في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 بشكل منفرد، وبعد 5 أشهر على إيداع لبنان إحداثيات النقطتين 23 و7 لدى الأمم المتحدة. وهي فعلت ذلك من دون إعلام لبنان والحصول على موافقته كما ينص الاتفاق المؤقت الموقع ما بين لبنان وقبرص.
اعترضت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على تلك الاتفاقية بتاريخ 20 يونيو (حزيران) 2011 لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك لاعتماد إسرائيل النقطة رقم «1» نقطة فصل مشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلة بدلاً من النقطة «23» التي كانت الحكومة اللبنانية (حكومة السنيورة الثانية) حددتها عام 2008، بعكس ما كان يشيعه «حزب الله» وحلفاؤه بأن هذه الحكومة حددت نهاية خط الوسط بالنقطة رقم «1» وأن الآخرين هم الذين حددوا نهاية هذا الخط بالنقطة «23».
وبعد الترسيم القبرصي الإسرائيلي الثنائي، رسمت إسرائيل في 12 يوليو 2011 حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة البحرية مع لبنان من جانب واحد (النقطة رقم «1»)، وأودعت إحداثيات نقاط ذلك الترسيم لدى الأمم المتحدة. وجرى ذلك بعد سنة كاملة من التاريخ الذي كان قد أودع فيه لبنان إحداثيات حدوده البحرية من جانب واحد مع فلسطين (النقطة «23»).
واعترفت إسرائيل، بموجب رسالتها للأمم المتحدة، أن الترسيم الذي أجرته غير نهائي حيث إنه يمكن تعديل إحداثيات النقطة رقم «1» المذكورة في الاتفاقيتين اللبنانية القبرصية، والإسرائيلية القبرصية، وذلك بعد الاتفاق النهائي على ذلك بين الدول المعنية.
اعتراض لبناني
اعترضت الحكومة اللبنانية لدى الأمم المتحدة برسالة موجهة بتاريخ 3 سبتمبر (أيلول) 2011، وصدر القانون اللبناني رقم 163، القاضي بتحديد وإعلان المناطق البحرية للبنان، بتاريخ 18 أغسطس (آب) 2011، وأناط بالحكومة إصدار مرسوم لتعيين الحدود البحرية. وقرّرت الحكومة اللبنانية الإبقاء على ما جرى التوصل إليه في تقرير اللجنة الخاصة الصادر عام 2009. والتي أكّدت على ما قامت به الحكومات اللبنانية قبل ذلك بين 2007 إلى 2009. وبالتالي، صدر المرسوم بتاريخ 01-10-2011 عن حكومة ميقاتي، وتبنّت به تلك الحكومة أعمال اللجنة، والقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء رقم 51 عام 2009. وهي الحكومة التي كان يتمتع فيها «حزب الله» بتمثيل وازن. ويرى مطلعون أن قرار الحكومة اللبنانية آنذاك جاء ليؤكد من جديد معرفة وإقرار «حزب الله» بشكل مباشر بصحة ما قامت به الحكومة من خطوات وقرارات منذ 2007 حتى 2011.
كذلك عام 2012 شكّلت حكومة ميقاتي لجنة خاصة جديدة لإعادة درس ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة (قرار مجلس الوزراء 75-2012 في 11-05-2012). وخلصت اللجنة إلى التأكيد على العمل الذي قامت به لجنة عام 2008، وذكَّرت أن ما قامت به الحكومة اللبنانية ولجنة عام 2008 «كان في الأصل من أجل تأمين موقع متقدم للبنان في الدفاع عن موقفه في حال التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية».
وبعدها، تدخلت الولايات المتحدة محاولة إيجاد حل، وبادر المبعوث الأميركي هوف Hoff إلى اقتراح حلّ لذلك الخلاف بين لبنان و«إسرائيل» حول المنطقة ما بين النقطتين 1 و23 (860 كيلومتراً مربعاً)، وذلك بأن يحصل لبنان على ما يعادل 500 كيلومتر مربع من تلك المنطقة، وتحصل إسرائيل على 360 كيلومتراً مربعاً منها. وهو ما اعترض عليه لبنان، وطالب بأن يتم التوصل إلى اتفاق عبر الأمم المتحدة.
خديعة إسرائيلية واتهامات سياسية
بعد أسبوع واحد على فتح لبنان البلوكات البحرية الحدودية 8 و9 و10 للمزايدة ضمن دورة التراخيص الأولى، حاولت إسرائيل إرباك لبنان بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة في 2 فبراير (شباط) 2017 تعترض فيها على خطوة لبنان بالبدء بالإجراءات المتعلقة بالأنشطة البترولية في المنطقة البحرية المتنازع عليها، قائلة إنها لن تسمح لشركات النفط بالقيام بأعمال الاستكشاف والحفر واستثمار الثروة النفطية في تلك المنطقة. وردّ لبنان بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة في 20 مارس (آذار) 2017 يعترض فيها على رسالة التهديد الإسرائيلية، ويؤكد فيها أن البلوكات البحرية تقع كلياً ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
وتجدر الإشارة أن إسرائيل عمدت إلى تقسيم المناطق العائدة لمنطقتها الاقتصادية الخالصة المتاخمة لحدود لبنان إلى بلوكات تقع كلها داخل المنطقة التي تدعي أنها تابعة لها على أساس الخط الذي رسمه لبنان، أي على الخط المنطلق من رأس الناقورة حتى النقطة 23. إلا أنها طالبت من جانب آخر بالمساحات الواقعة بين النقطة 1 والنقطة 23 والبالغة 860 كيلومتراً مربعاً كوسيلة للضغط بهدف إعاقة جهود لبنان في البدء بالتنقيب في منطقته الاقتصادية الخالصة، ولا سيما البلوكات 8 و9 و10.
حملة على السنيورة
إثر ذلك، رفع «حزب الله» وتيرة هجومه واتهاماته للرئيس السنيورة ولحكومتيه، وأخذ يشنّ «معركة مزايدات ويدعي بطولات ويزيد من حدّتها من أجل إظهار موقفه بأنه هو الذي يدافع عن مصالح لبنان الوطنية في وجه من يتهمهم زوراً وبهتاناً بأنهم يحاولون التفريط بحقوق لبنان في وجه إسرائيل»، كما يقول السنيورة.
السنيورة، قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه ينظر إلى تهجم «حزب الله» عليه شخصياً وعلى حكومتيه واتهامهما بالتفريط بالحقوق، من زاوية المواقف الشعبوية. وبينما يواجه الاتهامات بسرد وقائع من تلك الحقبة، يتوقف عند مفارقة أخرى، تتمثل في تعمّد الحزب إغفال المسألة التي تمثل الجانب الآخر من هذه القضية، والمتعلقة بشمال المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، الواقعة بمحاذاة المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لسوريا.
يشير رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق إلى أنه بعدما رسّم لبنان منفرداً بشكل مؤقت حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية، «عمدت سوريا إلى القيام بذات الممارسة التي قامت بها إسرائيل، فيما يختص بادعائها ملكية قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان، على غرار ما ادعته إسرائيل ملكيتها جزءاً من القسم الجنوبي من تلك المنطقة العائدة للبنان». ويضيف: «التزم (حزب الله) الصمت والسكوت المطبق فيما خصَّ الموقف السوري، الذي اعترض على الترسيم اللبناني المنفرد لمنطقته الاقتصادية الخالصة في الشمال، عبر إرسال سوريا رسالة احتجاج أرسلتها إلى الأمم المتحدة في العام 2014. ولا سيما أن سوريا ادعت ملكية جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وذلك مثلما فعلت إسرائيل من ناحية الجنوب».
ويرى السنيورة أن «ذلك كله يؤكد أن موقف (حزب الله) لم يكن إلا عملاً شعبوياً ودعائياً، القصد منه فقط اختلاق وافتعال قضية يتمسك بها، ولحرف انتباه اللبنانيين عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها اللبنانيون، وادعاء الطهرانية، وأنه هو الذي يدافع عن الحقوق. في المقابل يقوم بتوجيه الاتهامات للآخرين بالتفريط بحقوق لبنان». ويضيف أنه «أكثر من ذلك، كان همّ الحزب من ذلك تشتيت انتباه اللبنانيين وعدم التركيز على اعتماد الإصلاحات الحقيقية لإيجاد الحلول الصحيحة لمشكلاتهم المتفاقمة من جهة أولى، كذلك، ومن جهة أخرى للتعمية وإبقاء المبررات لـ(حزب الله) في الاستمرار بالاحتفاظ بسلاحه، وهو الأمر الذي كان ولا يزال مصدر القلق الأساس له، والذي يتحكم بمجمل مواقفه وقراراته».
في ظل التعقيدات التي تطال مفاوضات الترسيم، تبرز الحاجة للتوصل إلى حلّ عادل لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة في الجنوب وبعدها في الشمال. ويشدد السنيورة على «ضرورة وضع صيغة تتم عبر رعاية تقوم بها الأمم المتحدة لمفاوضات غير مباشرة، وتتم فيها الاستعانة بمحكَّم أو جهة دولية منصفة يمكن التوصل من خلالها، وعبر رعاية الأمم المتحدة، إلى حلّ حقيقي منصف للبنان». ويؤكد أنها «القاعدة التي يمكن اللجوء إليها كذلك في تحديد الحدود النهائية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من ناحية الشمال ومع الشقيقة سوريا».
تعثّر وصول الغاز المصري إلى لبنان منذ 2008
> يعوّل لبنان على استخراج الغاز من مياهه الاقتصادية، بعد العثرات التي حالت دون وصول الغاز المصري إلى لبنان منذ العقد الماضي. وأوضح السنيورة خلال ندوة عن مسائل متعلقة بالمواد البترولية الموجودة في المناطق الاقتصادية الخالصة لدول شرق البحر المتوسط عام 2019، أنه أصبحت هناك إمكانية لاستيراد الغاز من مصر في العام 2008، بعد إنشاء خط بين مصر والعقبة، وصولاً إلى جنوب سوريا عبر الأردن، ويطلق عليه اسم «خط الغاز العربي».
ولقد بدأ لبنان باستيراد الغاز في العام 2008، لكنه في الواقع لم يستورد الغاز المصري، لأن دمشق كانت تأخذ تلك الحصة، وتعطي لبنان في المقابل غازاً سورياً عبر طرابلس، نظراً لعدم استكمال الخط داخل سوريا من الجنوب السوري حتى حمص شمالاً، واستمر الأمر على هذا النحو إلى أن توقفت مصر عن التصدير في العام 2009.
رحلة الاستكشاف منذ 2000
> بدأت أعمال الاستكشاف عن الغاز اللبناني في العام 2000، بعد توقيع اتفاقية بين لبنان وشركة «سبيتكروم» التي ساعدت لبنان في عملية الاستكشاف في أعماق المناطق الاقتصادية اللبنانية على أساس التقنية ثنائية الأبعاد. واختار لبنان النرويج لأنها دولة ذات خبرة طويلة تمتد إلى 40 سنة في قطاع الاستكشاف والاستخراج والاستثمار، وخصوصاً في المناطق المغمورة، وتتمتع بسمعة جيدة في إدارة الموارد المالية الناتجة عنها وفي الفرص الاقتصادية المتحققة من هذا القطاع.
وعلى أساس عملية الاستكشاف، جرى تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان إلى 10 رقع بحرية، بالتزامن مع تقسيم المناطق الاقتصادية لدول المتوسط إلى رقع شبيهة، علماً بأن أول اتفاق إقليمي على تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لبلدين في المتوسط وُقّع بين مصر وقبرص في 17 يناير (كانون الثاني) 2003. عندما كانت شركة «سبيتكروم» تقوم بالاستكشاف في المنطقة الخاصة بلبنان.
عام 2006 زار رئيس الحكومة النرويجية لبنان، والتقى نظيره اللبناني الرئيس فؤاد السنيورة، وتوصل البلدان إلى اتفاق يقضي بمساعدة النرويج للبنان في هذا القطاع الحيوي الذي يعد قطاعاً جديداً وواعداً بالنسبة للبنانيين.
وفي فبراير 2018، وقّع لبنان أولى اتفاقياته البحرية لاستكشاف وإنتاج الطاقة في اثنتين من 10 رقاع قبالة الساحل اللبناني، مع كونسورتيوم، يضم «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتك» الروسية.
وفي 13 ديسمبر (كانون الأول) 2019، أعلنت وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني «إصدار وتسليم أول ترخيص لتجمع شركات توتال وإيني ونوفاتيك، للتنقيب عن النفط والغاز في بلوك 4»، وذلك بعد إنجاز الشركات كل تحضيراتها للبدء بعملية الحفر. وكان التزام الشركات بالمهل التنفيذية دليلاً على استمرار الثقة بلبنان.