الاحتجاجات في مصر تدخل مرحلة جديدة بعد شهور من الهدوء النسبي

الاتحاد الأوروبي دعا لضبط النفس.. والإخوان لأنصارهم: «الخيارات مفتوحة»

الاحتجاجات في مصر تدخل مرحلة جديدة بعد شهور من الهدوء النسبي
TT

الاحتجاجات في مصر تدخل مرحلة جديدة بعد شهور من الهدوء النسبي

الاحتجاجات في مصر تدخل مرحلة جديدة بعد شهور من الهدوء النسبي

تركت المواجهات الدامية التي شهدتها العاصمة المصرية القاهرة في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير علامة استفهام حول مستقبل الاحتجاجات في البلاد. وبعد مظاهر احتفاء خلال الشهور الماضية بفقدان جماعة الإخوان المسلمين القدرة على الحشد، تنازعت وجهتا نظر قراءة المشهد، فبينما قال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم إن الإخوان فقط كانوا في الشوارع، رأى مراقبون تحدثت معهم «الشرق الأوسط» أن ثمة تحولا جرى وأن أطرافا أخرى شاركت في الاحتجاجات، الأمر الذي يعكس تمللا لدى قطاعات أخرى «ينذر بالخطر».
وفيما سادت حالة من الهدوء النسبي أمس، دعا الاتحاد الأوروبي الأطراف في مصر إلى ضبط النفس، لكن تحالفا تقوده جماعة الإخوان تعهد بمواصلة التظاهر، قائلا إن «الخيارات مفتوحة في وجه كل مؤسسة أو جهة أو شخصية (...) تصر على إفقار المصريين».
وقتل يوم (السبت) الماضي أكثر من 20 شخصا بينهم مسيحيان، ومجندا شرطة خلال مظاهرات واكبت الذكرى الرابعة للثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، في أعنف موجة عنف تشهدها البلاد منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي منتصف العام الماضي.
ومنذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو (تموز) عام 2013 دخل أنصار جماعة الإخوان في مواجهات عنيفة مع القوى الأمنية، سقط خلالها مئات القتلى، لكن تراجعت تلك الصدامات خلال الشهور الماضية إلى حد بعيد مع تنامي عزلة الجماعة شعبيا.
وقال وزير الداخلية في مؤتمر صحافي عقده بمقر الوزارة بوسط القاهرة أمس إنه لولا تصدي القوى الأمنية بحسم لمظاهرات (السبت) لما كان الوضع على ما هو عليه الآن، مشددا على أن من كان في الشوارع هم الإخوان فقط.
لكن الدكتور وحيد عبد المجيد الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المواجهات التي شهدتها البلاد السبت لم تكن مقتصرة على الإخوان، من يرى غير ذلك إما يخدع نفسه أو يخدع الآخرين، فهناك توسع في نطاق المشاركين في هذه المواجهات، وهناك خدمات مجانية تقدمها السياسة الأمنية، لكنها تصب في مصلحة الإخوان».
وتحدث اللواء إبراهيم الذي تعرض قبل نحو عامين لمحاولة اغتيال فاشلة عن مخطط لجماعة الإخوان المسلمين. وقال الوزير إنه «كانت هناك نوايا باستهداف أقسام الشرطة واقتحامها، لكن تشديد التعزيزات الأمنية حول المنشآت العامة حال دون وقوع ذلك».
وأشار اللواء إبراهيم إلى إن قوات الأمن ألقت القبض على 516 شخصا من أنصار جماعة الإخوان خلال أحداث العنف التي شهدتها القاهرة والمحافظات تزامنا مع الذكرى الرابعة لثورة يناير، كانت أكثرها حدة في منطقة المطرية (شرق القاهرة).
وأضاف الوزير أن بعض عناصر الإخوان اعتلوا أسطح المباني في حي المطرية، وأطلقوا أعيرة نارية عشوائية، مما أدى إلى وقوع العديد من القتلى والمصابين.
ويرى عبد المجيد أن ما جرى من مواجهات واكبت ذكرى الثورة بداية تحول في طبيعة تلك المواجهات، لافتا إلى أن «الأطراف التي كان لديها رفض شديد في الوجود مع الإخوان في فعالية واحدة بدأ ينحسر لديها هذا الرفض لأنهم قوبلوا بعنف ربما أكبر من العنف الموجه ضد أنصار الجماعة».
وأعلنت حركة شباب 6 أبريل وقوى شبابية أخرى تنظيمها عددا من المسيرات الاحتجاجية في ذكرى الثورة يوم السبت. وقتلت الناشطة السياسية شيماء الصباغ خلال مسيرة لوضع أكاليل من الزهور في ميدان التحرير عشية ذكرى الثورة.
وأضاف عبد المجيد أنه في ظل «التضييق السياسي الراهن واستمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يجد الإخوان بيئة مواتية لهم، وإذا لم تحدث وقفة لمراجعة السياسة المتبعة لوضع الأداة الأمنية في حجمها الحقيقي، للأسف الشديد دائرة المواجهات ستتوسع وستكون النتيجة مغايرة لما كان ممكنا تغييره قبل شهور حينما بدأت قدرة الإخوان في الانحسار».
وأشار الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان إلى تحول آخر عكسته المواجهات الدامية التي جرت يوم السبت. وقال بان، وهو قيادي سابق في جماعة الإخوان إن «ما جرى يشير لتحول استراتجي، فالجماعة لم تعد تسيطر على قواعدها بشكل واضح وأنها انتقلت من حالة استلاب القواعد إلى العكس فباتت الآن القواعد هي التي توجه على الدفة.. خصوصا الشباب الذي شهد مشاهد دموية بداية من رابعة العدوية (ميدان حشدت فيه الجماعة أنصارها وتم فضه في عملية خلفت مئات القتلى) وما تلاها، وهؤلاء مدفوعون بروح الثأر، ولا نبرئ الدولة من التدابير التي تقفز على الدستور والقانون».
وأضاف أن «موت (شيماء) الصباغ في ميدان طلعت حرب (وسط القاهرة) أمر كاشف لممارسات القوى الأمنية ويستدعي انتباه الدولة التي يجب أن تعيد قراءة المشهد وتستمع لمطالب الشباب وتتعاطى بشكل مختلف مع ثورة 25 يناير».
وأشار بان لحضور أطياف أخرى خلال فعاليات إحياء ذكرى ثورة 25 يناير قبل يومين، وإن وصفه بأنه «حضور على استحياء». وتابع: «هذا ناتج عن أن تلك الأطراف تخشى من تصنيفها كجزء من جماعة الإخوان أو مشروعها أو ثأرها مع الدولة، وربما لا تريد الدولة أن تخسر هؤلاء، لكنهم موجودون في المشهد».
وفتحت قوات الجيش والشرطة ميدان التحرير، بوسط القاهرة، بعد يوم من إغلاقه، أمام حركة السيارات، كما سمحت للمواطنين بالسير داخل الميدان، في الوقت الذي تواصل فيه تمركز دبابات تابعة للجيش وآليات للشرطة في مداخل الميدان ووسطه.
وفي الساعات الأولى من صباح يوم أمس أنهى المحتجون اعتصامهم بمنطقة المطرية، وسط تفجيرات وتفكيك عبوات ناسفة وحرائق بـ6 محافظات مختلفة.
وفي غضون ذلك، قدمت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فريديريكا موغريني، التعازي لأسر القتلى الذين قتلوا في مصر خلال أحداث عنف تزامنت مع إحياء الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير.
ودعت موغريني، في بيان مقتضب نشر على الموقع الإلكتروني للاتحاد الأوروبي، جميع الأطراف في مصر إلى ضبط النفس، وقالت «يجب أن تصان حرية التظاهر السلمي والحوار هو السبيل الوحيدة للمضي قدما وإحراز التقدم المنشود».
وبينما ساد هدوء نسبي العاصمة القاهرة، دعا تحالف تقوده جماعة الإخوان أنصارها إلى مواصلة ما سمته الموجة الثورية. وقال التحالف في بيان له أمس حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن «الغضب انطلق ولن يتوقف وخطواته المفاجئة يقررها الثوار».
وأضاف البيان: «أمامكم الخيارات العادلة الناجزة مفتوحة في الثورة في وجه كل مؤسسة أو جهة أو شخصية تدعم الانقلاب وتصر على إفقار المصريين»، على حد وصف البيان.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».