بعد ستين عاماً على الحرب... جروح الاستعمار حاضرة عند الفرنسيين من أصول جزائرية

عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت في باريس (أرشيفية - أ.ف.ب)
عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت في باريس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

بعد ستين عاماً على الحرب... جروح الاستعمار حاضرة عند الفرنسيين من أصول جزائرية

عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت في باريس (أرشيفية - أ.ف.ب)
عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت في باريس (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد نحو ستين عاماً على انتهاء حرب الجزائر لم تندمل جروح الاستعمار بعد لدى جزء من الشباب الفرنسي من أصول جزائرية في وقت دعا فيه تقرير رفع أمس (الأربعاء) إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المصالحة والتوفيق بين ذاكرة البلدين.
وتقول ليلي بوقروي (35 عاماً) وهي ابنة حركي مقيمة في جنوب غربي فرنسا أن العمل على ذاكرة حرب الجزائر تأخر كثيراً موضحة: «نحن في عام 2021 ولا زلنا نتحدث عن هذا الأمر ولا زلنا نحاول القيام بما كان ينبغي القيام به قبل 40 عاماً»، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
والجزائر حاضرة في الذكريات العائلية لملايين الأشخاص في فرنسا وفرنسيين كانوا مقيمين في الجزائر واضطروا إلى مغادرتها وحركيين وهم جزائريون حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي، أو مهاجرين جزائريين. وعندما كلف ماكرون المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا بإعداد تقرير بهذا الخصوص، أوضح الرئيس الفرنسي أنه يريد «إنجاز العمل التاريخي حول حرب الجزائر»، مضيفاً أن الذكريات المرتبطة بهذا النزاع «هي جروح» مفتوحة.
وترى المحللة النفسية كريمة ما زالي صاحبة كتاب حول الموضوع «الجرح يحلل فقط لدى الآخر الذي تعرض للاستعمار لكن ليس في صفوف سكان (البلد المستعمِر) إطلاقاً. وقد ألحق ذلك الكثير من الأضرار في نفوس أبناء المهاجرين». ثمة أضرار والكثير من الأسئلة لدى جيل، لم ترد عليها بعد روايات الأجداد الذين شهدوا عنف الحرب لكنهم يلوذون بالصمت في غالب الأحيان.
وتقول دنيا وحيد (24 عاماً) وجداها لأمها جزائريان، إن الانتقال إلى سن الرشد يحمل تساؤلات حول هذه الذاكرة المدفونة. وتوضح: «مع النضج بدأت بطبيعة الحال أطرح أسئلة حول ما حصل وأرغب في أن أعرف المزيد عن تاريخي». إلا أن جدها وجدتها يلزمان الصمت حيال هذه المسألة وهما انتقلا للإقامة في وسط فرنسا بعد الحرب بحثاً عن عمل. وتؤكد: «عائلة أمي لا تطرح الموضوع بتاتاً. للمفارقة والدي وهو مغربي هو الذي يطرح الأسئلة».
ويرى مهند بنشريف (32 عاماً) وهو صاحب شركة حارب والده في صفوف الجيش الفرنسي قبل مغادرته الجزائر في 1963 أن تقديم الدولة الفرنسية لاعتذارات أمر لازم. إلا أن فرنسا استبعدت ذلك.
ويقول هذا الفرنسي من أصل جزائري الذي ولد في ضاحية باريس إن «الناس لا يطالبون بتعويض بل باعتراف»، موضحاً أنه لا يريد سوى اعتذارات لننتقل إلى شيء آخر. على فرنسا أن تقدم اعتذاراً لأنها لم تكن بمستوى القيم الفرنسية». ويقارن هذا الشاب الثلاثيني المصالحة الفرنسية - الألمانية التي احتاجت إلى «نحو عشر سنوات»، بتلك التي لم تنجز بعد بين فرنسا والجزائر «ولا نزال بعيدين عنها».
وتقول المحللة النفسية/ «الفرنسيون من أصل جزائري يتأثرون بالجوانب الآنية الباقية من هذه القضية ويتساءلون عن مكانهم في الجمهورية لأنه ما إن تطرح مسألة الاندماج والحجاب حتى نعود إلى الكلام نفسه الذي كان مستخدماً في الحقبة الاستعمارية». تروي ليلى بوقروي التي وصل والدها إلى معسكر الحركيين في بيرجوراك (جنوب غربي فرنسا) في يونيو (حزيران) 1962 من بين نحو 60 ألف حركي نقلوا إلى فرنسا، لا تزال الضغينة قائمة.
وتوضح: «أراد والدي أن يبعدنا عن كل هذه الأمور ولم يجعلنا نشعر بأي شيء. لكن مع تقدمي بالسن أدركت أن ما حصل لهم لم يكن عادلاً».
وفي ختام هذه الحرب التي اتسمت بفظائع وبالتعذيب وألحقت صدمة كبيرة بالمجتمعين الفرنسي والجزائري، تخلت فرنسا عن الحركيين الآتين في غالب الأحيان من أوساط فلاحية ومتواضعة، رافضة استقبالهم بأعداد كبيرة فوقع عدد منهم ضحية عمليات انتقام في الجزائر.
ومر الذين نقلوا منهم إلى فرنسا عبر معسكرات كانت الظروف فيها صعبة جداً. وفي إطار المصالحة، دعا تقرير ستورا إلى مبادرات رمزية قوية حول تشارك أرشيف الحقبة الاستعمارية أو مسألة المفقودين خلال الحرب.
وهذه العملية متواصلة بصعوبة منذ نهاية النزاع في 1962. وترى كريمة ما زالي أنها لن تنجز «ما لم يتم إشراك كل الأطراف فيها. لا نخرج من 130 عاماً من تاريخ فظيع مع «نهاية سعيدة».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.