فيما تتواتر أنباء عن تغيير في الرؤية الأميركية لمستقبل الوضع في سوريا والحاجة لفتح حوار مع الرئيس السوري بشار الأسد والتخلي عن المطالبة برحيله والقبول ببقائه في السلطة لمنع انهيار الدولة وسيطرة الجهاديين المتطرفين، حرص وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس أمس على وضع النقاط على الحروف وتأكيد ثبات باريس على موقفها من النظام والمعارضة ومن مجمل الوضع في سوريا. كذلك سعى فابيوس لتوضيح موقف بلاده مما يشاع على أنها في «حرب على الإسلام» ومن الحاجة إلى «تعبئة شاملة» في الحرب على الإرهاب. كذلك عرج فابيوس على الوضع في ليبيا والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي دون أن ينسى من دول المنطقة إيران التي دعاها وروسيا إلى الانخراط في جهود البحث عن السلام وتثبيت الأمن والاستقرار.
في الملف السوري، لم يشأ فابيوس أن يخوض عميقا في المواقف الأميركية وما ينسب للمسؤولين الأميركيين من توجهات انعطافية في سياستهم إزاء الأسد. لكن بالمقابل، شدد فابيوس على موقف بلاده الرافض اعتبار الأسد جزءا من الحل في سوريا. وقال فابيوس: «ليس هناك أحد يتمتع بالمنطق يمكن أن يعتبر شخصا أفضت سياسته إلى تمزيق الشعب السوري تماما وأوقعت 200 ألف قتيل أنه يمثل مستقبل شعبه. هذا كلام لا معنى له». بيد أن فابيوس الذي أكد أكثر من مرة أن الحل في سوريا «لا يمكن أن يكون إلا سياسيا»، رأى أن الحل الموعود يجب أن يبرم بين المعارضة المعتدلة و«عناصر من النظام»، لأنه «لا يتعين أن يسقط النظام بما يعنيه من ارتباط بالدولة بشكل تام، لأن هذا يعني أننا سنعرف النتيجة نفسها التي عرفناها في العراق»، في إشارة إلى انهيار بنى الدولة العراقية بعد احتلال العراق وحل الجيش ومؤسسات أخرى.
ويثير الموقف الأميركي «الجديد» الكثير من التساؤلات في فرنسا التي رفضت المشاركة في الضربات الجوية للتحالف الدولي في سوريا، لأنها تستهدف فقط مواقع «داعش» وتترك النظام جانبا، علما أن فابيوس وصف النظام و«داعش» بأنهما «وجهان لعملة واحدة». وبدا واضحا أمس أن باريس «عدلت» موقفها من الجهود الروسية التي كانت تعارضها بداية لأنها رأت فيها مسعى روسيا لشق المعارضة وضرب الائتلاف و«تشريع» النظام. وأمس، أشار فابيوس إلى اجتماعات موسكو التي يقاطعها الائتلاف باعتبارها جزءا من الجهود الدبلوماسية والسياسية الإيجابية المبذولة «إلى جانب ما تقوم به مصر والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا». لكن واشنطن أبدت إيجابية أكبر عندما أكدت «الدعم لكل الجهود» الآيلة إلى العثور عن حل سياسي دائم للنزاع في سوريا. وفي أي حال، ترى فرنسا أن بقاء الأسد في السلطة هو «أفضل هدية» يمكن تقديمها لـ«داعش».
بيد أن دبلوماسيين فرنسيين يبدون أكثر تحفظا لجهة إمكانية الفصل بين النظام والدولة. وتساءلت مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» عن إمكانية الفصل بين النظام من جهة والدولة من جهة أخرى؟ وعن احتمال بقاء النظام في حال سقطت أركانه الصلبة التي يقوم عليها أو المؤسسات الأمنية التي حمته حتى الآن؟ وتدعو المصادر الفرنسية إلى «بلورة سياسة غربية واضحة» إزاء الأسد، بدءا بالدول الأوروبية مخافة أن يذهب كل بلد في طريق ما من شأنه أن يريح النظام ويخفف الضغط عنه. وتبدي هذه المصادر نوعا من التشاؤم من الخطط الأميركية الهادفة إلى تدريب 5 آلاف مقاتل يختارون بعناية من أوساط المعارضة المسلحة من أجل مقاتلة «داعش»، وتتساءل عما إذا كانت «داعش» قد «أنست» نهائيا أصل الأزمة السورية.
أما في موضوع الإرهاب، فقد حرص فابيوس بصفته المسؤول عن سياسة بلاده الخارجية على تصحيح «الانطباع» الذي قد تكون لدى البعض من أن سياسة فرنسا لما بعد الهجمات الإرهابية في باريس أصبحت «معادية للإسلام». وقال الوزير الفرنسي إن هذا الكلام «مغالطة» لأن سياسة فرنسا إزاء كل الدول الإسلامية تقوم على الحوار والتعاون وهما نقيض العداء، مضيفا أن فرنسا «عندما تحارب الإرهابيين، إنما تدافع عن أمن المسلمين الذين هم أولى ضحايا الإرهاب».
وقال فابيوس ردا على من يدعون إلى تغيير «جذري» في السياسة الفرنسية لما بعد العمليات الإرهابية أو على من يرون أنها ستتغير لجهة التوقف عن محاربة الإرهاب، إن هؤلاء «يجافون الحقيقة» لأنها «ليست العمليات العسكرية الفرنسية في الخارج (مالي، العراق). هي التي جاءت بالإرهاب، إذ إن الإرهاب كان سابقا عليها». وبحسب الوزير الفرنسي، فإن الإرهاب أصبح «واقعا عالميا»، والبقاء مكتوفي اليدين «لا يعني أبدا الحماية منه بل العكس تماما وتوفير معاقل له في المناطق التي تضربها الفوضى» في إشارة واضحة إلى الجنوب الليبي أو مناطق أخرى في أفريقيا. وبمواجهة الإرهاب الشامل، طالب فابيوس بـ«استراتيجية شاملة». وأخيرا، رد فابيوس على من دعا إلى إحداث تبدل في سياسة فرنسا إزاء قطر والسعودية، بالقول إن «شراكة» قديمة تقوم بين بلاده وبينهما وأن الجملة التي تختصر موقف باريس هي: «لا ممالأة ولا تشهير». وفي السياق عينه حث فابيوس أنقره وموسكو على «الانخراط في جهود السلام والأمن». وفي الموضوع الليبي، دعا فابيوس إلى انخراط بلدان الجوار في جهود السلام وكذلك الأسرة الدولية، مشيرا إلى أن، باريس، من خلال «عملية البركان» التي تعني إعادة نشر قواتها الموجودة في أفريقيا وتوجيها بشكل أساسي لمحاربة الإرهاب، «تقوم بواجبها» في هذا الميدان لكنها «عاجزة» وحدها عن إيجاد حلول لجميع المشكلات.
وزير الخارجية الفرنسي يرفض الانفتاح على الأسد ويدعو للمحافظة على بنى الدولة السورية
فابيوس: لسنا معادين للإسلام ومحاربتنا الإرهاب تصب في مصلحة المسلمين
وزير الخارجية الفرنسي يرفض الانفتاح على الأسد ويدعو للمحافظة على بنى الدولة السورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة