مشاورات أميركية - روسية توازي عملية الإبراهيمي

ضغوط على الطرفين السوريين تبقيهما في قاعة المفاوضات

مشاورات أميركية - روسية توازي عملية الإبراهيمي
TT

مشاورات أميركية - روسية توازي عملية الإبراهيمي

مشاورات أميركية - روسية توازي عملية الإبراهيمي

رغم أن الجولة الأولى من المفاوضات بين الحكومة والمعارضة السورية تقترب من الانتهاء من دون نتيجة ملموسة، فإن الطرفين بقيا في جنيف وكررا التزامهما بالعملية السياسية التي يرعاها الممثل الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي. وهناك ضغوط على الطرفين، خاصة من الراعيين للمفاوضات، الولايات المتحدة وروسيا، لمواصلة المفاوضات رغم أن إجراءات «بناء الثقة» في اليومين الأولين لم تفلح، كما أن الطرفين ما زالا مختلفين حول أساس التفاوض.
وأكدت مصادر دبلوماسية أميركية لـ«الشرق الأوسط» أن أعضاء من الفريقين الأميركي والروسي اجتمعوا مرات عدة في جنيف خلال الأيام الماضية، آخرها أمس، لبحث كيفية الضغط على الطرفين للتوصل إلى نتائج ملموسة من المفاوضات بعد الخطوة الأولى، وهي موافقة الطرفين على الجلوس معا.
وردا على سؤال حول وقع المشاورات الأميركية - الروسية على عملية التفاوض التي يديرها بين السوريين منذ يوم الجمعة الماضي، قال الإبراهيمي: «أنا على اتصال بالأميركيين والروس وبإمكانهم استخدام نفوذهما مع الطرفين وأنا متأكد أنهما يفعلان ذلك». ولفت إلى أن «روسيا والولايات المتحدة لديهما علاقات مع الطرفين ولديهما علاقات طيبة بعضهما مع بعض»، مما يساعدهما على التأثير على عملية التفاوض كليا. وفي إقرار من الإبراهيمي على قدرته المحدودة حتى الآن في إقناع الوفدين للمضي قدما في المفاوضات، قال إن واشنطن وموسكو «تستخدمان قدرتهما على الإقناع، وهي أفضل من قدرتي». ولفت إلى أنه «حيادي»، في إشارة غير مباشرة إلى أن الأميركيين والروس غير حياديين في تعاطيهما مع الملف السوري ولكنهما قادران على التأثير على الطرفين. وأوضح مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط» أن «الفريق الأميركي في جنيف يتواصل بانتظام مع نظرائنا الروس على مستويات عدة، ضمن جهودنا للتواصل في جنيف مع المعارضة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، من خلال مجموعة لندن الحادية عشرة (الأساسية لمجموعة أصدقاء سوريا) لندفع عملية (جنيف2) إلى الأمام ولندعم جهود الممثل المشترك الإبراهيمي».
ونقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن مصدر دبلوماسي قوله إن الخبراء الروس والأميركيين اتفقوا أمس على زيادة الضغط على وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين للتوصل إلى تسوية في محادثات جنيف. وأوضح المصدر الذي لم تكشف عن هويته الوكالة: «اتفقنا على أنه ينبغي علينا قبل أي شيء تعزيز التعاون بيننا وزيادة الضغط كي يعملا معا بمزيد من النشاط للتوصل إلى تسوية».
وأقر وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أمس بوجود هذه الضغوط، إذ قال في تصريح نقلته عنه وكالة الأنباء السورية «سانا» إن وفد الحكومة السورية يتعرض لـ«ضغط كبير إعلاميا وسياسيا وبكل الأشكال». ويقوم رئيس البعثة الروسية في جنيف السفير أليكسي بورودافكين برئاسة الفريق الروسي في جنيف الذي يشرف على التواصل مع وفد الحكومة السورية، بينما السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد يكثف جهوده في جنيف مع فريقه للتواصل مع وفد المعارضة. وقد التقى بورودافكين بفورد هذا الأسبوع للتأكيد على ضرورة إبقاء الوفدين في عملية التفاوض رغم عدم نجاح الأيام الأولى في إحراز تقدم ملموس على الأرض في سوريا. كما أن السفيرين يتواصلان مع فريق الإبراهيمي للإعداد للجولة المقبلة من المفاوضات. والتشاورات المكوكية بين الفريقين الأميركي والروسي مستمرة منذ أسابيع، وحتى قبل بدء المفاوضات رسميا كما استمرت خلال الأسبوع الماضي.
ويذكر أن في قاعة التفاوض يجتمع الإبراهيمي والوفدان السوريان فقط، بينما يبقى الدبلوماسيون الأميركيون والروس وغيرهم من دول معنية بالملف السوري، مثل فرنسا وبريطانيا، قريبين من سير المفاوضات من خلال المشاورات مع الأطراف المعنية.
وأفاد مصدر دبلوماسي غربي في جنيف بأن الأميركيين والروس أبلغا وفدي المعارضة والحكومة السورية بأن المفاوضات يجب أن تستمر وأن أي طرف ينسحب سيقدم «فوزا دبلوماسيا» للطرف الآخر، لذا عليهما الإبقاء على المفاوضات وقبول الدخول في جولة ثانية. وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك نسبية باستمرار عملية التفاوض للجولة الثانية بسبب نفوذ وضغوط الروس من جهة ومجموعة الدول الحادية العشرة الأساسية (لمجموعة أصدقاء سوريا) على الطرفين، حتى وإن لم تكن خطة التفاوض للمرحلة المقبلة واضحة بعد».



«الحُمّيات» تفتك باليمنيين... والفقر يقلل من فرص النجاة

الفقر والنزوح يساهمان في انتشار الأوبئة باليمن ويعقّدان من وسائل مواجهتها (الأمم المتحدة)
الفقر والنزوح يساهمان في انتشار الأوبئة باليمن ويعقّدان من وسائل مواجهتها (الأمم المتحدة)
TT

«الحُمّيات» تفتك باليمنيين... والفقر يقلل من فرص النجاة

الفقر والنزوح يساهمان في انتشار الأوبئة باليمن ويعقّدان من وسائل مواجهتها (الأمم المتحدة)
الفقر والنزوح يساهمان في انتشار الأوبئة باليمن ويعقّدان من وسائل مواجهتها (الأمم المتحدة)

اتسعت رقعة انتشار أمراض الحُمّيات، خصوصاً الملاريا وحمى الضنك، في مختلف المحافظات اليمنية، وتعدّ المناطق الساحلية والسهلية الأشد تضرراً خلال فصل الشتاء، فيما يتسبب الفقر وضعف القطاع الصحي في معاناة السكان وعدم قدرتهم على مواجهة الأوبئة، في ظل انحسار كبير للمساعدات الدولية.

ورغم أن البلاد تشهد حالياً طقساً بارداً يُفترض أن يقلل من مسببات هذه الأوبئة؛ فإن عوامل الرطوبة واستمرار هطول الأمطار في المحافظات السهلية والساحلية ساهمت في تكاثر البعوض الناقل لها بالتزامن مع ضعف وسائل مكافحته ومنع انتشاره.

واضطرت السلطات الطبية في محافظة مأرب (173 كيلومتراً شرق صنعاء)، إلى إعادة فتح مراكز الحجر الطبي بسبب الانتشار الواسع لعدد من الأوبئة؛ منها الملاريا وحمى الضنك والحصبة والكوليرا والدفتيريا. وكشفت «وحدة التَّرَصُّد الوبائي» في المحافظة عن تسجيل 892 إصابة بحمى الضنك و150 بالدفتيريا خلال العام الماضي، ولم تحدد أعداد الإصابات المسجلة بالملاريا.

وبينما انسحبت غالبية المنظمات الدولية والأممية التي كانت تعمل على تقديم الرعاية الطبية في مخيمات النزوح، فقد ساهمت «المنظمة الدولية للهجرة» في دعم مكتب الصحة العامة والسكان لتوزيع 53 ألف ناموسية مُشَبَّعَة بالمبيد على أكثر من 107 آلاف شخص في عدد من المديريات.

«الصحة العالمية» سجلت أكثر من مليون اشتباه إصابة بالملاريا وما يتجاوز 13 ألفاً بحمى الضنك العام الماضي (الأمم المتحدة)

ورغم انخفاض أعداد الإصابات بالملاريا المسجلة في محافظة تعز (جنوبي غرب) بنحو 50 في المائة خلال العام الماضي مقارنة بالأعوام السابقة، فإن انتشار الوباء لا يزال يوصف بالكارثي في المحافظة الأكثر سكاناً بالبلاد.

وأفاد تيسير السامعي، مدير الإعلام الصحي في محافظة تعز، «الشرق الأوسط» بتسجيل إصابة 4338 حالة بالملاريا في المنشآت الطبية منذ بداية العام الماضي وحتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع عدم تسجيل أي حالة وفاة.

وتعدُّ مديرية موزع، وهي مديرية قريبة من الساحل الغربي للبلاد، الأعلى من حيث أعداد الإصابات بالملاريا؛ إذ سجل القطاع الطبي 1157 حالة، تليها مديرية المخا المجاورة والساحلية بـ867 حالة، ثم مديرية مقبنة بـ689 حالة، وفقاً للإحصائية التي أوردها السامعي.

تدهور القطاع الصحي اليمني ساهم في انتشار الأوبئة وقلل من فرص مكافحتها (الأمم المتحدة)

وبين السامعي أن «قدرات القطاع الصحي في تعز شحيحة جداً، ولا تكفي لمواجهة الانتشار الكبير للأوبئة وأمراض الحُمِّيات، في حين لا يتوفر دعم كافٍ من الجهات الدولية المانحة، وتفتقر المراكز الصحية للأدوات والوسائل العلاجية والوقائية من الملاريا، ولا تتوفر لدى (البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا) الإمكانات اللازمة للقيام بمهامه على أكمل وجه».

وأبدى حسرته لحدوث «كثير من الوفيات بسبب الملاريا، التي يصعب الحصول على بياناتها من قبل القطاع الصحي، ودون أن تتمكن العائلات من إنقاذ أرواح ذويها الذين تفاقمت إصاباتهم بالوباء بسبب الفقر وعدم القدرة على الحصول على الرعاية الطبية الكافية».

استيطان شبوة

منذ بداية العام الماضي، أبلغ اليمن عن أكثر من مليون و50 ألف حالة يشتبه في إصابتها بالملاريا، و13 ألفاً و739 حالة يشتبه في إصابتها بحمى الضنك، كما أوردت منظمة الصحة العالمية في بيان لها منذ أكثر من شهر.

واستوطنت حمى الضنك في محافظة شبوة (جنوب) منذ عام 2002 وفقاً لحديث علي الذيب، مدير مكتب الصحة، الذي أكد أنه لا يمر عام دون أن تسجل هناك حالات تقدر بالآلاف أحياناً، وبلغ العدد المسجل في العام الماضي 1806 حالات على مستوى جميع المديريات، بينما كانت هناك 463 حالة يشتبه في أنها ملاريا.

تعاون أممي ورسمي في حملات رش لليَرَقات لحماية 4 ملايين يمني من الأمراض المنقولة بالبعوض (البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا)

وأوضح الذيب لـ«الشرق الأوسط» أن أهم الصعوبات التي تواجه أنشطة القطاع الصحي في المحافظة لمواجهة الحميات «نقص الوعي الصحي في أوساط المجتمع بكيفية الحد من انتشار البعوض الناقل للأمراض، وزيادة الأعباء الاقتصادية على السكان نتيجة الحرب التى تمر بها البلاد، وهو ما نتجت عنه زيادة في استهلاك المياه غير النظيفة وتصريفها بشكل غير صحي».

وإضافة إلى تلك الصعوبات، فهناك «ضعف الميزانية المخصصة لمكافحة الأوبئة، والهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي التي ساهمت في نقل العدوى واستنزاف المخزون الدوائي»، طبقاً للمسؤول الصحي اليمني.

ويبذل القطاع الصحي في محافظة شبوة جهوداً كبيرة رغم شح الإمكانات؛ إذ «يسعى إلى إيجاد آليةِ ترصّد وبائي فعالة في جميع المواقع. وافتُتحت مراكز للحميات في المحافظة لاستقبال الحالات الحرجة، مع تأهيل كادر طبي للتعامل مع حالات حمى الضنك، وتدريب العاملين في جميع المرافق الصحية، وتوفير الأدوية والفحوصات السريعة للحميات».

هشاشة صحية في لحج

وفي اليمن مناطق ذات معدلات انتقال عالية للملاريا، كما ورد في تقرير من «منظمة الصحة العالمية»، التي قدرت أن 21 مليون شخص معرضون لخطر الإصابة بهذا الوباء الذي يشكل، مع حمى الضنك، مشكلة صحة عامة رئيسية.

توزيع الناموسيات المشبعة بالمبيد في عدد من المحافظات اليمنية الموبوءة (البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا)

ورغم انخفاض الكثافة السكانية في محافظة لحج (جنوب) وتباعد التجمعات السكانية، فإنها تشهد انتشاراً واسعاً لأمراض الحميات التي تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة، في ظل نقص شديد بالخدمات الطبية.

وذكرت مصادر طبية بمحافظة لحج لـ«الشرق الأوسط» أن فصل الشتاء الحالي شهد انتشاراً واسعاً للملاريا وحمى الضنك وأمراض أخرى؛ نتيجة هطول الأمطار التي تسببت في نشوء المستنقعات التي تعدّ بيئة تكاثر للبعوض، في عدد من المديريات، مشيرة إلى أن تشابه أعراض الحميات وضعف القطاع الصحي يقللان من إمكانية الحصول على إحصاءات وبيانات بشأن هذه الأوبئة.

وبينت المصادر أن المراكز الصحية والمستوصفات في مديريات الحوطة وتُبَن والمضاربة ورأس العارة والمقاطرة والقبيطة، تستقبل يومياً حالات كثيرة من الحميات متشابهة الأعراض، بالتزامن مع انتشار واسع للبعوض هناك، في حين لا تسجَّل الوفيات الناجمة عن هذه الحميات ضمن بيانات القطاع الصحي؛ إلا بعض الحالات التي تستقبلها المنشآت الطبية.

فعالية رسمية بمحافظة شبوة ضمن برنامج حكومي للوقاية من الملاريا (البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا)

القصور في جمع البيانات والمعلومات بشأن أعداد الإصابات والوفيات أرجعته المصادر إلى «ضعف القطاع الصحي، وعدم إمكانية الحصول على تشخيص حقيقي للحالات، بالإضافة إلى أن كثيراً من المصابين يعالجون في المنازل إما باستشارة هاتفية مع الأطباء، وإما بوصفات شعبية تعتمد على الأعشاب والمشروبات الساخنة».

ويطالب الأهالي السلطات المحلية بسرعة اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة انتشار البعوض، عبر أعمال الرش الضبابي في مناطق تجمعاته، وردم المستنقعات، وتغطية خزانات المياه، وإيجاد حلول لتصريف مياه الحمامات، والتخلص من النفايات بعيداً عن المساكن، إلى جانب نشر التوعية بكيفية مواجهة الحميات والوقاية منها.

ويعمل «البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا»، رغم محدودية الموارد والإمكانات، على حملات موسعة في المحافظات الموبوءة لتوزيع الناموسيات المُشَبَّعة بمبيدات البعوض الناقل للأمراض، وتنفيذ أنشطة توعوية للسكان والفرق الصحية.